كتب الأستاذ عبده مباشر مقالا في الأهرام في3 أكتوبر سنة2010 بعنوان الفرص الضائعة فلسطينياب أشار فيه إلي أنه بعد سنوات من الصراع الدامي ومعاناة المحنة بكل أبعادها لاحت فرصة نادرة عام2000 حين انتهت مفاوضات كامب ديفيد بين كل من الرئيس الأمريكي كلينتون ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إلي مشروع اتفاق كانت الظروف الدولية وظروف كل من كلينتون وباراك, وراء الاستجابة الايجابية للتطلعات الفلسطينية المشروعة. وعندما عرض أبو عمار المشروع علي المسئولين المصريين طالبوا الزعيم الفلسطيني بتوقيع الاتفاق لأن الجانب الفلسطيني لن ينال ولن يتوصل إلي مثل هذا الاتفاق مستقبلا. وقالوا له بوضوح إن عدم التوقيع يعد خيانة للقضية ولكل الفلسطينيين. ووعد عرفات بالتوقيع وأضاف الأستاذ مباشر بأنه عاد إلي مقره وجد من يقول له إن حياته ستكون الثمن.. تراجع عرفات ورفض التوقيع ولم يكتف بذلك بل اطلق انتفاضة ثانية مستثمرا زيارة اريل شارون للمسجد الأقصي. والحق أن ما قاله الأستاذ عبده مباشر يختلف عما يقوله معظم من درسوا ملف التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي في كامب ديفيد سنة2000 وفي مقدمتهم روبرت مالي, المساعد الخاص لكلينتون في مفاوضات كامب ديفيد والذي كتب مقالا في مجلة الشئون الخارجية الأمريكية الصادرة في مايو يونيو سنة2002 يحكي فيه ما حدث في كامب ديفيد, كما كتب محمود عباس, رئيس السلطة الفلسطينية, والذي شارك في مفاوضات كامب ديفيد, تقريرا قدمه إلي المجلس المركزي الفلسطيني عما دار في المفاوضات, بل إن الكاتب الاسرائيلي عبيلوك أورد شهادات ثلاثة من الاسرائيليين الذين شاركوا في المفاوضات, ومنهم شلومو بن عامي وزير الخارجية الاسرائيلي السابق, وجيلعاد شير, المفاوض الاسرائيلي في كامب ديفيد, أضف إلي ذلك كتاب كلايتون سويشر, حقيقة كامب ديفيد: الوقائع الخفية لانهيار عملية السلام في الشرق الأوسط, وكتاب نصير عاروري, أمريكا الخصم والحكم: دراسة توثيقية في عملية السلام ومناورات واشنطن منذ سنة1967 وكتاب أحمد قريع بعنوان الرواية الفلسطينية الكاملة للمفاوضات من أوسلو إلي خريطة الطريق, وكتاب بلال الحسن بعنوان الخداع الاسرائيلي, رؤية فلسطينية لمفاوضات كامب ديفيد وتوابعها. تقول تلك الروايات أنه عندما دعا كلينتون كلا من عرفات, وباراك, إلي مفاوضات الحل النهائي في كامب ديفيد في يوليو سنة2000, طالبت السلطة الفلسطينية بتنفيذ الاتفاقات التي وقعت في اطار عملية اوسلو منذ سنة1993 قبل الدخول في تلك المفاوضات, وهي الاتفاقات التي لم ينفذ معظمها ولم تحترم فيها اسرائيل اتفاقا واحدا وقعته مع السلطة, بل انه في ظلها تضاعف الاستيطان الصهيوني في فلسطين,ولكن كلينتون ضغط من أجل عقد القمة قبل نهاية رئاسته, وقبل أن يتم تنظيف المائدة في الاستحقاقات الفلسطينية, كما كان عرفات يقول. وتجمع الروايات علي أن كلينتون قدم مسودة ورقة كأساس للتفاوض سرعان ما سحبها بعد اعتراض