النشرة الصباحية من «المصري اليوم»: رقم صادم في حصيلة وفيات الحجاج المصريين.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم.. اشتباكات في رفح الفلسطينية    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. رابع أيام عيد الأضحى 2024    اليوم.. مصر للطيران تبدأ جسرها الجوي لعودة الحجاج إلى أرض الوطن    محافظ الغربية يتابع إزالة 13 حالة تعدي على الأراضي الزراعية ومخالفات بناء    إعصار مدمر يجتاح سواحل تكساس وشمال شرق المكسيك    النمسا تدعم مساعي مولدوفا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي    مودرن فيوتشر ينعى مشجعتي الأهلي بعد مصرعهما عقب مباراة الاتحاد    أثار الذعر في الساحل الشمالي.. ماذا تعرف عن حوت كوفييه ذو المنقار؟    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خيام النازحين في المواصي شمال رفح    المحافظ والقيادات التنفيذية يؤدون العزاء فى سكرتير عام كفر الشيخ    التفاح ب18 جنيها.. أسعار الفاكهة والخضراوات في سوق العبور اليوم الأربعاء    غارات إسرائيلية جديدة جنوب لبنان بالتزامن مع زيارة المبعوث الأمريكي    الإعلان عن وفاة أكثر من 300 مصري خلال الحج    حسن الخاتمة.. وفاة الحاجّ ال 12من الفيوم خلال أداء مناسك الحج    الأعلى للآثار يكشف عدد زائري المواقع الأثرية والمتاحف خلال العيد    أسعار النفط تصل إلى أعلى مستوياتها في أكثر من شهر    جوميز يستقر على بديل «زيزو» في مباراة الزمالك وفاركو المقبلة    ترامب: بايدن جعل أمريكا أضحوكة العالم    انطلاق احتفالات دير المحرق.. بحضور 10 آلاف زائر يوميا    محمد رمضان يعلن غيابه عن دراما رمضان 2025    كريمة الحفناوي: الإخوان يستخدمون أسلوب الشائعات لمحاربة معارضيهم    هل الأموات يسمعون كلام الأحياء؟ دار الإفتاء المصرية تكشف مفاجأة    سورتان للمساعدة على التركيز والمذاكرة لطلاب الثانوية العامة    أجزاء في الخروف تسبب أضرارا صحية خطيرة للإنسان.. احذر الإفراط في تناولها    ريال مدريد ينهي الجدل بشأن انتقال مدافعه لميلان    بعد 17 عامًا من طرحه.. عمرو عبدالعزيز يكشف عن مفاجأت من كواليس «مرجان أحمد مرجان»    موعد مبارة ألمانيا والمجر ضمن يورو 2024.. التشكيل المتوقع    «المركزى» يعلن ارتفاع الودائع ل10.6 تريليون جنيه    عشرات الشهداء والجرحى في قصف إسرائيلي على خيام النازحين في المواصي    القبض على السائق المتسبب في مصرع مشجعتي الأهلي أمام استاد برج العرب    القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير مسيرات للحوثيين في اليمن    «ثورة أخيرة».. مدينة السلام (20)    مؤسسة علمية!    مستشار الشيبي القانوني: قرار كاس هو إيقاف لتنفيذ العقوبة الصادرة بحقه    ملف يلا كورة.. انتصار الأهلي.. جدول مباريات الليجا وبريميرليج.. وفوز تركيا والبرتغال في يورو 2024    الحكومة الجديدة والتزاماتها الدستورية    مصرع مسن واصابة اثنين في انقلاب سيارتين بالغربية    إجراء عاجل من السفارة المصرية بالسعودية للبحث عن الحجاج «المفقودين» وتأمين رحلات العودة (فيديو)    في ثالث ايام عيد الاضحى.. مصرع أب غرقًا في نهر النيل لينقذ ابنته    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    لبيك يا رب الحجيج .. شعر: أحمد بيضون    عودة محمد الشيبي.. بيراميدز يحشد القوة الضاربة لمواجهة بلدية المحلة    احتفالية العيد ال 11 لتأسيس ايبارشية هولندا    مكتب الصحة بسويسرا: نهاية إتاحة لقاح كورونا مجانا بدءا من يوليو    ماذا حققت محطة تحيا مصر متعددة الأغراض بعد عام من افتتاحها؟    