عون و «معاقبة» السنّة حسان حيدر يصر النائب ميشال عون على تجاهل كل ما جرى وتكرس خلال فترة غيابه عن لبنان وما تغير منذ عودته، فلا اتفاق الطائف قائم بالنسبة اليه، ولا تدني شعبيته الذي كانت انتخابات المتن الفرعية شاهدة عليه مسلّم به، ولا رغبة اللبنانيين والمسيحيين خصوصاً في انتخاب رئيس توافقي يخفف التوتر ويفتح طريقاً لحلحلة الازمة التي أنهكت أعصابهم وجيوبهم معترف بها. ويحصر الجنرال السابق المسيحيين بشخصه، فإذا لم يُعط العدد الذي يطلبه من الوزراء اعتبر التمثيل المسيحي منقوصاً والحكومة غير شرعية، واذا أبرم تفاهماً مع «حزب الله» رأى ان المسيحيين ملزمون بتبنيه وتطبيقه، واذا جرى ترشيح غيره لرئاسة الجمهورية اشترط عليه ولاية زمنية محددة من سنتين وتركيبة حكومية مسبقة وتوزيعاً للمناصب والمواقع لا يناسب سواه، أي انه يريد للرئيس الجديد ان يكون مجرد «واجهة» يحكم هو من ورائها، قبل ان ينتقل فعلياً الى قصر بعبدا. وفي وثيقة «الثوابت المسيحية» التي أصدرها قبل يومين بعد مشاورات شملت مؤيديه خصوصاً، يعتبر عون ان وجود المسيحيين «للوجود فقط هو طريق الزوال»، ولذا يقترح عليهم وعلى اللبنانيين جميعا ان يعثروا على وسيلة بقائهم ونموذجها في وثيقة التفاهم بينه وبين الحزب الشيعي. كما يؤكد ان «أزمة الوجود المسيحي في لبنان تعود بالزمن الى العام 1969 مع بدء عملية تقويض لبنان الوطن والنظام والدولة»، في اشارة الى «اتفاق القاهرة» بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية الذي شرّع الوجود الفلسطيني المسلح على أرضه، وينسى عون ان حليفه «حزب الله» يلعب الآن الدور نفسه الذي يعتبر انه شكّل بداية الأزمة بين المسيحيين والفلسطينيين، عندما يقيم دولة داخل الدولة ويمسك بيده وحده قرار الحرب والسلم مع اسرائيل، وقرار تعطيل مؤسسات الدولة وتجميد عجلة الاقتصاد في الداخل اللبناني، وفقا لتحالفات يقيمها خارج الحدود. وتتلخص الوثيقة في ان عون يريد من المسيحيين واللبنانيين ان يتبنوا نظاماً يتمحور حول شخصه، وتصب كل جداوله في طاحونته. وهي استكمال ل «مبادرته» التي اعتبر فيها انه يقدم «تنازلاً كبيراً» بقبوله ترشيح قائد الجيش للرئاسة لأن هذا «الحق» يعود اليه وحده، كما اشترط ان يكون رئيس الوزراء من خارج كتلة «المستقبل». لكن وراء هذه النرجسية السياسية الفاضحة التي يشجعه عليها حليفه الرئيسي في المعارضة، يختبئ هدف ربما لا يدركه الجنرال، وهو «معاقبة» السنة الذين «تحولوا» بعد اغتيال رفيق الحريري الى طائفة سيادية طالبت مع حلفاء مسيحيين بالخروج السوري من لبنان ولا تزال تطالب بإقامة المحكمة الدولية لمعاقبة مرتكبي الاغتيالات وتدعو الى علاقات ندية مع دمشق بما في ذلك ترسيم الحدود والتبادل الديبلوماسي، كما تقف ضد تفرد «حزب الله» بقرار الحرب، وتقود الاكثرية اللبنانية المعارضة لسياسته التي تهدد أمن البلد واستقراره. ولذا لا بد من تقليص دورها بحيث لا تعود تتحكم حتى بتسمية رئيس الوزراء السني، ولا بد من «استعادة» صلاحيات منحها اتفاق الطائف للسنّة عبر الاتفاق على «ورقة مبادئ» جديدة للحكم، بحيث تصبح المثالثة التي يطالب بها عون وحلفاؤه بديلا من المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، لكن الحصة الشيعية التي يطالب بها يريدها ان تكون على حساب السنة وحدهم، او على الاقل ثلث مسيحي يحتكره هو ويتحالف مع ثلث شيعي في مقابل الثلث السني. وفي السياق نفسه، فإن وثيقة عون التي غاب عنها ذكر اسرائيل تماما، لا ترى «اخطاراً داهمة» تحدق بلبنان، سوى خطرين هما «التوطين» و «الفائض المالي الذي يستعمل في شراء الاراضي وتبديل هويتها». والمقصود بالتوطين بالطبع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، او «جيش السنة» كما كان يطلق عليهم إبان الحرب الاهلية، اما «الفائض المالي» فالمقصود به الاموال الخليجية التي يعتبر عون وحلفاؤه انها ستمهد للتوطين المزعوم. عن صحيفة الحياة 6/12/2007