اسرائيل, وحول التفاوض إلي عرض غير مكتوب, كان هو بالأساس العرض الاسرائيلي الذي طلب باراك بموجبه ضم القدسالشرقية والكتل الاستعمارية وساحل الميت ومعظم وادي الأردن, وأن تعطي السلطة الفلسطينية96% مما تبقي من الأراضي المحتلة, فإذا تذكرنا أن ما طلبت إسرائيل ضمه يشكل15% من الأرض المحتلة, فإن إسرائيل كانت تعرض إعادة80% من الضفة والقطاع, وليس96%. فالخدعة الإحصائية هي أن نسبة96% التي تشير إلي العرض السخي الذي قدمته اسرائيل تنصرف إلي ما تبقي من الأرض المحتلة وليس إلي الأرض المحتلة عام1967, كذلك عرضت إسرائيل بقاء69 مستعمرة يعيش فيها85% من المستعمرين داخل الدولة الفلسطينية, وفي ظل حماية إسرائيلية, وهو ما يعني أن تلك الدولة ستكون مقسمة إلي أجزاء أربعة تفصلها المستعمرات, علما بأن عدد المستعمرين آنذاك كان002 ألف مستعمر, وترتبط بتلك الأجزاء بطرق التفافية وأنفاق تسيطر عليها إسرائيل, كذلك تشرف إسرائيل علي حدود وأجواء ومواني الدولة الفلسطينية بالاضافة إلي مصادر المياه, كما تضم القدسالشرقية نهائيا وتعطي السلطة الفلسطينية سلطة غير سيادية علي سطح المسجد الأقصي ولا يمتد ذلك إلي ما أسفله. اسرائيل, والولايات المتحدة كانا يعرضان علي عرفات انشاء بانتوستانات معزولة. الأهم من ذلك أن كل ما سبق لايعد اتفاقا نهائيا, ولكنه مجرد إطار يتم التفاوض حوله تمهيدا لتوقيع اتفاق نهائي فيما بعد. ولكن في الوقت ذاته تصدر السلطة الفلسطينية بيانا رسميا فوريا بالاعتراف بانتهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي, وأنه لا توجد مطالب أخري في المستقبل. طلب عرفات التفاوض علي هذه العروض الشفوية و لكن كلينتون وباراك أصرا إما علي قبول العرض أو رفضة فورا. وطالب عرفات بأن يتم التوصل إلي اتفاق نهائي في كامب ديفيد لأن خبرته السابقة تشير إلي أن اسرائيل توقع اعلانا مشتركا ثم تعود في المفاوضات لكي تفرغه من مضمونه أو ترفض تنفيذه. ولكن كلينتون وباراك أصرا علي مجرد اعلان مشترك يكون مقدمة لمفاوضات أخري. وبطبيعة الحال رفض عرفات وكل أعضاء الوفد الفلسطيني قبول العرض بصورته تلك. كان كلينتون يحاول أن ينتزع من عرفات اعلانا بانتهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي قبل أن يتم حل الصراع علي أرض الواقع, هذا في الوقت التي تبدأ فيه مفاوضات جديدة لن تنتهي أبدا حول كيفية تنفيذ الاعلان. بل أن عرفات, قدم تنازلات مهمة في كامب ديفيد أهمها قبول مبدأ تبادل الأراضي وتنازله عن مبدأ العودة الكاملة إلي حدود سنة1967, والعودة الكاملة للاجئين, فهل يمكن بعد ذلك القول إن عرفات رفض عرضا سخيا يستجيب للمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني؟ قال الكاتب الاسرائيلي جاب شيفر ردا علي هذا السؤال في مقالة نشرها في هاآرتس في24 يوليو سنة2002 ان باراك حقق هدفه في كامب ديفيد, وهو افشال المفاوضات ولا ننسي أن باراك كان من أكبر المعارضين لاعلان أوسلو الصادر سنة1993, وبالتالي فقد حضر إلي كامب ديفيد لدفن هذا الاعلان, وهو مانجح فيه بامتياز. بل إن رون بونداك, أحد المفاوضين الاسرائيليين في كامب ديفيد, حمل باراك مسئولية فشل المؤتمر كما حمله سليتر المسئولية ذاتها قائلا إن هدف باراك في المؤتمر كان محاصرة عرفات وتحميله مسئولية الفشل, ولم يكن يسعي أبدا للوصول إلي أي اتفاق, بينما حمل شلومو بن عامي, المسئولية علي كلينتون ذاته لأنه لم يمارس ضغطا كافيا علي باراك لتقديم أي تنازلات, كما أن كلايتوم سويشر يحمل كلينتون ذاته مسئولية الفشل. هل طلبت مصر من عرفات قبول مثل هذا العرض كما يقول يقول الأستاذ عبده مباشر في مقاله؟ ليس هناك في كل الروايات المشار اليها ما يفيد أن مصر فعلت ذلك, ومن الضروري تقديم الدليل علي أن مصر ضغطت علي عرفات لقبول هذا العرض الوهمي, كذلك فقد استؤنفت المفاوضات في واشنطن في18 23 ديسمبر من العام ذاته. وفي تلك المفاوضات قدم كلينتون عرضا اسرائيليا جديدا علي أنه عرض أمريكي تم استئناف المفاوضات علي أساسه في طابا, في يناير2001, وقد عرضت إسرائيل الانسحاب من96% مما تبقي من الضفة والقطاع, وتعويض الفلسطينيين لضم الكتل الاستعمارية بأراضي إسرائيلية, مع فتح ممرات بين الضفة والقطاع تحت سيطرة الدولة الفلسطينية. أما فيما يتعلق بالقدس, فإنها ستكون عاصمة لدولتين فلسطينية وإسرائيلية, وأن كل ما هو يهودي في القدس سيظل تحت سيادة إسرائيل, بينما يظل كل ما هو فلسطيني تحت سيادة الدولة الفلسطينية, مع عودة مائة ألف لاجئ فلسطيني إلي ديارهم بواقع عشرة آلاف كل سنة وتعويض الباقين. كانت طابا هي أقرب نقطة توصل عندها الطرفان إلي تسوية. مرة أخري طلب المفاوض الفلسطيني أبو علاء وضع هذا الاتفاق علي الورق, ولكن المفاوض الاسرائلي شلومو بن عامي رفض, ومن ثم ذهب عرفات إلي واشنطن, وأخبر كلينتون أنه يقبل المشروع الذي عرضته اسرائيل في طابا, وأنه يطلب منه اخبار اسرائيل بذلك. ولكن كلينتون تجاهل الرد علي عرفات ورد علي عرض عرفات بتوقيع صفقة بيع طائرات أباتشي لإسرائيل. لماذا تجاهل كلينتون قبول عرفات لعرض طابا اذن؟. يجيب عن ذلك مناحم كلاين, مستشار شلومو بن عامي, أن باراك أخبره أنه لم يرسله إلي طابا الا ليكشف عن وجه عرفات الحقيقي, وأنه لم يرسله للتوصل إلي أي اتفاق فهل يمكن بعد ذلك القول إنه كان هناك ثمة عرض أو فرصة رفضها ياسر عرفات؟ وهل صحيح أن عرفات هو الذي أشعل الانتفاضة الثانية مستثمرا زيارة شارون للمسجد الأقصي؟ أم الصحيح أنه عشية زيارة شارون قام عرفات بزيارة باراك سرا في منزله وناشده منع زيارة شارون للمسجد الأقصي لأنها ستؤدي إلي نتائج لايستطيع التحكم فيها, وان باراك رفض طلب عرفات وأصر علي الزيارة المشئومة لأنه كان يريد استثارة الفلسطينيين لمعاقبتهم علي دعمهم لرفض عرفات قبول عرض كلينتون الوهمي؟ ليس من العدل تحميل ياسر عرفات مسئولية الفشل الذي خطط له باراك في كامب ديفيد كما يقول أقرب معاونيه, فالحق أن عرفات فعل ما كان سيفعله أي وطني عربي في مكانه.