شكل الاصطفاف في لبنان منذ2005 بين قوي14 آذار( الأكثرية) وقوي8 آذار( المعارضة) نتيجة أوضاع داخلية وتطورات إقليمية تطورا مهما.. في النظام السياسي الطائفي القائم منذ الاستقلال عام1943 حيث ضم كل فريق منهما تحالفا من سنة وشيعة ومسيحيين علي أساس المقاربة السياسية وليس الانتماء الطائفي. لكن الحلفاء داخل كل فريق تناسوا قواعد اللعبة الجديدة مؤقتا عند أول محك طائفي وعاد كل منهم إلي طائفته, فاصطف مسلمو تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري(14 آذار) إلي جانب مسلمي حزب الله بزعامة السيد حسن نصر الله, وحركة أمل بزعامة نبيه بري(8 آذار) في معسكر مقابل معسكر ضم مسيحيي14 آذار( حزب القوات بزعامة سمير جعجع والكتائب بزعامة أمين الجميل) ومعهم مسيحيين التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون لأول مرة منذ عام2005, وذلك نتيجة طرح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط علي مجلس النواب أربعة مشاريع قوانين تدعو إلي منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حوالي نصف مليون نسمة يعيش نصف تقريبا في12 مخيما في أنحاء البلد) حقوقهم المدنية والإنسانية حيث اجتماع مسلمي14 و8 آذار علي تأييد منح الفلسطينيين هذه الحقوق فيما اجتمع مسيحيو14 و8 آذار علي رفض المقترحات. وطرح هذا الانقسام علي أساس طائفي وليس سياسيا مخاوف في أوساط المسلمين من أن تكون هذه المواقف تشكل بداية العودة إلي مرحلة الفرز الطائفي أي إلي مرحلة ما قبل الاتفاق الطائفي الذي أنهي عام1990 الحرب الأهلية في لبنان, كما طرح في المقابل تساؤلات في أوسط المسيحيين حول تشويه مواقف المعسكر المسيحي من قبل أطراف تسعي إلي اعادة انتاج مرحلة الفرز الطائفي؟! مقترحات الأزمة تدعو مشاريع القوانين إلي تحسين أوضاع الفلسطينيين الانسانية السيئة في المخيمات واستفادة الفلسطيني في لبنان من تعويض نهاية الخدمة والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي( للعمل فقط) المحروم منها, ومنحه حق تملك وحدة سكنية واحدة للعيش فيها, وحق توريثها حيث تحرم القوانين اللبنانية اللاجئ الفلسطيني من هذه الحقوق, ومنها القانون الصادر عام2001 الذي يسمح للأجانب حق التملك ما عدا الفلسطينيين, كما يؤول ما يمتلكه إلي الدولة وليس إلي ورثته الشرعيين, وذلك بداعي عدم تسهيل توطين الفلسطينيين في لبنان, الأمر الذي يصفه رجال القانون بأنه سرقة بالقانون لأن التوطين يعني منحهم الجنسية أساسا وهذا مرفوض من جانب كل اللبنانيين. وتؤكد مشاريع القوانين ومحتواها أنه لاعلاقة لها بالتوطين,وانما تستهدف تعديل القوانين القائمة لمنح الفلسطينيين اللاجئين الحد الأدني من الحقوق الانسانية التي يتمتعون بها في مختلف الدول العربية والأجنبية والتي لم يراودها هاجس التوطين من جراء منحهم هذه الحقوق. الموقف المسيحي التوطين هو العنوان الذي اندرج تحته الحشد المسيحي ضد المقترحات, لكن تصريحات بعض القيادات المسيحية كشفت عن عناوين أخري, وان تعللت بضيق الوقت والحاجة إلي دراسة هذه المقترحات دراسة وافية, فالنائب عن حزب القوات أنطوان زهرا يقول صراحة. أنه لا أحد يقبل بأن يأخذ العامل الفلسطيني حقوق العامل اللبناني ويمكن( فقط) بحث اعفاء الفلسطيني من رسوم تصريح العمل فيما يربط حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون إقرار مثل هذه الحقوق ب انهاء وجود السلاح الفلسطيني داخل المخيمات, وبقدرة أجهزة الدولة علي