محمد مسعد ياقوت من الناس من يريدونها فوضى، ويبغونها عوجًا، ويزعمون الإسلام، ولا يتحاكمون إليه، ويريدون القانون ولكن لا يطبق على أشخاصهم، ومنهم الذين يجلسون في مجالس الرأي.
فإذا ما انفض المجلس عن عمل فيه الصالحُ العام؛ بيّت طائفةٌ منهم غير الذي تقول.
وهؤلاء بحاجة إلى استفاقة ووقفة، وأحرى بهم أن يتأملوا الشرع، ويتدّبروا القرآن، عسى الله أن يشرح صدورهم، ويقشع ما على أعينهم من الضباب.
ومنهم الذين يعملون على بث الفتنِ والقلاقل في المجتمع لقاءَ تحقيقِ مكاسبَ سياسيةٍ، كما يفعل بعضُ قادة الأحزاب من أجل تأليب الرأي العام على القادة المنافسين.
فقد ظهر بعد الثورة المصرية، العديد من الشائعات من أجل إرعاب الشعب المصري، ومن ذلك حينما ترى بعض الصحف المشبوهة تنشر عدة أخبار عن دخول فيالق من المسلحين الإسلاميين أرض سيناء من تنظيم كذا من أجل تنفيذ عدة عمليات إرهابية بحق الشعب المصري حسب وصف الصحيفة.
والهدف من وراء هذه الأخبار الكاذبة واضح ومكشوف، فمعلوم أن الصحيفة مشبوهة التوجه، وتهدف إلى إحراج التيار الإسلامي في مصر وتشويه صورته أمام الشعب المصري.
فيتلقف السفهاء الخبر فيذيعونه، وينتشر الرعب بين الآمنين، وأحرى بهم أن يردوا هذا الأمر لأهل التخصص، وبالفعل تصدر وزارة الداخلية بيانًا يُكذّب الأخبار التي تفبركها الصحيفة؛ وقد وصف بيان الوزارة هذه الممارسات الصحفية بالعبث الإعلامي .
ومثل هذه التصرفات الإعلامية لا تخال على الذين يَسْتَنْبِطُونَ ما وراء الأنباء، وينظرون نظرة تبصر متجردة إلى الأمور.
من يستجب لأمر الرسول فقد استجاب لأمر الله، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – في الحديث المتفق عليه - : " «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ " ؛ باعتبار أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا ينطق إلا عن وحي يُوحى.
وليس هذا تقديسًا لشخص الرسول – صلى الله عليه وسلم – إنما هو تعظيم لأمر الله نفسه، فإنما أمَر اللهُ على لسان رسله، وما أرسل الله من رسول إلا ليطاع بأمر الله، وطاعة الرسول الذي يبعثه الناسُ بالكتب إنما هي طاعةٌ لمن بعثه.
وقد أنكر القرآن نفسه على طائفة اتخذت من بعض الأنبياء والحكام أربابًا ألهة، فقال فيهم : " اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " [التوبة31].
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وهذا لرسول الله فحسب، وإنما كان رسول الله يُعصم بالوحي، أما غيره من سائر الحكام، فلسان حالهم –: " أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.. إن أحسنتُ فأعينوني، وإن زغت فقوموني".
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، فالله هو الخالق، وهو المشرّعُ على لسان رسله .. ألا له الخلق والأمر .. وأما من خلقه الله وخرج عن أمره؛ وأعرض ونأى عن منهجه، فلستَ عليهم بمسيطر، ولا إكراه في الدين، إنْ عليك إلا البلاغ، وما أنت عليهم بحفيظ، وما أرسلك الله على الناس تحفظ أعمالهم، أو تحصي أفعالهم فتعاقبهم على معتقداتهم !
[ إن كان الله قال ذلك لرسوله المعصوم، فكيف ترى بعض البشر بأيديهم سياطٌ كأذناب البقر، يضربون به الناس ؛ لأنهم خالفوهم في الرأي ؟ ]
يقولون إذا أمرتهم بتكليف كان واجبًا عليهم : سمعًا وطاعة !
فإذا خرجوا من عندك وبرزوا بين الناس، فعلوا غير ما أُمروا به، وقد بيّت جماعةٌ منهم غير الذي أقروا به، فأقوالهم في العلن، غير أقوالهم في السر، ويظهرون بمظهر غير الذي يُخفون، إنهم يظهرون للناس بمظهر المصلحين ويلبسون لباس الشرفاء.
وهم كالذئاب في مسلاخ النبلاء، وإذا خلوا إلى شياطينهم؛ قدّروا بليل غير ما أعلنوه نهاراً، وانقلبوا على إرادة الأمة في أمر قُدِّر بليل، وقد أجمعوا أمرهم عشاءً فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء – كما قال ابن حِلِّزة -!