ليلى علوي تهنىء أبطال فيلم "ولاد رزق "    حظك اليوم.. توقعات برج العذراء 19 يونيو 2024    أشرف غريب: عادل إمام طول الوقت وسط الناس    المراجعة النهائية لمادة اللغة العربية لطلاب الصف الثالث الثانوي.. نحو pdf    علامتان محتملتان للإصابة بالسرطان في يديك لا تتجاهلهما أبدًا (صور)    تصدُر إسبانيا وألمانيا.. ترتيب مجموعات يورو 2024 بعد انتهاء الجولة الأولى    أسقف نجع حمادي يقدم التهنئة للقيادات التنفيذية بمناسبة عيد الأضحى    بطريرك السريان الكاثوليك يزور بازيليك Notre-Dame de la Garde بمرسيليا    بعد وفاة العشرات خلال الحج بسببها.. كيف يمكن أن تكون ضربة الشمس قاتلة؟    بدائل الثانوية الأزهرية| معهد تمريض مستشفى باب الشعرية - الشروط وتفاصيل التقديم    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقائق موثّقة من تاريخ لبنان
نشر في محيط يوم 12 - 03 - 2008


حقائق موثّقة من تاريخ لبنان
ياسين سويد
تابعت، باهتمام كبير، الحلقة التي بثتها قناة LBC، مساء 5/2/,2008 في برنامج «بكل جرأة» للاعلامية الآنسة «مي شدياق»، عن الطائفة المارونية، ورغم اني لا أقر مناقشة شؤون طائفية في وسائل الاعلام (المرئية والمسموعة والمقروءة)، لما تحتمله من تأويلات ليست في صالح ما نتوق بلوغه، في هذا الوطن، من إلغاء للطائفية التي تسمم مجتمعنا، حتى بلوغ العلمنة، ولاعتقادي ان وطنا يبنى على التمايز الطائفي، هو جرح قابل للنزف، في كل حين، وان الوطن القادر القوي هو الوطن الديموقراطي العلماني الذي به نحلم وإليه نتطلع، ورغم ان المحاورين (الاباتي بولس نعمان والاستاذ ميشال إده) هما مثقفان مهمان لا يرقى الى وطنيتهما الصادقة، أي شك، فقد رغبت في التوقف عند بعض الأمور، معبرا عن وجهة نظر ترقى، في اعتقادي، الى مستوى الحقائق التاريخية المسندة والموثقة.
وبعيدا عن أي تفكير طائفي، ومع احترامي الفائق للبطريركية المارونية ودورها المميز في إنشاء الكيان اللبناني عام ,1920 فإن من صنع «الكيان اللبناني» وباقي الكيانات في بلاد الشام، (وكانت سبعة كيانات هي: دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين ودولة جبل الدروز، ولبنان وشرق الاردن وفلسطين، ثم اختصرت بأربعة هي: سوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين)، هم:
انكلترا وفرنسا، بواسطة: مارك سايكس وجورج بيكو، مهندسي مقررات مؤتمري «سايكس بيكو» و«سان ريمو».
والمنظمة الصهيونية العالمية، التي كانت تسعى لدفع حدود فلسطين، شمالا، حتى صيدا القرعون (راجع مقالتنا في جريدة «النهار» بتاريخ 19/11/2004 حول هذا الموضوع، وبالوثائق المثبتة).
والكنيسة المارونية التي كان على رأسها، يومذاك، البطريرك الشهير «الياس الحويك» الذي لعب دورا مهما في إنشاء هذا الكيان، ضمن كيانات بلاد الشام التي أقيمت في ذلك الحين، كما هو معلوم.
