عدو الإسلام وصعود إسرائيل الدبلوماسي شريف الشوباشي هناك ظواهر كثيرة تتراكم وتتقاطع منذ فترة لكنها تحمل كلها دلالات متلاقية محصلتها أن المشاعر السلبية تجاه الإسلام والمسلمين تكسب أرضاً بسرعة كبيرة في الغرب حتي في دول كانت تعتبر صديقة أو علي الأقل متعاطفة مع مواقفنا. ولا أتفق مع الذين يتخذون موقف الاستهانة باتجاه الريح الذي يهب ضد المسلمين بشدة هذه الأيام أو الذين يريحون ضمائرهم باطلاق الأحكام القاطعة كالقول بأن الغرب عدو تقليدي للإسلام ومن الطبيعي أن يشن حملة صليبية علينا، وسأحاول قبل التعليق واستخلاص النتائج أن ألخص بعض هذه الظواهر وأرجعها الي دلالاتها كما أفهمها، وأتمني أن أكون مخطئاً في تشخيصي. ولعل من أكثر هذه الظواهر لفتاً للانتباه ما حدث بالفاتيكان عاصمة الكنيسة الكاثوليكية خلال احتفالات عيد الفصح هناك حيث قام البابا بندكت السادس عشر بتعميد مصري يدعي مجدي علام اعتنق المسيحية وهو في الخامسة والخمسين من عمره. وأنا شخصياً مؤمن بأن الدين هو قناعة تترسخ في أعماق النفس البشرية وهناك آلاف يغيرون ديانتهم كل عام دون ضجيج أو دعايات مغرضة، لذا فانني لا أري أي داع للقلق والجزع الذي ينتاب البعض عندما يخرج شخص عن الإسلام ويعتنق المسيحية، فهذا الانسان لن ينقص الاسلام شيئاً كما انه لن يزيد المسيحية شيئاً. لكن مشكلة مجدي علام هذا انه يكرس حياته منذ فترة للتهجم علي الاسلام والتحريض عليه، ويبدو أنه صحفي فاشل هاجر إلي إيطاليا واكتشف ان افضل وسيلة تعاونه علي لفت الانظار وشق طريقه هناك هي السير في اتجاه التيار الغالب الذي يعتبر ان المسلمين هم مصدر العنف والإرهاب وعدم الاستقرار في العالم.. بل والمزايدة علي الايطاليين أنفسهم في هذا الاتجاه. * * * ومن أجل استكمال معايير النجاح علي الطريقة الغربية اتخذ هذا الرجل المريض نفسياً موقفاً مؤيداً لإسرائيل وأصبح من أشد أنصار »حقوق« الدولة العبرية ومن المهاجمين للشعب الفلسطيني والشعوب العربية. وإذا كان من الوارد ان يقوم البابا بتعميد أي شخص يعتنق المسيحية فإنه من المثير للدهشة والتعجب أن يختار من بين الآلاف هذا الرجل الذي بني سمعته علي إهانة الإسلام والمسلمين.. كما انه من المريب ان يفتح له الإعلام الغربي الأبواب علي مصراعيها لشن حملته الضارية علي الدين الإسلامي وعلي العرب فيعفي بذلك أعداء الإسلام من التعبير عن كراهيتهم لديننا علي طريقة »وشهد شاهد من أهلها« فلم تعد هناك حاجة للمزيد. وبعد انتهاء مراسم التعميد ادلي هذا الرجل المنبطح بتصريحات نارية قال فيها ان »جذور الشر موجودة في قلب الاسلام بغض النظر عن التطرف والإرهاب الاسلامي الحاليين«، وأكد انه باعتناقه المسيحية قد تخلص من »دين يشرع الكذب والمداهنة«.. كما ارجع اقتناعه بالعقيدة المسيحية الي اعجابه بالبابا بندكت. وبصراحة فإن الأزهر الشريف يعف عن الدعاية لمسيحي يسب دينه ويتباهي بكراهيته للمسيح ولا يمكن ان تستبيح وسائل الإعلام المصرية لنفسها ان تعطي لمثل هذا الشخص