لكن اعلمْ أن الله يكتب مَا يُبَيِّتُونَ، ويحصي عليهم كيدهم، فسيُعدون الخطط، وينفقون الأموال، ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ صفحًا، وعظهم، وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغًا، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وامض في عملك لرسالتك السامية، ولا تعبأ بكيد الكائدين، وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا تُفوض إليه أمورك، ويشهد لك عليهم، وحافظًا لدعوتك !
وهؤلاء المرضى، الذين تخالف أقوالُهم فعالهم، ويُبيّتون غير الذين يقولون؛ أحرى بهم أن يتأملوا القرآن !
أفلا ينظرون آياتِ القرآن، ويتفهمون معانيه، ويتفكرون في مبانيه، فقد بلغ غاية الإستحكام، وغاية الجمال والكمال، لا يأتيه الخلل من بين يديه ولا من خلفه، يهدي للتي هي أقوم.
وَلَوْ كَانَ هذا المنهج الرباني مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ؛ كأن يألفه مؤلف، أو يفلسفه متفلسف، أو يقننه قانوني؛ أو ينظُمه شاعر، أو ينثره أديب، لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا؛ وتناقضًا كثيرًا، وتضاربًا مريعًا، فالجهد البشري منقوص، والعقل الإنساني يعتريه الخرف.
فمواد الدستور التي يكتبها البشر للبشر، ومسودة القانون التي ينظمها الخبراء فيما بينهم، والقصيدة التي ينظمها الشاعر كحبات اللؤلؤ، والقصة والخطبة والمقالة، كلها أعمال بشرية، يرى المتخصصون ما بها من دخن، ويحدّثُك الخبراءُ عما فيها من ثغرات؛ أمام كتاب الله فلا ترى فيه عوجًا ولا شططًا.
فتنةٌ أن تذاعَ الأخبارُ دون تبّت، ومصيبةٌ حينما تنشر الأنباء الكاذبة بين الناس، فإن كان " الخبرُ الكاذب " عن الأمن أو الخير أو النصر؛ فرح الناسُ؛ ثم يُصدمون فور ظهور الحقيقة، فيكون شعورُ الإحباط، وعدم الثقة بين الحكومة والشعب .
وإن كان "الخبرُ الكاذب " عن الخوف أو الهزيمة أو الفقر، دب الرعب في نفوس الآمنين من حيث لا خطر، وانتشر الخوف بين الناس من حيث لا خوف، كما يفعل شياطين الإعلام الصهيوني.
هؤلاء المرجفون، المعوقون، الذين يفتون في عضد الصف؛ إِذَا جَاءَهُمْ خبرٌ عن الأمْنِ الذي يعود بالخير على المجتمع أَوِ خبرٌ من الْخَوْفِ من حروب أو هزائم أو خسائر ؛ لم يتثبّتوا على أيه حال جاء بها الخبر، ولم يتحروا مصدر النبأ.
وعلى التو ينشرون الخبر ،فأَذَاعُوا بِهِ بين الناس، واللهُ أستأمنهم على مسامع الناس وأفئدتهم، فلم يتقوا الله فيما مكنهم فيه من وسائل الإعلام .
وَلَوْ رَدُّوا هذا الأمر إلى الكتاب والسنة، من حيث المصالح والمفاسد المترتبة على إذاعة هذا الخبر ولو ردوا هذا الخبر إلى قادتهم الأمناء، لَعَلِمَهُ أهل الاستنباط المتخصِص، وعرفه أربابُ التحليل العلمي، والساسةُ والخبراءُ الذين يفهمون ما وراء الخبر، ويفقهون ما لا يفقهه العوام .
وقد كره الله " قيل وقال " و الخوض مع " الخائضين " !
ومن الأمثلة العملية في التثبّت من الأخبار، أن عمر – رضي الله عنه – حينما دخل المسجد فوجد الناس يقولون طلق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نساءه؛ فلم يتكلم، حتى أتى إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – واستأذن منه، واستفهمه : أطلقت نساءك، فقال : " لا " الحديث.
عرفتَ فالزم؛ فقاتل في سبيل الله، لا تُسألُ إلا عما كُلّفت به لا عما كُلّف به غيرُك، وكُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ، وكل نفس بما كلّفها الله رهينةٌ .
وحرض المؤمنين على قتال العدو، واستنفرهم، واشخذ من هممهم، وارفع من معنويات المسلمين.
عسى بهذا الجهاد القتالي والجهد الإعلامي أن يدفع اللهُ بأس العدو، فيقذف في قلوبهم الرعب، والله أشد قوةً وأشد تنكيلاً بأعدائكم.
إن الشائعات له خطر عظيم على المجتمعات، فقد تشعل كلمةٌ حربًا سنةً، كلمة تُزهق بسببها الأرواح، وتهتك على إثرها الأعراض.
وههنا يتجلى قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» [ أخرجه البخاري ].