والواقع ان تقسيم بلاد الشام، بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد «وعد بلفور»، لم يتم بناء لرغبات أي من أهل هذه البلاد، بمن فيهم الموارنة، بل كان يهدف الى إنشاء كيانات ضعيفة وعاجزة وغير قادرة على مقاومة الاطماع الصهيونية التي استطاعت انتزاع فلسطين من الدول المنتصرة في تلك الحرب، فأنشئت حول فلسطين (الكيان المستقبلي لليهود) كيانات صغيرة وضعيفة مثل سوريا ولبنان والأردن، بدلا من ان تبقى دولة «سوريا الكبرى» التي تضم هذه الدويلات في الأصل، بما فيها فلسطين، موحدة، مما يعيق تحقيق الحلم الصهيوني.
والثابت، تاريخيا، ان مؤتمر «سايكس بيكو» الذي أدى الى تقسيم «بلاد الشام» الى «دويلات» منها لبنان، عقد في الوقت نفسه الذي كان «الملك فيصل» يفاوض انكلترا وفرنسا بالذات، على إنشاء «مملكة عربية سورية» تضم، في ما تضم، «جبل لبنان» وهو المشروع الذي عارضه البطريرك حويّك، بينما سعى شقيقه سعد الله الحويك، عضو مجلس إدارة المتصرفية، مع رفاق له من اعضاء المجلس، للذهاب الى دمشق لمبايعة الملك فيصل، ولكن سلطات الانتداب الفرنسي منعتهم وسجنتهم.
أما مؤتمر سايكس بيكو، فهو لم يعقد إلا لمصلحة المنظمة الصهيونية العالمية وبتوجيه منها، ولمصلحة قيام كيان عنصري لها في فلسطين، وهو ما تعهدت به انكلترا في صك انتدابها على فلسطين الذي أقرته «عصبة الأمم» عام 1922 (انظر مقدمة صك الانتداب البريطاني على فلسطين، والمواد 2 و4 و6 و7 منه).
والثابت تاريخيا، كذلك، ان مخترعي حدود الكيان اللبناني، وكذلك المطالبون به، اعتمدوا، اساسا، أول مشروع لكيان لبناني في التاريخ، وهو المشروع الذي وضعه الجنرال «دي بوفور دوتبول» بتاريخ 15 شباط ,1861 والذي اقترح فيه إنشاء دولة لبنانية «من النهر الكبير شمالا، حتى مرتفعات جبال لبنان الشرقية (انتيليبان) ومرتفعات جبل الشيخ (مع الاحتفاظ بمقاطعات بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا، شرقا، فحدود مقاطعات الحولة وبلاد بشارة جنوبا، فالبحر المتوسط غربا) وهي حدود احتفظ بها «لبنان الكبير» عند انشائه عام ,1920 باستثناء «الحولة» التي ضمت الى فلسطين، وذلك بعد صراع طويل مع المنظمة الصهيونية العالمية التي كانت تبغي توسيع حدود فلسطين شمالا، على حساب الكيان اللبناني المقترح، ويبدو ان من أنشأ الكيان اللبناني استعار مشروع «بوفور دوتبول» بكامله، وبحرفيته: المحافظات والأقضية والبلدان بتسمياتها الحالية (راجع نص التقرير كاملا، بالفرنسية، في كتابنا: Corps exépditionnaire de Syrie, Rapports et correspondence, 1860-1861 pp. 239-255 وبالعربية، في كتابنا: فرنسا والموارنة ولبنان، ص279 ,296 وفي موسوعتنا: موسوعة تاريخ لبنان، ج1: 3644 وج9: 118132).
