توريد 43 ألف طن قمح لصوامع التموين بالإسكندرية    الأسهم الأوروبية تغلق عند مستويات قياسية جديدة    شاهد أول فيديو.. «النقل» تستعرض المحطات الخمسة الجديدة للخط الثالث لمترو الأنفاق    وزيرة التعاون الدولي: الحكومة تتبنى إجراءات وتدابير محفزة للشركات الناشئة    العمالة المصرية على موعد للعمل في اليونان.. اعرف التفاصيل    إعلام عبري: حماس تطلق الصواريخ على إسرائيل بنفس قوة الأسابيع الأولى من الحرب    انتصار السيسي وحرم سلطان عمان تزوران مستشفى 57357 -(صور)    ليلة دامية.. آخر التطورات الميدانية والعسكرية في رفح الفلسطينية    حماس: تعاملنا بكل مسؤولية وإيجابية لتسهيل الوصول لاتفاق يحقق وقف دائم لإطلاق النار    محافظ الإسكندرية ووزير الشباب يفتتحان بطولة الجمهورية للفروسية (صور)    محمد شريف يقود الخليج أمام الوحدة في الدوري السعودي    بطولة العالم للإسكواش 2024.. يحيى النواسانى يتأهل للدور الثانى    خلافات أسرية.. حبس المتهم لشروعه في قتل زوجته طعنًا بالسكين في العمرانية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 بصيغة pdf وخطوات الحصول على أرقام الجلوس    مصرع فتاة خنقًا في ظروف غامضة ببني سويف    مصرع طالب سقط من القطار بسوهاج    بسمة بوسيل تكشف عن مفاجأة بشأن تامر حسني بسبب «البدايات» (تفاصيل)    رئيس جمهورية اليونان تزور مكتبة الإسكندرية (صور)    القومي لحقوق الإنسان يشارك في إطلاق دورة مهرجان إيزيس لمسرح المرأة    د.آمال عثمان تكتب: المتحف المصري الكبير الأحق بعرض «نفرتيتي» و«حجر رشيد» و«الزودياك»    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك (فيديو)    شاهد| حسام موافي يوضح خطورة سقوط صمام القلب    خريطة قوافل حياة كريمة الطبية حتى 16 مايو.. الكشف والعلاج مجانا    12 عرضا تدل على الإصابة بأمراض الكلى    فضائل شهر ذي القعدة ولماذا سُمي بهذا الاسم.. 4 معلومات مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    نقيب المهندسين: نستهدف تعزيز التعاون مع صندوق الإسكان الاجتماعي    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بعد زواجه من الإعلامية لينا طهطاوي.. معلومات لا تعرفها عن البلوجر محمد فرج    أسعار شقق جنة بمشروع بيت الوطن للمصريين في الخارج    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    الجيزاوي يتفقد مستشفى بنها الجامعي للاطمئنان على الخدمة الصحية    بالصور.. تشييع جثمان والدة يسرا اللوزي من مسجد عمر مكرم    أشرف صبحي يلتقي فرج عامر وأعضاء سموحة لتعزيز الاستقرار داخل النادي    واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة، الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة    للتخلص من دهون البطن.. تعرف ما ينبغي تناوله    نادال: ريال مدريد لم يهزم بايرن ميونخ بالحظ    "علم فلسطين في جامعة جورج واشنطن".. كيف دعم طلاب الغرب أهل غزة؟    السيطرة على حريق شقة سكنية بمنطقة الوراق    أوكرانيا: روسيا تشن هجوما بريا على خاركيف وإخلاء بلدات في المنطقة    وزارة البيئة تناقش مع بعثة البنك الدولي المواصفات الفنية للمركبات الكهربائية    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    مفتي الجمهورية: الفكر المتطرف من أكبر تحديات عملية بناء الوعي الرشيد    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    بدء جلسات اجتماع اللجنة الدائمة للقاء بطاركة الكنائس الشرقية الأرثوذكسية في الشرق الأوسط    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    مصرع وإصابة 4 أشخاص في اصطدام سيارة بكوبري في الغربية    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    القسام تعلن مقتل وإصابة جنود إسرائيليين في هجوم شرق رفح الفلسطينية    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تداعيات أزمة لبنان على العمل العربي المشترك
نشر في محيط يوم 26 - 02 - 2008


تداعيات أزمة لبنان على العمل العربي المشترك
د. عبد العاطي محمد
عندما قبلت سوريا صيغة لا غالب ولا مغلوب لحل أزمة الرئاسة في لبنان، ساد انطباع عام بأن الانفراج قادم لا شك فيه، وأن الطريق إلى عقد القمة العربية بدمشق أصبح خاليا من الألغام، خصوصا أن المبادرة العربية التي جاءت بهذه الصيغة حازت على موافقة دمشق قبل أن يعتمدها الاجتماع الوزاري العربي الذي دشن تحركات الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى في بيروت.
