حريق البرلمان! أحمد ذيبان كان مشهد النيران، وهي تلتهم مبنى البرلمان المصري مؤلما، ويبعث الأسى على هذه الخسارة الفادحة، وخلال متابعة ألسنة اللهب خطر لي مشهد برجي مركز التجارة الدولي في نيويورك وهما يحترقان بعد قصفهما بطائرتي ركاب في سبتمبر 2001، وما أعقب ذلك من تداعيات أمنية وسياسية هائلة طالت العالم بأكمله. لكن ربما كان الأقرب للحدث هو "حريق القاهرة "الشهير في أوائل عام 1952، ذلك الحريق الذي كان جزءا من الثمن الذي دفعته مصر في مواجهة الاستعمار البريطاني، إذ جاء الحريق في أعقاب إلغاء حكومة الوفد آنذاك برئاسة مصطفى النحاس للمعاهدة البريطانية -المصرية، في 18أكتوبر 1951،الأمر الذي استفز الحكومة البريطانية، حيث جاء الإلغاء ليحرم القوات البريطانية من الامتيازات والإعفاءات التي تتمتع بها في مصر، فقررت بريطانيا العمل على إحراج حكومة الوفد وإذلالها لإجبارها على التراجع عن قرارها، بالتخطيط لاحتلال القاهرة. أو القيام بانقلاب عسكري يقوم به الملك بمساعدة الجيش، وخطة تخريبية لحرق القاهرة،وكانت البداية في مدينة الاسماعيلية، حيث هاجمت القوات البريطانية، مبنى المحافظة، وحاصرت الثكنات المصرية في المنطقة يوم 25 يناير1952، ودارت معركة شرسة مع القوات المصرية التي خسرت نحو خمسين شهيدا وكانت تلك شرارة صعدت من المقاومة المصرية للوجود البريطاني، وأطلقت غضبة عارمة، فخرجت التظاهرات في القاهرة واشترك عناصر الشرطة مع طلاب الجامعة في صباح 26 يناير1952، وإزاء الثورة العارمة وجدت بريطانيا إن خطتها لدخول القاهرة محفوفة بالمخاطر، فأقدمت على ارتكاب جريمة حرق القاهرة مستغلة التظاهرات العارمة التي عمت المدينة، فكانت عملية منسقة، حيث التهمت النيران خلال عدة ساعات نحو 700 محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب وناد في شوارع وميادين وسط المدينة، وفي اعقاب ذلك عين الملك فاروق مصطفى النحاس حاكما عسكريا، الذي أعلن الأحكام العرفية، وكانت تلك الأحداث هي الشرارة التي أشعلت ثورة 23 يوليو بقيادة عبد الناصر. الحالة مختلفة بين "حريق القاهرة" وحريق البرلمان،لكن ما لفتني المعلومات التي أشارت إلى احتمال احتراق الكرسي الذي كان يجلس عليه الملك فاروق عندما كان يفتتح دورات البرلمان ،فضلا عن تلف مقتنيات ووثائق تاريخية، بينها المتحف الذي يضم تطور الحياة البرلمانية في مصر التي عمرها نحو مائتي عام، والواقع أن الحياة البرلمانية خلال العهود السابقة للثورة كانت أكثر حيوية، وتعكس تعددية رغم هيمنة اليمين على مقدرات الحياة السياسية، أما غالبية البرلمانات العربية اليوم وبضمنها البرلمان المصري فهي صدى لصوت وسياسة النظام الحاكم!. عن صحيفة الراية القطرية 21/8/2008