أما القول بأن حدود لبنان الكبير رسمت في بكركي، فهو قول فيه الكثير من المبالغة، وشاهدنا على ذلك ما وجدناه في «المحفوظات الفرنسية» من وثائق (نحتفظ بنسخ منها) تشير الى أنه، عندما كانت الدولتان الكبريان (فرنسا وانكلترا) تبحثان في مصير بلاد الشام، بعد الحرب العالمية الأولى، أصرت المنظمة الصهيونية العالمية على أن يقتصر الكيان اللبناني على مناطق «المتصرفية» دون سواها، ولما لم تتمكن من إقناع فرنسا (وهي الدولة المرشحة للانتداب على لبنان بعد انشائه)، عمدت الى محاولة توسيع فلسطين شمالا حتى حدود صيدا، بحيث تضم مجرى الليطاني، ولكنها فشلت كذلك، وكان سبق ان اقترحت على فرنسا وانكلترا ان تسير حدود فلسطين الشمالية كما يلي:
«تبدأ، في الشمال، عند نقطة على ساحل البحر المتوسط، بجوار مدينة صيدا، وتتبع مفارق المياه عند تلال سلسلة جبال لبنان حتى تصل الى جسر القرعون، ثم تتجه منه الى البيرة، متبعة الخط الفاصل بين حوضي وادي القرعون ووادي التيم، ثم تسير في خط جنوبي متبعة الخط الفارق بين المنحدرات الشرقية والغربية لجبل الشيخ (حرمون) حتى جوار بيت جن، وتتجه منها شرقا بمحاذاة مفارق المياه الشمالية لنهر مغنية، حتى تقترب من خط سكة حديد الحجاز، الى الغرب منه»، ولكن فرنسا قاومت ذلك، فرست الحدود الجنوبية للبنان على ما هي عليه اليوم.
ونجد، في المحفوظات الفرنسية، كذلك، تقريرا يؤكد ما ذهبنا اليه، وذلك في رسالة بعث بها رئيس مجلس الوزراء الفرنسي، وزير الخارجية «الكسندر ميللران» الى الجنرال غورو المفوض السامي الفرنسي في سوريا، بتاريخ 14 ايار عام 1920 (نحتفظ بنسخة منها) وقد جاء فيها ما يلي:
«في برقيتنا رقم 300 (23 آذار)، كنت قد اعلمتكم ان التصحيح المرتقب لحدود فلسطين لا يطال صور ولا حوران، المناطق التي اشرتم الى اهميتها، ويشرفني ان أوضح لكم، في ما يلي، الحدود التي اتفقت عليها كل من فرنسا وبريطانيا، في سان ريمو، وكذلك النقاط التي يجب الاتفاق عليها: «ان الخارطة التي استخدمت لترسيم الحدود موجودة في الصفحة 16 من أطلس فلسطين لآدم سميث كما توجد، كذلك، خارطة منفصلة، مقياس 253440/.01
«ينطلق الخط من البحر المتوسط، في نقطة على نحو 5 كلم جنوب صور، ويشار اليها برأس العين على الخارطة، وتتجه نحو حانا (Hanah) (وهي حناوية أو قانا)، مجتازة وادي عاشور في نقطة مزراح (Mezrah) (مزرعة مشرف)، ثم تحاذي وادي الماء، تاركة طورون (تبنين) في الجنوب، ثم تجتاز «وادي السلوقي» شمال شقرا، ثم تصل، في جنوب بيت رحوب (Bet Rehob) الى الخط الفاصل بين مياه الأردن وحوض الليطاني، ويبقى هذا الحوض الأخير لنا (أي للبنان) كاملا، وعندها، يتبع الخط القمة نحو الشمال ليصل الى مستوى منعطف الليطاني، ثم يتجه، بعد ذلك، في خط مستقيم، نحو القمة الأقصى، جنوبا، في جبل حرمون، حيث تبقى مرتفعاته في سوريا. ثم يمر هذا الخط على مسافة 8 كلم تقريبا شمال نقطة «دان» التوراتية، حسب الأطلس نفسه.