ولكن جولات الأمين العام اصطدمت بالتفاصيل وبشروط جديدة من طرفي المعارضة والموالاة تتعلق بالمستقبل السياسي للبنان ككل، وليس بمسألة الرئاسة وحدها، لتعود تداعيات الأزمة اللبنانية تؤثر بقوة على مستقبل العمل العربي المشترك ذاته.
وفي هذا السياق لم تعد المخاوف المحيطة بعقد القمة في دمشق بنفس قوة المخاوف لما هو بعد هذه القمة ولعل الضباب الذي أحاط بمواقف الدول العربية فيما يتعلق بعقد القمة والمشاركة فيها على مستوى رفيع هو من العوامل الكاشفة للمخاوف المستقبلية بشأن العلاقات العربية العربية واستقرار الشرق الأوسط ككل.
لقد شهدت الساحة تحركات مختلفة غلبت عليها الانفعالات والرؤى المتشددة لتجعل عقد القمة وكأنه هو المخرج للمأزق اللبناني والعربي، بينما كان هذا المناخ مؤشرا على إمكانية اتساع الشرخ في العمل العربي المشترك في المستقبل القريب، وانفجار الأوضاع اللبنانية من الداخل. ومن تابع التصريحات التي جاءت على لسان أكثر من مسؤول عربي من المعنيين بالملف اللبناني يستنتج أن مصير عقد القمة بدمشق وفي موعدها الشهر المقبل أصبح مرهونا بانفراج جديد في الموقف السوري من أزمة الرئاسة اللبنانية.
حيث ظهر توجه عام بأن القمة لا يمكن أن تنعقد في غياب الرئيس اللبناني، وجرى الترويج لامكانية عقد قمة طارئة في شرم الشيخ بديلا عن قمة دمشق إذا لم يتحقق انتخاب الرئيس الآن وإرجاء مسألة تشكيل الحكومة للمستقبل، وإلا فإن القمة لن تنعقد بدمشق بما يفوت عليها فرصا سياسية عديدة هي في أشد الاحتياج إليها لتحسين وضعيتها السياسية في الملفات الساخنة بالمنطقة واستعادة دورها المحوري في هذه الملفات.
ولكن الاحتقان الداخلي اللبناني ازداد اشتعالا فبدت المراهنة على التلويح بعدم عقد القمة في دمشق في حالة عدم انتخاب الرئيس اللبناني غير مجدية.
ثم جاءت واقعة اغتيال عماد مغنية القيادي البارز في حزب الله على الأراضي السورية لتعيد خلط الأوراق مجددا بما يدفع في اتجاه نزع الورقة اللبنانية من ملف انعقاد القمة في حد ذاته. وتغيرت لغة السياسيين اللبنانيين عقب هذه التطورات، فبعد أن كانت تشير إلى ضرورة الربط الوثيق بين الموضوعين: القمة والأزمة الرئاسية اللبنانية، أصبحت تمهد لقبول استمرار الوضع المتأزم على حاله.
وفي هذا الصدد تبدو تصريحات رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة خلال زيارته لبريطانيا لافتة وذات مغزى جديد، حيث قال إن القمة العربية المقرر عقدها بدمشق ستفقد جزءا كبيرا من أهميتها إذا لم يتم التوصل إلى حل للأزمة السياسية في لبنان بما يعني أن القمة ستعقد بالفعل ولكنها لن تحقق نتائج مهمة وفقا لكلام السنيورة، فبينما كانت التصريحات السابقة للمسؤولين اللبنانيين والعرب المؤازرين لفريق الموالاة اللبناني تشير إلى أن القمة لن تعقد في حالة استمرار الأزمة. وكان الأمين العام للجامعة العربية قد أعلن في وقت يسبق هذه التصريحات بكثير أن القمة ستعقد بدمشق وفي موعدها.