فرصة للتهجم علي الديانة المسيحية. وكنت أحب أن أصف ما صنعه البابا بأنه هفوة غير مقصودة.. لكن تاريخه القصير علي رأس الكنسية الكاثوليكية اصبح حافلاً بالمواقف المشبوهة تجاه الاسلام وكان أشهرها محاضرته باحدي جامعات المانيا حيث اقتطف جزءاً من كتابات احد القدماء تفيض بالكراهية والحقد علي الدين الاسلامي، ومن الواضح ان هذا البابا يتصور ان مهمته السامية هي محاربة الإسلام كما كرس البابا السابق يوحنا بولس الثاني حياته لمحاربة الشيوعية. ولا يخفي أن مواقف البابا الأول والثاني تتماشي ان تماماً مع أجندة السياسة الغربية حيث كان همهما الأول في الثمانينيات هو القضاء علي الأنظمة الشيوعية. وكان البابا السابق يضع ثقله وقيمته الروحانية لخدمة هذا الهدف السياسي وساهم اسهاماً مؤكداً في انهيار الشيوعية، أما اليوم فان ادارة الرئيس الأمريكي بوش قد وضعت استراتيجيتها علي أساس ان العدو هو العالم الاسلامي.. فنجد البابا ينصاع لأجندة الإدارة الأمريكية ويسخر سلطته المعنوية الضخمة علي مئات الملايين من الكاثوليك لتحقيق هدف سياسي بعيد تماماً عن مهمته الروحية السامية. * * * وكرجع الصدي أو كالصورة المستنسخة يظهر بهولندا رجل يدعي جيرت فيلدرز يصب اللعنات ويتهجم علي الاسلام بأسلوب وضيع لا يليق بمنصبه كنائب بالبرلمان الهولندي. وقد بدأ هذا الرجل حملته علي الاسلام منذ اكثر من عشرين عاماً في بداية حياته السياسية، وقد أسدي اليه بعض الحكماء من بلاده انذاك بنصيحة كانت صالحة في ذلك الوقت لكنها لم تعد صالحة اليوم حيث اكدوا له انه اذا اراد ان يرتقي في عالم السياسة فان عليه ان يخفف من عدائه للاسلام والجهر بمواقفه المتشددة ازاء العالم العربي الاسلامي، كان ذلك في نهاية الثمانينيات عندما كانت المجتمعات الغربية ملتزمة باحترام العرب والمسلمين وكان من الصعب الجهر بمواقف حادة تتعدي حدود الأدب واللياقة ازاء الإسلام. والمثير للدهشة أن هذا النائب قد صبغ شعره باللون الاصفر الفاقع وهو تصرف شاذ كان من المفروض ان يقضي علي فرصه في النجاح السياسي، لكنه يبدو ان العداء للاسلام لم يعد عقبة تحول دون النجاح في عالم السياسة الغربية حيث ان هذا الرجل الغريب الاطوار قد صعد نجمه في سماء السياسة الهولندية وأصبح بؤرة اهتمام اعلامي ملحوظ في الآونة الأخيرة بتصريحاته النارية ضد الإسلام والمسلمين. وقد وجد فيما يبدو ان التبجح والوقاحة في التهجم علي الاسلام اصبح ورقة رابحة فأنتج فيلماً قصيراً بعنوان »فتنة« يتمحور حول فكرة أن القرآن الكريم هو مصدر الهام للارهاب والعنف، ولأن التليفزيون الهولندي قد أبدي تحفظه علي اذاعة الفيلم كما هو دون حذف بعض الفقرات الصارخة فقد قرر الرجل ان يضعه بالكامل علي موقع خاص بالانترنت. واستغل الضجة التي أثيرت حول الموضوع لاطلاق احكام حمقاء وشديدة التعصب حيث قارن بين القرآن الكريم وبين كتاب »ماين كامب« أي »معسكري« الذي قام بتأليفه ادولف هتلر، وكان هذا الكتاب الاساس الأيديولوجي للفكر النازي العنصري