وهكذا نبقى ضمن العبارات التي يستخدمها السيد «جورج» تجاه الصهيونيين، وفي مجلس العموم، يعني: فلسطين، في حدودها التاريخية، من دان الى بئر السبع، ومن البحر الى القمة الأقصى، جنوبا، من جبل حرمون، وتعتبر الحدود التي يسبق ذكرها نهائية، علما بانها لم تكرس باتفاق خطي. وبعد حرمون، لم ترسم حدود فلسطين بعد، وفي رأينا، لا يمكن لهذه الحدود ان تحيد عن خط مستقيم شمال جنوب، انطلاقا من قمة حرمون حتى التقاء هذا الخط بخط سايكس بيكو. ولم تقبل الحكومة البريطانية، حتى اليوم، هذا الترسيم، بل أبدت رغبتها بأن ينحرف هذا الخط نحو الشرق، بحيث يشمل، اذا امكن، وفي منطقته، وادي اليرموك والخط الحديدي حتى درعا، وفي كل حال، لن تحقق هذه الرغبة.
«في الجنوب، وبعد مناقشات طويلة، رفعت حدود فلسطين حتى دان، حيث ثبتت من سفح الخاصرة، الجنوبية لحرمون حتى بحيرة طبريا، مقتربة كثيرا من خط سايكس بيكو (برقية رقم 594 تاريخ 13 حزيران ديبلوماسية)». (انظر موسوعتنا عن تاريخ لبنان، ج13119).
يؤكد هذا التقرير، اذن، ان حدود لبنان (الجنوبية، والى حد ما، الشرقية) كانت عرضة لمنازعات حامية بين المنظمة الصهيونية العالمية، تدعمها بريطانيا، من جهة، وفرنسا التي حرصت على ان تحتفظ للبنان ببعض المناطق التي طمع الصهاينة بضمها الى فلسطين لكي تصبح، في ما بعد، ضمن دولتهم، من جهة ثانية. (وثائق محفوظة لدينا، وهي صورة عن الأصل المحفوظ في «المصلحة التاريخية لجيش البر الفرنسي» بفنسين Service historiqué de l?armée de Terre- Vincennes، وانظر موسوعتنا: موسوعة تاريخ لبنان، الأجزاء 1215).
ولكن، هل أرضت حدود لبنان، التي رسمت بالاتفاق بين المنظمة الصهيونية العالمية والدولتين الكبريين، انكلترا وفرنسا، مع مساهمة ناشطة من البطريركية المارونية، مع فرنسا بالذات، كل الفئات اللبنانية؟
يبدو ان هذه الحدود لم ترض كل الفئات في لبنان، وشاهدنا على ذلك رسالة كتبها المطران «إينياس مبارك»، مطران بيروت للموارنة، الى «معالي المستر بيفن، وزير الشؤون الخارجية لصاحب الجلالة البريطانية، لندن» وذلك بتاريخ 12 تشرين الأول ,1946 (نحتفظ بصورة عنها)، وجاء فيها ما يلي:
«تسري انباء جادة، في بيروت، بأن حكومة صاحب الجلالة البريطانية تنوي اقتطاع جزء من شمال فلسطين لضمه الى لبنان، فإذا كان هذا المشروع حقيقيا، وهذا ما لا نتمناه أبدا، فإن النتيجة التي سيؤدي اليها هي زيادة عدد المسلمين في لبنان، وجعل المسيحيين أقلية في هذا البلد، ولكن لا يفوت معاليكم بأن لبنان كان، دائما، موطن المسيحيين في الشرق...
فإذا كان هناك من تغيير يجب ان يتناول الحدود، فإننا، نحن المسيحيين، نرغب بأن يقتطع جزء من جنوب لبنان، حتى نهر الليطاني، مثلا، لضمه الى فلسطين، وهكذا يتم انقاص عدد المسلمين في لبنان، بهدف اعطائه طابعه الحقيقي كبلد مسيحي».
وانطلاقا من هذه المبادئ والقناعات الثابتة لديّ، ومن تمسكي بعلمية البحث التاريخي، ووجدان المؤرخ الذي يسعى الى الحقيقة غير متأثر بأي منحى سوى الحقيقة نفسها، فإنني اعتمد، بقناعة تامة، وبكل تجرد، الحقائق التاريخية التالية:
1 إن لبنان (الكيان والدولة)، لم يكن إلا في مطلع القرن العشرين، وبالتحديد مع نشوء دولة لبنان الكبير عام ,1920 وقبلها، لم يعرف التاريخ كيانا او دولة باسم «لبنان».
