في تصحيح مسار العلاقات السورية اللبنانية مكرم محمد أحمد هل يمكن أن تفتح زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان الي دمشق, ولقاؤه بالرئيس بشار الأسد, بعد ثلاث سنوات عجاف, وصلت فيها علاقات البلدين الي الحضيض, فاصلا جديدا في العلاقات السورية اللبنانية, يعترف بثوابت الموقف اللبناني التي يجمع عليها كل اللبنانيين منذ استقلال لبنان عام1943, التي تؤكد حق لبنان في أن يكون سيدا حرا مستقلا, منفتحا علي العالم في إطار جمهورية ديمقراطية لبنانية تقوم علي احترام الحريات العامة وفي مقدمتها حرية النقد. ومبدأ فصل السلطات, وتؤمن بحرية الاقتصاد والمبادرة الفردية والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات, ويتعامل علي قدم المساواة مع شقيقته الكبري سوريا, وتربطه بها علاقات دبلوماسية وتبادل للسفراء, واتفاق مشترك علي ترسيم الحدود بين البلدين التي لم يتم ترسيمها منذ انتهاء عهد الانتداب الفرنسي, وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي من الطرفين, أم أن هذه الآمال لاتزال صعبة التحقيق, لأن بعضا من المتمسكين بثقافة البعث القديمة لايزال يصر علي أن لبنان جزء من سوريا, يرتبط مصيره بالقرار السوري, ويلتزم مساره التفاوضي مع إسرائيل بالمسار السوري, ولا يملك حقه في استقلال قراره بدعوي أن المصالح الاستراتيجية للبلدين تملي علي الشقيق الأصغر أن يظل في طاعة وكنف شقيقه الأكبر؟! لقد ذهب الرئيس اللبناني الي دمشق وقد أنجز لبنان حكومة وحدة وطنية استغرق تشكيلها45 يوما من الشد والجذب, تحظي الآن بأغلبية واسعة من الموالاة والمعارضة علي حد سواء, حظيت فيها المعارضة حليفة النظام السوري بعد اتفاق الدوحة بثلث مقاعد مجلس الوزراء, تعطيها حق الفيتو علي أي قرار تريده الأغلبية منفردة, وتوافقت في إطارها مصالح الطرفين الأقلية والأغلبية علي الخطوط العريضة لبرنامج سياسي فضفاض, يحدد في عدد من النقاط المهمة ما تأمله حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية من اقامة علاقات سورية لبنانية علي أسس جديدة تطوي صفحة الماضي, ويؤجل مناقشة أخطر قضايا الداخل اللبناني المتعلقة بمصير سلاح حزب الله وعلاقته بسيادة دولة لبنان, الي حوار وطني يجري في قصر بعبدا ويرعاه رئيس الجمهورية المنتخب إن عاد من دمشق, وقد حقق بعض المكاسب المهمة في الملفات الخمسة التي حملها في رحلته الأخيرة, التي تتعلق بترسيم الحدود, وتبادل السفارات وضبط المعايير التي تنظم عبور حدود البلدين بما يحول دون تهريب السلاح من سوريا الي داخل لبنان, سواء لحزب الله أو أي من الجماعات الفلسطينية هناك, إضافة الي ملف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية الذين يقدر عددهم بأكثر من650 لبنانيا, أم أن الأمر أشد تعقيدا وصعوبة, ومن العسير أن تنجز زيارة الرئيس اللبناني الأولي الي دمشق كل هذه الأهداف, لأن ذلك ليس من طبيعة السياسة السورية التي لاتزال تأمل في تطويع الموقف اللبناني, ولأن بعضا من الحرس السوري القديم لايزال ينظر الي لبنان وكأنه دومين سوري برغم خروج القوات المسلحة وقوات الأمن السورية قبل ثلاث سنوات تحت ضغوط الولاياتالمتحدة ومجلس الأمن,, ولأن دمشق التي يتزايد تأثيرها في الموقف اللبناني الراهن بسبب علاقتها الاستراتيجية مع حزب الله, الذي أدار أزمته الأخيرة مع الموالات اللبنانية بمهارة مكنته من أن يصبح أقوي أطراف الداخل اللبناني, لن تذهب في هذا الشوط بعيدا الي حد تبادل السفراء بين البلدين علي نحو عملي, والاعتراف الكامل بحق لبنان في استقلال قراره, برغم العوامل الدولية