دخول المخيمات لتري كيف يمكن تحسين أوضاع اللاجئين ومنحهم حقوق اضافية. وشن الرئيس الأسبق زعيم حزب الكتائب أمين الجميل أعنف هجوم علي المقترحات وصاحبها ووصفه بانه يبدو أنه يستوفي دفتر شروط( أطراف خارجية) من أجل تسيير التوطين فيما وصفت قيادات مسيحية هذه المقترحات بأنها تستهدف تقديم خدمة لإسرائيل؟! لتسهيل الغاء حق العودة وتمرير التوطين بطريقة غير مباشرة! أما أكثر المواقف في هذا المعسكر التي أثارت الدهشة فهو موقف التيار الوطني الحر بزعامة الجنرال ميشال عون حليف حزب الله, ويبرر النائب إبراهيم كنعان موقف التيار الرافض بالحاجة إلي دراسة هذه المقترحات, وان أكد أن التيار يساند منح اللاجئين الفلسطينيين الحقوق الانسانية من حيث المبدأ. وقد تحولت الدهشة إلي صدمة بسبب تنسيق التيار الوطني المواقف( حيال هذه المقترحات) مع حزبي القوات والكتائب.. وفسرت أوساط سياسية ذلك التنسيق الصارم بخشية التيار والجنرال من خسارة شعبيتهما لدي الجمهور المسيحي بعدما تراجعت من نحو70% في الانتخابات النيابية السابقة إلي نحو52%. الموقف في المعسكر الاسلامي يتفق مسلمو14 و8 آذار في الأكثرية والمعارضة علي أن المقترحات المطروحة تشكل الحد الأدني من الحقوق الانسانية والمدنية. وضرورة تدعم حالة الاستقرار في البلد, وخطوة لتأكيد وجه لبنان الحضاري المتسامح. ويعتبر هذا المعسكر أن التوطين كمبرر للرفض من الجانب المسيحي مجرد هواجس, وعنوان مزيف يستخدم كفزاعة وغطاء لأسباب أخري تتعلق بالماضي الكئيب للصدام المسلح بين منظمة التحرير الفلسطينية والمسيحيين( الكتائب والقوات) خلال فترة الحرب الأهلية وعدم طي المسيحيين هذه الصفحة حتي الآن, وبالخشية من تغيير التركيبة السكانية لصالح المسلمين عموما والسنة خصوصا في حالة دمج الفلسطينيين( وغالبيتهم من السنة) في المجتمع اللبناني. ولهذا السبب فقد حرص سعد الحريري الذي يدعم هذه المقترحات وأسباب إنسانية وأخلاقية ووطنية أيضا علي أن يؤكد لحلفائه المسيحيين في14 آذار أنه ضد التوطين, ونقل نواب في تيار المستقبل عنه قوله لحلفائه, ان رفض منح الفلسطينيين في المخيمات هذه الحقوق سيؤدي إلي تنظيم قوافل أسطول الحرية باتجاه المخيمات للمطالبة بتحسين أوضاعهم الانسانية وليس باتجاه غزة كما وصف هذا الرفض بأنه استثمار في مشروع إرهاب داعيا إلي استذكار درس أحداث مخيم نهر البارد جيدا. وذكرت مصادر في في تيار المستقبل ل الأهرام المسائي أن الحريري عاتب علي حلفائه المسيحيين إحياء الحديث عن التوطين بعدما أبلغ الشعب اللبناني ابان زيارته واشنطن الشهر الماضي أنه تبلغ تأكيدا (موقفا) من الادارة الأمريكية برفض توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان, مايعني أن حلفاءه المسيحيين يثيرون الشكوك اما في الموقف الأمريكي أو في حليفهم السني!! وحتي الصقر النائب عقاب صقر المصنف كهذا بسبب مواقفه المتشددة حيال سوريا وحزب الله( وهو نائب شيعي في قوي14 آذار) يؤيد المقترحات ونبه حلفاءه المسيحيين إلي ان إسرائيل تروج أنها تعامل فلسطيني1948 معاملة أفضل من معاملة لبنان للاجئين الفلسطينيين فيما يعد ردا غير مباشر علي الاتهام المسيحي للمقترحات بأنها تخدم إسرائيل. ولاقت مواقف مسلمي14 آذار ترحيبا من جانبا مسلمي8 أذار في إيقاف غير مرتب وانضم رئيس الوزراء الأسبق سليم الحصي مهلة منح الفلسطينيين اللاجئين في لبنان حقوقهم المدنية والانسانية من دون التوطين وقال رئيس حزب الاتحاد وزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم مراد أن الدولة اللبنانية عليها واجبات تجاه الشعب الفلسطيني وأن هذه الحقوق( الاجانب) لا تتعارض مع حق العودة ولا تعني التوطين. أما أعنف هجوم تعرض له الرافضون لمنح الفلسطيني اللاجئ في لبنان حقوق الانسانية فقد جاء من جانب جنبلاط حيث وصفهم بأنهم يمثلون اليمين اللبناني الغبي واتهم ب اعادة انتاج الاخطاء ذاتها التي ارتكبها في الماضي وكأنهم لم يتعلموا من تجاربهم وذلك في إشارة العدوان المسلح خلال الحرب الأهلية بين المسيحيين والمسلمين ومجازر صبرا وشاتيلا التي اتهمت القوات اللبنانية بالتورط في ارتكابها وزاد جنبلاط بأن هذا اليمين الغبي والانعزالي اثبت مرة أخري أنه لا يستطيع أن ينظر الي بعيد وليس قادرا علي التميز بين الحقوق الانسانية وبين مايسمي بالتوطين. وقد كان رئيس النواب زعيم حركة أمل الشيعة السيد نبيه بري أكثر دقة في وصف موقف الاطراف الرافضة بأنه رفض ذو طابع طائفي مستهجن وشنت وسائل اعلام تابعة لجهات اسلامية علي اختلاف مذاهبها وتوجهاتها السياسية هجوما علي تلك الفصائل الرافضة ووصفتها بأنها مسكونة بالهواجس كما وصفت مواقفها بأنها تنبعث منها من حديد في لبنان روائع ماض كريه بأدبياته البغيضة واتهمتهم بانهم يخلصون بين الحقوق الانسانية والاجتماعية وبين السياسة تحت شعار الخوف من التوطين. المسيحيون.. وحزب الله من المثير للدهشة أن موقف حزب الله الداعم للمقترحات لم يتعرض للنقد أو الهجوم من جانب المعسكر المسيحي علي عكس ما تعرضت مواقف قيادات سنية وتفسر مصادر لبنانية ذلك بأن المخاوف من التوطين هي مخاوف مشتركة بين الطوائف المسيحية والطائفة الشيعية, حيث التوطين يصب في صالح زيادة عدد للطائفة السنية وهو أمر مثير للقلق لدي الطرفين المسيحي والشيعي, وتضيف أن الجانب المسيحي يتفهم ومانع تأييد حزب الله لهذه المقترحات وذلك حتي لا يتهم بأنه ضد الطائفة السنية في ظل زيادة حدة الخلاف المذهبي السني الشيعي في المنطقة وليس في لبنان فقط في الآونة الأخيرة. والأكثر إثارة للدهشة بعض الأوساط المسيحية التي تأخذ مواقف متشددة ضد سلاح الحزب والمقاومة وتطالب انهاء وجوده وأن قسط هذه الازمة واندلاع التوتر المسيحي السني بسبب طرح هذه المقترحات أن سلاح حزب الله الشيعي ربما قد يكون مهما وربما ضرورة في وقت ما لمنع ا لتوطين والزيارة العددية للطائفة السنية؟! وتعتبر هذه الأوساط أن تفهم حزب الله بدوره موقف حليفه المسيحي التيار الوطني الحر من هذه المقترحات دليل علي اتفاق وجهات النظر المسيحية الشيعية في مسألة التوطين. ملفات أخري فلسطينية أيضا فتح الاصطاف الإسلامي المسيحي علي هذا النحو في هذه المسألة ملفات أخري تتعلق بها منها أن الموقف المسيحي من رفض المقترحات امتداد لسلسلة من المواقف تعكس هواجس طائفية حيث يرفض المسيحيون في شهر مارس الماضي في مجلس النواب مشروع قانون بخفض سن الاقتراع من21 الي18 سنة خشية زيادة الناخبين المسلمين بسبب ارتفاع معدل المواليد بين المسلمين الشيعة والسنة علي السواء. كما فتح هذا الاصطفاف ملف الخدمة العسكرية حيث يطلب البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير عودةالخدمة الالزامية بالجيش ويشجع الشباب المسيحي علي التطوع به يداعي التوازن حيث نسبة المسلمين في الجيش تبلغ حاليا80% من قوامه, وتشير التقديرات غير الرسمية الي أن غالبيتهم من الشيعة ناهيك عن تشجيع الاسر المسيحية علي الانجاب حيث متوسط الانجاب طفلين لكل