2 إن «جبل لبنان» لا يعدو كونه واحداً من جبال الشام، (حسب التعريف الموسوعي للمعلم بطرس البستاني)، وهو إن تميز بمجتمعه الاتني (الماروني) فكما يتميز اي مجتمع محلي في اي بلد من بلدان العالم، (جبل عامل مثلا)، فلا يجوز، والحالة هذه، ان يعتبر تاريخ هذا الجبل، دون سواه، تاريخا لكل لبنان.
3 إن «جبل الشوف» او «جبل الدروز» هو موطن الامارتين المعنية والشهابية ومصدرهما، وقد ظل يحمل اسمه هذا الى عهد المتصرفية حين ضم الى جبل لبنان وتَسمّى باسمه، وقبل ذلك، كان «جبل الدروز» الذي هو «جبل الشوف» يعتبر موطنا ينسب سكانه إليه، وتعتبر «الدرزية» كما «الجنسية»، فيقال: درزي نصراني، ودرز عقيدي (un Druze Chrétien et un Druse Spirituel)، ويقول الجبرتي في ذلك: «وجاء الى القاهرة درزي نصراني اشتهر بصنع السيوف».
4 إن «متصرفية جبل لبنان» التي انشئت عام 1864 وظلت قائمة حتى مطلع الحرب العالمية الاولى، ليست هي لبنان (الكيان والدولة والشعب) الذي نرتضيه ونؤرخه، بل هي كيان اداري فحسب، فرضته ظروف طائفية معينة، وبتدخل من الدول الاجنبية الكبرى في ذلك الحين، وذلك بعد فشل الصيغة الطائفية التي انشأتها تلك الدول قبل هذه المتصرفية، للظروف نفسها، وسميت بالقائمقاميتين، كما انها لم تكن تضم كل مقاطعات دولة «لبنان الكبير».
5 ان الامارتين، المعنية والشهابية، اللتين اتخذ منهما المؤرخون اللبنانيون المعاصرون اساسا لتاريخ لبنان، لم تكونا مرتبطتين بنشوء كيان لبناني ما، بل لم تكونا معنيتين بإنشاء هذا الكيان، يؤكد ذلك ما نجده لدى المؤرخين الذين عاصروهما وأرّخوهما، اذ لم ينسب اي منهم الى هاتين الامارتين نسبة «اللبنانية»، كما لم يسم اي منهم امراءهما باسم «امراء لبنان»، بل، على العكس من ذلك، كانت تسمى الامارة المعنية او الشهابية «إمارة الدروز»، كما كان يسمى الامير المعني او الشهابي «أمير الدروز»، وإذا كان المؤرخون اللبنانيون المعاصرون الذين أرّخوا لبنان بعد نشوئه عام 1920 قد ألبسوا هاتين الامارتين لبوس «اللبنانية» وسموا امراءهما، تجاوزاً، باسم «أمراء لبنان»، فذلك رغبة منهم في اختراع جذور تاريخية للكيان اللبناني الحديث العهد بالتاريخ. وتؤكد صحة طرحنا هذا كل المصادر التاريخية المعاصرة لهاتين الامارتين، وكذلك الفرمانات السلطانية، ومنها الفرمان السلطاني الصادر عن السلطنة العثمانية والمؤرخ في السادس من رجب عام 1256ه الموافق الثالث من أيلول عام 1840م، والذي تم بموجبه تعيين آخر الامراء الشهابيين، الامير بشير الثالث، اميراً على «جبل الدروز» و«عشائر الدروز».
6 اذا فرضنا جدلا ان هو لبنان المتصرفية او القائمقاميتين او الامارتين المعنية والشهابية، فإن لبنان هذا لا يعني، على الاطلاق، ابن وادي التيم والبقاع وطرابلس وجبل عامل، بل وبيروت، الا اذا اعتبرت هذه المقاطعات ملحقات بالاصل، وذلك غير صحيح وغير مقبول البتة.
