الأنظمة الفاسدة تسرق 40 مليار دولار سنويًّا و5 مليارات فقط عادت خلال 15 عامًا محيط - السيد سالم
مبارك للفساد في العالم العربي دور محوري في نشوب الثورات، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى برهان، ولذلك فليس من المستغرب أن تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الأنظمة الفسادة في الدول النامية تسرق سنويا ما بين 20 إلى 40 مليار دولار، وأنه تم إرجاع 5 مليارات فقط خلال ال15 عاما الماضية.
وعلى سبيل المثال يواجه الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته اتهامات بالفساد عن قضايا يحاكم عليها غيابياً ارتكبها إبان توليه المسئولية، وهو الأمر الذي تكرر مع الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وعائلته، حيث يحقق جهاز الكسب غير المشروع في مصادر أموال العائلة بعد تضخم ثروتها بشكل غير قانوني،
يأتي ذلك في ظل حكم غيابي صدر ضد وزير المالية المصري السابق يوسف بطرس غالي، بالسجن لمدة 30 عاماً، بسبب تلاعبه بالمال العام. علاوة على حكم بحبس وزير التجارة والصناعة المصري رشيد محمد رشيد لمدة 5 سنوات في قضايا فساد أيضًا.
هذا وقد تم إلقاء القبض على رجل الأعمال المصري الهارب حسين سالم، الذي يصفه البعض بأنه صندوق أسرار مبارك والرجل الأول المقرب منه، وصاحب أشهر قضية فساد في مصر وهي ملف تصدير الغاز لإسرائيل.
حسنى مبارك ونجليه علاء وجمال وحسين سالم وعلى الرغم من أن سويسرا تبنت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قانوناً يعتبر الأكثر صرامة من نوعه بالنسبة لاستعادة الأموال التي سرقها السياسيون الفاسدون، وأصبح من السهل على الدولة أن تستعيد أموالها التي سرقها الحاكم الفاسد، لكن الثورات العربية لفتت إلى عدم كفاية الجهود الدولية لمحاربة الفساد.
وكانت المصارف السويسرية الخيار الأمثل للدكتاتوريين الفاسدين للاحتفاظ فيها بحسابات سرية تقدر بملايين الدولارات، أمثال حاكم نيجيريا السابق اني اباشان، ورئيس الفلبين السابق فرديناند ماركوس، ورئيس هايتي السابق جين كلود دوفالير.
ولعل سويسرا اتخذت إجراءات تجميد أموال العديد من القادة، من ضمنهم بن علي ومبارك ورئيس ساحل العاج السابق لورينت جباجبو، بسبب الخشية على سمعتها من ناحية كونها ملاذاً آمناً للأموال غير الشرعية، وهو الأمر الذي من الممكن أن يفقدها القدرة على جذب الأموال الشرعية.
وبسبب إبعاد هؤلاء الفاسدين الأموال التي جمعوها عن طريق الفساد إلى خارج بلدانهم، أكد الربيع العربي أن الجهود الدولية الحالية لمكافحة الفساد غير كافية، بالرغم من الالتزامات الدولية التي تمنع مثل أعمال النهب هذه.
وحسب رأي محللين فإنه من الصعب جداً إعادة الأموال المنهوبة إلى الدولة التي تم تهريبها منها، لأسباب عديدة، أهمها أن تلك الأنظمة الفاسدة تبقى في الحكم طوال حياتها، وإذا قدر لها أن تخلع من الحكم أو تتنحى وتم العثور على الأموال المنهوبة، فإن ثمة عقبات قضائية تمنع عودتها،
بالإضافة إلى أنه من الممكن أن تكون القيادة الجديدة للدولة لها علاقات خفية مع القيادة الفاسدة التي سبقتها، أو أنها غير قادرة على تقديم الأدلة الكافية لإثبات أن الأموال المطلوبة إرجاعها إلى الدولة تم نهبها من المال العام. ولذلك فإن المتوقع أن جزءاً ضئيلا جدا من أموال الفساد يمكن إرجاعها إلى الدولة المنهوبة.
وعلى الرغم من أن 140 دولة وافقت على التوقيع على اتفاقية تابعة للأمم المتحدة لمكافحة الفساد تدعى (يونكاك) عام 2005، وتعهد الدول الموقعة بتبني إجراءات حقيقية لمنع الفساد،
ماكينة دولارات 1 مثل تشكيل هيئات لمكافحة الفساد، والحفاظ على هيئات قضائية مستقلة وتأسيس أنظمة تحصيل شفافة وتجريم الرشى والاختلاس من المال العام، والتعاون مع الدول الاخرى لتجميد ومصادرة أموال هذه الجرائم، وإعادة الاموال المنهوبة الى الدول التي سرقت منها؛
لكن لسوء الحظ، فإنه ليس هناك آلية تتمتع بالمصداقية لضمان تنفيذ هذه الدول لاتفاقية «يونكاك»؛ إذ إن زيارة المفتشين عن الفساد المالي لأي دولة لا تتم إلا بموافقة الدولة المستهدفة،
كما أن التحقيقات المتعلقة بأي دولة تظل سرية إلا إذا وافقت الدولة المعنية على نشرها. إضافة إلى أن الدورة الاولى- استنادا إلى وتيرة العمل الحالية من التقييم-تستغرق 15 عاماً حتى تكتمل.
يأتي ذلك في الوقت الذي كشف فيه القنصل المصري العام بجنيف شريف عيسي، أن القانون السويسري لا يسمح باسترداد الأموال المهربة إلي سويسرا إلا بعد صدور حكم نهائي مستنفذا كافة سبل إجراءات الطعن عليه وان يكون صادرًا من محكمة جنائية وليست استثنائية ويكون متوافقا مع القواعد القانونية ويراعي المعايير الدولية دون اية إرهاب للهيئات القضائية.
مشيرا الي أن استرداد أموال المصريين المهربة الي جنيف والتي أعلنت عنها الحكومة السويسرية وتقدر ب420 مليون فرنك يتوقف علي التحرك المصري السليم وسرعة إنجاز الملف من الناحية القضائية والإجراءات البنكية.
ولعل المطلوب ليس هو إعادة الأموال المهربة التي تم الكشف عنها فقط، بل يجب تتبع أموال المسئولين المهربة بعد نقلها إلى جهات غير معلومة لحكومات البلدان المنهوبة من أجل استعادتها.