الذي تسبب في مجزرة الحرب العالمية الثانية.. كما تجرأ علي الرسول الكريم مؤكداً أنه ارتكب جرائم حرب في حياته وعقد مقارنة بينه وبين هتلر. ولا يخفي علي القارئ الكريم أن اسم هتلر في الغرب عامة وفي أوروبا الغربية خاصة مرادف للشيطان. وقد قمنا كالعادة بتخفيف الحقيقة المرة وأبرزنا تصريحات لبعض المسئولين الأوروبيين يتحفظون علي مواقف هذا الرجل الكريه.. لكن الواقع ان غالبية التصريحات الرافضة له كانت من منطلق الخوف من رد فعل عنيف او عمليات ارهابية من جانب المتطرفين الذين يرفعون لواء الإسلام زوراً وبهتاناً أكثر منها احتراماً لنا وتضامناً معنا. * * * ومن يتابع الصحف الغربية في الفترة الأخيرة لابد ان يلاحظ تطوراً في اتجاه التخويف من الاسلام والربط بينه وبين العنف والتطرف.. وسأكتفي هنا بمثالين للتدليل علي حملة الترويع من الاسلام ومن الزحف الاسلامي الكاسح كما يقولون علي الدول الغربية، فبتاريخ 15 مارس الماضي نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالاً بعنوان: »خوف في الغرب.. لكن ما هي الشريعة؟« أكدت في صدارته ان »66« في المائة من المصريين يؤيدون ان تكون الشريعة الاسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع في مصر، وبغض النظر عن مضمون المقال فان فكرة تطبيق الشريعة تثير حفيظة المواطن العادي في أمريكا والدول الغربية وتعد في نظر الغالبية الساحقة هناك بمثابة هيمنة فكر معاد للغرب ولا يطمح الا لتقويض اركان الحضارة الغربية. أما صحيفة لو فيجارو فقد نشرت بعددها الصادر في 21 مارس مقالاً بعنوان بارز يقول: »الإسلام سيكون الديانة الأولي في بروكسل بعد عشرين عاماً«، وقد تشكل هذه المعلومة بشارة مفرحة بالنسبة لنا لكنها تمثل خبراً مزعجاً للغاية بل ذعراً بالنسبة لأهل بلجيكا وللأوروبيين كلهم. وتتوسط المقال صورة ضخمة لفتاتين وضعتا علم بلجيكا علي هيئة حجاب فوق رأسيهما مما يرمز الي ان الاسلام سوف يبتلع بلجيكا. ويختتم المقال بجملة لابد انها تثلج الدماء في عروق الأوروبيين الذين يروعهم الإعلام ليل نهار من الاسلام والمسلمين، والجملة علي لسان أحد المسلمين المقيمين في بلجيكا يؤكد بها ان »المهاجرين المسلمين قد فعلوا الكثير وربما ما هو اكثر من اللازم من اجل الانخراط في المجتمع البلجيكي. واليوم فانه اصبح علي بلجيكا ان تكيف نفسها مع الاسلام«. والمعني واضح ولا يحتاج الي بيان بالنسبة للقارئ الغربي وهو أن الغزو الإسلامي قادم عليهم لا محالة. * * * وقد حاولت في السطور السابقة أن أقدم تلخيصاً للجو المتنامي الذي تغذيه بعض الأوساط السياسية ووسائل الإعلام في الغرب لتصوير الاسلام علي انه الشبح الذي يهدد امنهم واستقرارهم بل وحضارتهم ذاتها. وفي الأسبوع القادم سوف ألقي الضوء علي الجانب الآخر للصورة وهو الصعود الدبلوماسي لإسرائيل علي خلفية هذا المناخ السلبي المتصاعد ضد العرب والاسلام واحاول ان استخلص ما ينبغي أن نقوم به لتصحيح هذه الأوضاع. عن صحيفة الوفد المصرية 2/4/2008