أسرة. كما منح هذا الاصطفاف أيضا ملف قانون الجنسية رقم151 لسنة1929 وتعديلاته بالقانون6274 لسنة1994 حيث يخطر القانون منع الجنسية لاولاد اللبنانية من أب غير لبناني, حيث نسبة لا بأس بها من الفلسطينيين متزوجين من لبنانيات. ومن أكثر الأمور اللافتة في هذا الشأن ان لبنان لم يوقع حتي الآن اتفاقية جنيف لعام1951 الخاصة بحقوق اللاجئين ولا علي البروتوكول الخاص لعام1967 وذلك بسبب الوجود الفلسطيني والخشية من اختلال التركيبة السكانية الطائفية ومن ثم لا يمنح لبنان صفة لاجئ لأي اجنبي يطلبها الأسباب سياسية أو انسانية, كما لا تعطي صفة سفير فلسطيني بل ممثل منظمة التحرير الفلسطينية حيث تعطي صفة سفير لمبعوث دولة قائمة بالفعل. وأخيرا فتح ذلك الاصطاف المسيحي الاسلامي مجددا ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات في لبنان لجهة انهاء وجوده وتنظيم السلاح داخل المخيمات علي النحو الذي بدأ وكأنه نوع من مقايضة الحقوق الانسانية بانهاء وجود السلاح علي النحو الذي طرحه زعيم حزب الأحرار الوطنيين دوري شمعون. مساع مسيحية لايضاح الموقف علي وقع السجال السياسي ورد الفعل العنفية ضد مواقف المعسكر المسيحي.. وحرصا علي عدم تشويه صورة هذا المعسكر حتي لا يبدو وكأنه معاديا لمسألة إنسانية وخشية أن يتسع دوائر الاصطفاف لتتحول الي انقسامات في التحالف المسيحي الاسلامي الذي تمثله قوي14 آذار.. لكل ذلك شهدت الأيام القليلة الماضية تحركات واسعة من أجل إيضاح المواقف واحتواء ردة الفعل لتجنب التصعيد. فأعلن قوي14 آذار بكل مكوناتها انها تدعم مبدأ منع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الحقوق الإنسانية والمدنية لكن الموضوع شائك ويحتاج الي توافق وطني وذهب منسق تلك القوي الدكتور فارس سعيد الي ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عبدالله عبدالله لشرح هذا الموقف مؤكدا دعم14 آذار للشعب الفلسطيني. وعلي الصعيد المسيحي اعتبر جورج عدوان نائب حزب القوات ان المسألة تتعلق بتوقيت طرح الموضوع والوقت الكافي للمناقشة وشدد علي تأييد القوات من حيث المبدأ لحقوق الفلسطينية وعلي نفس المنوال تحرك التيار الوطني الحر, وذلك فمن حملة اعلامية لشرح المواقف. لكن ذلك لم يقابل بتفهم من الجانب الفلسطيني سواء فضل المعارضة أو المنظمة, فقد شنت الجبهة القيادة العامة حملة علي رافض مقترحات منح الحقوق الانسانية, واعتبرت هذا الرفض مبررا اضافي لبقاء السلاح الفلسطيني خارج وداخل المخيمات, أما ممثل المنظمة( السلطة الفلسطينية) في لبنان عبدالله عبدالله فقد اكتفي بالقول: إن الشعب الفلسطيني في المخيمات بلبنان لا يعيش حياة انسانية القادم حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة يوم13 يوليو المقبل لمناقشة دراسة كلف لجنة الادارة والعدل بالمجلس بإعدادها حول مشاريع القوانين الاربعة المقترحة, ومن المرجح ان شيئا لن يتغير وستظل المواقف والاصطفاف علي حالها فتحركات المعسكر الرافض تقصر علي الايضاح والشرح والتفسير لهذا الرفض, وطلب مهلة أطول للدراسة والمناقشة ومهلة أطول في الحياة السياسية في لبنان تعني الي أجل غير مسمي. أما جسر الهوة اتساعها داخل التحالفات التي انفكت مؤقتا علي قادعة لأسباب طائفية علي قاعدة قضية حقوق انسانية فمرهون بما يستجد من تطورات داخلية فهو ان لبنان لا يزال يحتاج الي مهلة اطول للشفاء تماما من آثار الحرب الاهلية ومن بعدم الانضمام الي اتفاقية دولية خاصة بحقوق ضحايا.