نادي المنافحون عن الحرية في الشرق والغرب، ومن دار في فلكهم من عرب وعجم بحرية المرأة، فلما قيل لهم: إن لكل حرية سقفاً وحدوداً، قالوا: لا سقف ولا حدود في قضية الحرية، فالمرأة من حقها أن تجرب حتى تحكم بنفسها دون وصاية من أحد، فلما اختارت المرأة لنفسها الحجاب، قالوا لا حرية في الحجاب، في مشهد يدعو للعجب، ويجسد حالة التناقض الفكري، ويفضح التجزيء المخزي للشعارات التي أشاعوها عبر إعلامهم، وعبر أبواق دعايتهم المنتشرة في كل مكان، وإلا فلماذا شجع هؤلاء المرأة حين أبرزت مفاتنها على الملأ، ولماذا حاربوها حينما سترت مفاتنها عن العيون؟!.
إن للحرية في ديننا حدود ومعالم واضحة، وليست بلا ضابط ولا رابط كما لديكم، هي حرية محكومة بأمر ونهى من كتاب وسنة، ورغم أنه لا حرية ولا اختيار أمام أمر الله ورسوله امتثالاً لقوله الله جل وعلا { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا }،إلا أن ضرورة الحوار الهادف، والتواصل مع الآخر، والمجادلة بالتي هي أحسن مع قوم لا يعرفون شيئاً عن كتاب الله، تفرض استخدام لغة تتسع لها صدورهم وعقولهم، من باب "خاطبوا الناس على قدر عقولهم"، ومناظرتهم من مادة ما أعلنوه، وما دعوا إليه بكل طريق.
فإذا كان الآخر يؤمن بحرية الرأي، وبالحوار القائم على الحجة والمنطق، بعيداً عن التعصب المسبق لفكرة ما، فسوف تؤتى المناقشة أكلها، وسوف تكون هناك نقاط التقاء حول أسس مشتركة للتعايش الإنساني القائم على الحرية والعدل، واحترام الخصوصية الفكرية، والعقائدية، والفردية، على نحو يجسد ملامح واضحة لحقوق الإنسان بصفة عامة، ولحق المرأة بصفة خاصة، وذلك إن كان الآخر يقصد حقاً تمكين المرأة من حقوقها.
إن من أهم عناصر حرية المرأة لديكم أن ترتدي ما تشاء من ثياب، وبأي مواصفات تشاء، وبأي طريقة تشاء، ورغم أن ذلك مرفوض في شريعتنا، لأن للإنسان وما يصدر عنه من أفعال وسلوكيات حدود أقرتها الشريعة الإسلامية، ومنها لباس المرأة الذي حُددت له شروط عامة لا يتخطاها، إلا أن رفضكم للحجاب حين لبسته المرأة المسلمة لديكم، يعد مناهضة سافرة للحرية التي طالما تشدقتم بها، يعد مناهضة للحرية الدينية، ويعد مناهضة للحرية الشخصية، والأمر يبدو وكأنه حرية في العرى والسفور فقط، أما في الحشمة والستر فلا حرية، فهل هذه حرية بالله عليكم؟.
إن التغني بحرية المرأة، لا يعنى في الواقع منح المرأة حرية مطلقة في إبراز مفاتنها، كما أنه ليس من الحرية أن تقف مؤسسات ودول موقف العداء من لباس هو من صميم حرية المرأة، واختيارها الشخصي، بل وتصدر قرارات وأحكام قضائية بمنع ارتداء الحجاب، في مصادرة واضحة لأحد أخص حقوق المرأة على الإطلاق، فمن الذي يقف الآن ضد حرية المرأة؟.
لقد أُتُهم الإسلام بأنه ضد حرية المرأة، وهى تهمة لا محل لها من الواقع، فالإسلام هو الذي أعاد للمرأة هيبتها وحريتها وقيمتها، وجعل منها درة غالية مكنونة يبحث عنها الرجل، ويبذل في سبيل الفوز بها كل غالٍ وثمين، ولم يجعل منها بضاعة معروضة في سوق السفور والعرى، يتهافت عليها الذباب بكل طريق، فمن الذي كرم المرأة ورفع قدرها، ومن الذي أهان المرأة وحط من شأنها؟!.
ويبقى لي عتاباً- أرجو أن يُفهم مغزاه على نحو مستقيم- أريد أن أتوجه به إلى بعض الاتجاهات التي تريد أن تجعل من حجاب المرأة قالباً أصماً في الشكل واللون والتصميم، وتريد أن تضع المرأة فيه إكراهاً لا اختياراً، بدعوى أن هذا من فروض الدين، والحقيقة أن الشريعة الإسلامية قد وضعت أسساً عامة تلتزم به المرأة في ثيابها، وكل امرأة تلتزم بهذه الأسس فقد التزمت بصحيح الدين، بعيداً عن التعصب الممقوت، أو التفريط المذموم، والمغزى أن يكون للمرأة مساحة من الحرية في إطار هذه الأسس تختار على ضوئها ملبسها وثيابها، حتى لا يُتهم الحجاب بأنه كفن للمرأة، أو سجن لحريتها، كما يزعم عشاق الصيد بالماء العكر.