تكتسح الصحافة في طريقها زهوراً بريئة، يكونون ضحاياها بلا ذكر أو تاريخ أو تحقيق آماله، بل كل ما يتركونه هو حزن دفين في قلوب أسرهم وذويهم. من منا يتذكر الصحفية الشابة نوال محمد علي، تلك الفنانة البريئة التي كانت حديث الصحف لفترة طويلة بعد أن أهدرت كرامتها أمام أبواب قلعة الصحافة، ومزقت ملابسها في اعتداء وحشي من بعض أفراد الأمن غير المسئولة، وهي في طريقها لباب الأمل، بوابة نقابة الصحفيين..
ساعات من التمزق النفسي والتدمير غير الآدمي لفتاة رقيقة في ريعان الشباب تنتهك حرمتها وعرضها، ليثور شباب الصحفيين، صغارهم وكبارهم فينطلقون في صرخة واحدة وكلمة واحدة " لا للانتهاكات اللاإنسانية ".. انطلقت الشعارات وسقطت الصحفية الشابة يغلفها تراب الوطن، تستغيث من ينقذها، وما هي إلا شهور بسيطة حتي تغلغل السرطان داخل جسدها، ولم تمض إلا أيام قليلة وتوفيت الصحفية التي لم تؤهلها النقابة ولم تقف بجوارها.
لماذا نستهلك البشر ونمتص دماءهم، ثم نلقي بهم إلي عرض الطريق؟ أي دين عند هؤلاء الذين تسببوا لنوال في تلك الجريمة ، أي أخلاق هذه، من تكون نوال، أو محمد غنايم الصحفي الشاب الذي أصيب بأزمة قلبية بعد عمل صحفي 15 عاماً، ولم يحصل علي عضوية النقابة منها سبع سنوات متواصلة بجريدة المسائية، ومحمد شاب في الخامسة والثلاثين من العمر لديه من الأبناء ثلاثة ولايزال هناك طفل بظاهر الغيب وإذا كتبت له الحياة فسوف يخرج للدنيا يتيماً.. ليكمل المأساة.
أما الزوجة المكلومة في زوجها، ذلك الصحفي الشاب الذي جف لسانه من كثرة الشكوي والتذلل إلي النقابة والنقباء المختلفين لحل مشكلة هو وعشر آخرين من الزملاء لايزالون ينتظرون علي حافة الهاوية، بعد أن تم تهديدهم، بل التعدي عليهم بالضرب أمام مقر جريدتهم التي طالما ضحوا باوقاتهم حباً من أجلها ومن أجل دعمها مهنياً وصحفياً بأقوي وأجمل المقومات.
لايزال مصير هؤلاء الشباب من الصحفيين معلقاً بين السماء والأرض، وقد عبروا عن سخطهم بالاعتصام سبعين يوماً! وما من مسئول يتحرك، لماذا تجمدت قلوبنا وتحجرت مشاعرنا، ننظر إلي المعتصم أو المضرب عن الطعام وكأنه لوحة قديمة معلقة في قصر مهجور تملؤه الحشرات القاتلة وتتكرر الأحداث وتتعالي الهتافات، من أجل حل أزمة الزملاء بجريدة الشعب، تلك الأزمة المعلقة من عشر سنوات ولا من يجيب، وصل الأمر إلي إضراب الزملاء والزميلات عن الطعام وسقط من سقط وعاش من عاش ماذا ننتظر؟!
لماذا ننتظر حتي تسقط الضحايا، ثم نتلفت بشهقة كبري، " آه ".. ماذا حدث.. فلان توفي.. يا حرام"! حينئذ نستيقظ وتأخذنا الرحمة، أين هي الرحمة منذ بداية الأزمة وتعقد المشكلة؟!..
هؤلاء المعتصمون المشردون بشارع عبد الخالق ثروت، والمقام به مقر النقابة، صاحبة الحقوق وحصن الصحف، والمبعدون عن بيوتهم وأطفالهم، لماذا لا تقترب وجهات النظر من أجل حل مشاكلهم، ثم نصل إلي حلول معقولة إذا كنا نحن أصحاب الحوار ونفتقد لغة الحوار.. كيف، هذه من المفارقات العجيبة؟!
أتمني أن أعرف شروط العضوية وكيف تتم الآن، ولماذا يحصل البعض علي عضوية خلال أيام مما يثير علامات الاستفهام ويلقي الاخرون إلي الشارع أو البعض الآخر يلقي حتفه؟ ما هي المقاييس لكل هذه الأزمات المهنية والتي تجعل من النقابة بركاناً يغلي ودائم الفوار، مغطي بالظلمات، لماذا لا نرجع إلي أنفسنا بحق الكلمة التي هي الأرض المقدسة، التي هي حياتنا والتي من أجلها نحيا وندافع ويسقط من بيننا الضحايا والزهور الصحفية البريئة.
رحم الله نوال محمد علي الصحفية الشابة ضحية صاحبة الجلالة، ورحم الله محمد غنايم الصحفي الشاب الذي داهمته أزمة قلبية بعد طرده من إحدي الصحف القومية بعد عمل دام خمسة عشر عاماً، وأربعة أبناء في رقبته، أين هو ميزان العدل يا أصحاب الكلمة الحرة؟!
قنابل موقوتة ألقي بها بين يدي الصحف والنقيب القادم.. أياً كان هو، فالأسماء لا تعنيني ولكن يعنينا دائماً الموقف!