7 وبناء على ذلك، يصح القول ان ربط لبنان، تاريخيا، بفينيقيا، هو هرطقة تاريخية وبدعة لا اساس لها من الصحة على الاطلاق، وإذا كان القصد من ذلك هو محاولة بائسة لخلق «قومية لبنانية» سابقة على «القومية العربية»، فإن مشيعي هذه النظرية لم يستطيعوا، اطلاقا، اثباتها، خصوصا ان الفينيقيين الآتين من جزيرة العرب بالذات، والذين انتشروا على طول الساحل الشامي، اندثروا منذ آلاف السنين، كما اندثرت الامم التي أتت قبلهم ومن بعدهم، وبقيت في هذا الساحل، وفي الداخل الشامي، آخر الموجات التي أتت من جزيرة العرب، والتي انتشرت، في بلاد الشام، بعد معركة اليرموك، في النصف الاول من القرن السابع الميلادي.
ومما لا شك فيه ان المقاطعات التي ألفت الكيان اللبناني عند نشوئه عام ,1920 وهي:
امارة الشوف او امارة الدروز، او الامارة المعنية والشهابية، وكانت تابعة لولاية دمشق حتى عام 1660م، ثم اصبحت، بعد هذا التاريخ، تابعة لولاية صيدا بعد انشائها في هذا التاريخ، ثم لولاية عكا.
امارتا وادي التيم والبقاع، وكانتا تابعتين لولاية دمشق.
مقاطعة جبل عامل، وكانت تابعة لولاية صيدا ثم عكا.
سنجقية طرابلس، وجبل لبنان من ضمنها، وكانت تابعة لباشوية طرابلس.
وأخيراً، بيروت، وكانت تشكل ولاية مستقلة.
وأي استقراء للتاريخ اللبناني، على غير هذا الشكل، هو استقراء خاطئ وغير قائم على أسس علمية صحيحة وموثوقة.
وإني، إذ أتقبّل، بصدر رحب، وانفتاح علمي، كل مناقشة او نقد لهذا الطرح، ادعو كل المؤرخين المخلصين لرسالتهم، والملتزمين بمبادئ العلم والحقيقة المجردة، ادعوهم جميعا للاسهام في اعادة النظر بكتابة تاريخ لبنان بشكل علمي صحيح وسليم ومتجرد عن اي هوى او غرض.
إن كتابة التاريخ شأن اساسي في بناء الاوطان، ولا شك في ان الكتابة الخاطئة لتاريخ هذا الوطن المعذب اسهمت، الى حد كبير، في عذابه وتمزيقه، وتفتيته وتقاتل أبنائه. وفي اعتقادي، ان كتابة علمية صحيحة ومتجردة لتاريخ لبنان تصحح المفاهيم الخاطئة التي تلقنتها اجيالنا المتعاقبة، سوف تسهم إسهاماً كبيراً في اعادة العافية لهذا الوطن، ووضعه في المسار القويم، ليتألق ساطعا بين أوطان هذا المشرق المتألم.
إن عمر الوطن، اي وطن، لا يقاس بالمدى الزمني، بل بهمة أبنائه وعزمهم على ترسيخ بنيانه وتوطيد أركانه، وانطلاقا من هذا المبدأ، لا يهمني ان كان عمر وطني «خمسة آلاف عام» كما يدعي المدعون، او «ثمانية وثمانين عاما» كما اقول، بل كل ما يهمني هو ان يكون ابناء هذا الوطن عازمين حقا على ترسيخ بنيانه وتوطيد اركانه وإعلاء شأنه بين الأوطان، تماما كما يفعل العدو القابع على حدودنا الجنوبية، والذي لم يمض على اغتصابه لارضنا العربية في فلسطين اكثر من ستة عقود من الزمن، فهل نحن فاعلون؟
إن ما نحن به اليوم، من انقسام وتشرذم ونزاع، لا يبشر بأي خير، ما دام النزاع المذهبي والطائفي يطغى على اي توجه وطني جامع لمختلف الفئات في هذا الوطن.
عن صحيفة السفير اللبنانية
12/3/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.