وكانت سوريا قد أعلنت أكثر من مرة أن الاستعدادات جارية لاستضافة القمة. في ضوء ذلك لم يعد انعقاد القمة مشكلة في حد ذاته، وإنما أصبح الحوار منصبا على المستقبل.
الأطراف العربية تريد انعقاد القمة حفاظا على التزام عربي كان قد تقرر من قبل وهو عقد القمم العربية بشكل دوري، حتى لو كانت هناك بعض الأزمات السياسية التي يمكن أن تعوق عقدها. فدورية القمة ضرورية من حيث المبدأ، وجرى التأكيد عليها من منطلق الاستفادة من دروس الماضي والرغبة في تعزيز العمل العربي المشترك وتفعيل أعلى مؤسساته وهي القمة، والرجوع عن الالتزام بهذا المبدأ الجديد يضعف صورة العمل العربي المشترك، ويعيد أجواء عدم الثقة في القمم العربية، ومن الممكن أن يؤدي مستقبلا إلى إرجاء القمم التالية، أو إنهاء مفعولها، ويضيع على الأمة العربية فرصا مستقبلية يجري التخطيط لها سواء فيما يتعلق بالتكامل الاقتصادي، أو استعادة الوحدة في المواقف السياسية تجاه كل التحديات التي تتعرض لها هذه الأمة، أو الآمال المعقودة على إصلاح الجامعة العربية، وكلها قضايا اتفق العرب عليها في قمم سابقة ولا يصح الرجوع عنها بالتخلي عن دورية القمة.
ولكن تحقيق دورية القمة أي فتح الطريق أمام انعقادها بدمشق مع استمرار الأزمة اللبنانية على حالها، يعني التضحية بالعمل العربي المشترك مستقبلا. فمن الممكن أن تعقد في ظل غياب رئيس لبناني، واحتمال قيام زعماء عرب بمقاطعتها، مما يفقدها قيمتها. وفي هذه الحالة فإنه بالطريقة العربية لتقبيل اللحى يمكن أن يحافظ العرب على ماء الوجه بتفعيل مبدأ دورية القمة على أن يجري مستقبلا تنقية الأجواء بما يضمن عدم تكرار المناخ الراهن، لما يأتى بعد قمة دمشق المفترضة، تماما مثلما فعل العرب كثيرا من قبل على مدى السنوات العديدة الماضية.
ومن جهة أخرى يمكن أن تؤدي ضغوط الساعات الأخيرة إلى كسر المأزق بأن يتمكن اللبنانيون من انتخاب رئيس فتحظى القمة بمشاركة عربية أفضل ويتم تجاوز الأزمة المباشرة التي تواجهها. ولكن هذا الاحتمال لن يحسن الموقف إلا قليلا، حيث ستبقى النيات السيئة على حالها، طالما ظل المستقبل السياسي للأوضاع في لبنان محل تجاذبات داخلية وإقليمية ودولية متصارعة ومعقدة للغاية.
هناك مخاوف مستقبلية قوية حتى في حالة انعقاد القمة بأن يزداد الشرخ اتساعا في العلاقات العربية العربية، فالمقاطعة أو المشاركة الشكلية يعنيان أن هناك انقساما داخل الموقف العربي، وأن هناك صراعا عربيا عربيا يجري حسمه على الأراضي اللبنانية، وتمتد تداعياته إلى سوريا، وأن التدويل وارد بكل ما يسببه من كوارث سياسية وأمنية باعتباره البديل المتوقع للفشل العربي في حل الأزمة اللبنانية، والسبب أن الجهود العربية لم تنجح في حل عقدة السلطة في لبنان، ولا في إغلاق ملف اغتيال الحريري، بما يغلق باب المحاكمة الدولية، تلك المحاكمة التي يمكن أن تؤثر على أوضاع السلطة في سوريا.
لقد اهتزت مسيرة العمل العربي المشترك إلى حد خطير بعد غزو العراق للكويت، نظرا لغياب المصارحة والاستعاضة عن ذلك بمصالحة شكلية حسنت من المظهر العام، ولكنها لم تغير شيئا في الجوهر. ومن المؤسف أن يتكرر الموقف مرة أخرى فيما يتعلق بالأوضاع اللبنانية والسورية، والخطورة أن المصارحة مفقودة وسط ظروف إقليمية ودولية أكثر صعوبة لو قورنت بالظروف التي أحاطت مرحلة ما بعد غزو العراق للكويت.
وهناك مخاوف من أن تندلع مواجهة عسكرية جديدة بين حزب الله وإسرائيل على خلفية ما أعلنه حسن نصر الله زعيم الحزب من استعداد الحزب للدخول في حرب مفتوحة معها ردا على اغتيال عماد مغنية الذي اعتبره نصر الله من تدبير إسرائيل، وإذا ما حدثت هذه المواجهة، فإنها ستدخل الأزمة اللبنانية في نفق جديد حيث تتراجع أهميتها أمام تداعيات المواجهة الجديدة، خصوصا إذا ما وجدت امتدادا لها في الأراضي الفلسطينية. وهناك مخاوف من أن يؤدي ملف مغنية إلى كشف ملابسات تعمق عدم الثقة على الجانب السوري خصوصا إذا صدقت التسريبات بأن اغتياله تم بفعل مؤامرة كبرى تعيد نفس أجواء اغتيال رفيق الحريرى.
وأخيرا هناك مخاوف من أن ينفجر الوضع اللبناني من الداخل خصوصا أن شواهده قد ظهرت من المواجهات أو المصادمات التي جرت في الشارع اللبناني عقب اغتيال مغنية وتدخل الجيش لإيقافها، وفي ضوء إصرار كل من الفريقين: الموالاة والمعارضة على موقفه بالنسبة لتشكيل الحكومة، وفي ظل استمرار الضغوط الخارجية والتدخلات الإقليمية فإن الأوضاع الأمنية لم تعد تطمئن على إمكانية انفراج سياسي في المستقبل المنظور. ولن تكون هناك مفاجآت إذا ما أصدرت بعض الدول تعليماتها لرعاياها بعدم زيارة لبنان خوفا على حياتهم، ومن الوارد أيضا في ظل تهديدات حزب الله بالحرب المفتوحة على إسرائيل أن تسحب بعض الدول جنودها من قوات اليونيفيل..
وتتحدث التقارير الواردة من لبنان عن انتشار مكثف ومتسارع للأسلحة على المستوى الشخصي عقب هذه المصادمات، كما تشير إلى إقدام كل القوى على تسليح أنصارها، وعن توزيع السلاح قبل ثمانية أشهر على عناصر التيار الوطني الحر الذي يرأسه العماد ميشيل عون، وهناك معلومات عن أنشطة مكثفة للتدريب العسكري من جانب مختلف الفرقاء، وفي بيروت تحدثت مصادر المعارضة عن أن تيار المستقبل أعد ميليشيا مسلحة لمواجهة نفوذ كل من حركة أمل وحزب الله في شوارع العاصمة.. ومثل هذه الشواهد تعيد أجواء الحرب الأهلية ولكن بمتغيرات جديدة حدثت نتيجة تغير أوزان القوى الطائفية وما لديها من قدرات للحفاظ على مصالحها.
وما الصراع على السلطة إلا انعكاس لهذه المتغيرات، فالمواجهة المنتظرة على خلفية استمرار الأزمة السياسية هي بين السنة والشيعة وسط انقسام مسيحي.
كل المخاوف والتعقيدات السابقة لا تجعل من القمة المنتظرة حلا سحريا بالطبع فمن الوارد حتى الآن أن تنعقد تحت أى ظرف من الظروف وتنتهي إلى حال سبيلها دون أن تغير شيئا مما هو قائم، ولكن سيبقى الوضع العربي مسؤولا عن التدهور في الواقع اللبناني بحكم تداخل أطرافه فيه، ولن يجنى من الفشل سوى إعادة العمل العربي المشترك إلى الوراء.
عن صحيفة الوطن القطرية
26/2/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.