والإقليمية التي ربما تلزم سوريا بالسعي الي تحسين صورتها في لبنان. لكن ثمة من يراهنون أيضا علي أن دمشق ربما تكون أكثر انفتاحا مع العماد ميشال سليمان رئيس الجمهورية اللبنانية المنتخب, خصوصا أنها تعرف الرجل جيدا حتي من قبل أن يكون قائدا لقوات الجيش اللبناني, ولعلها أسهمت في تعزيز اختياره لهذا المنصب خلال فترة وجودها العسكري في لبنان, وكانت أول من رشحه رئيسا توافقيا للبنان قبل الموالاة وقبل المعارضة, كما أن العماد ميشال سليمان تجنب في غمار معركته الطويلة مع أنصار فتح الإسلام داخل مخيم نهر البارد أن يقع في أي تناقض مع دمشق, لاعتقاده الصحيح أن صداقة لبنان لدمشق ضرورة استراتيجية لضمان استقرار لبنان, خصوصا أن دمشق قد حققت باتفاق الدوحة الأخير فوزا تكتيكيا زاد من قوة تأثيرها علي الساحة اللبنانية, ووضعها في مكانة أفضل كثيرا مما كانت عليه أوضاعها عام2005, عندما أجبرت تحت ضغوط قرار مجلس الأمن الذي صدر تحت البند السابع المتعلق بالعقوبات, وتحت ضغوط غالبية اللبنانيين من الموالاة التي تعتقد أن دمشق هي التي خططت ونفذت عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري, الي سحب قواتها العسكرية والأمنية من لبنان بعد30 عاما من الوجود العسكري, بدأت عام1976 عندما دخل السوريون لبنان في إطار قوات عربية مشتركة لإخماد الحرب الأهلية اللبنانية, وفضلا عن ذلك فإن رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد يبدي حماسا ظاهرا للمقاومة ممثلة في حزب الله حليف سوريا, ولا يكتم رأيه في حق اللبنانيين في استخدام القوة لتحرير مزارع شبعا التي لاتزال تحت الاحتلال الإسرائيلي, إن فشلت جهود السياسة الأمريكية في إقناع إسرائيل بضروة الانسحاب من شبعا لإنهاء الذرائع التي تعطي لحزب الله دون أي من القوي والأحزاب اللبنانية حق الاحتفاظ بسلاحه تحت شعار المقاومة. كما أن دورا مهما ينتظر العماد ميشال سليمان بعد عودته من دمشق عندما تبدأ في قصر بعبدا جلسات الحوار اللبناني اللبناني, الذي تكاد تكون أهم معضلاته مشكلة سلاح حزب الله, وكيف يكون جزءا من المقاومة الدفاعية للدولة والشعب اللبناني في مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل, شريطة ألا يوجه سلاحه الي الداخل اللبناني لتحقيق كسب حزبي, كما فعل خلال الأزمة الأخيرة عندما نزلت ميليشياته الي شوارع بيروت لتغير معادلة القوة, وتجبر الموالاة علي القبول بحق المعارضة في أن يكون لها ثلث مقاعد مجلس الوزراء الذي يمكنها من الاعتراض علي أي قرار للحكومة يصدر عن الأغلبية ولا توافق عليه المعارضة, وكما فعل مرة ثانية عندما نزل مسلحوه الي شوارع مدينة طرابلس معقل الموالاة وأكثر المدن اللبنانية اعتراضا علي أن يصبح حزب الله تحت ذريعة المقاومة دولة داخل الدولة, يحتكر لنفسه قرار الحرب والسلم بعيدا عن سلطة الدولة, كما حدث في الحرب اللبنانية الإسرائيلية الأخيرة عام2006, التي أشعل نارها قرار من الشيخ حسن نصرالله بمهاجمة موقع إسرائيلي علي حدود لبنان الجنوبي, واختطاف جنديين إسرائيليين بعد معركة قتل وجرح فيها عدد من جنود الموقع الإسرائيلي.. الأمر الذي أدي الي إشعال الحرب اللبنانية الإسرائيلية الثانية التي أعملت فيها إسرائيل الدمار في لبنان بصورة بشعة اضطر معها الشيخ حسن نصرالله الي أن يعلن علي الملأ نوعا من الأسف لما حدث, لأنه لو كان يعلم أن النتيجة سوف تكون تدمير لبنان علي هذه الصورة لما أمر باختطاف الجنديين الإسرائيليين, كما يثير الحوار اللبناني حول مصير سلاح حزب الله الذي يملك وفق بعض التقديرات الغربية ما يزيد علي50 ألف صاروخ إيراني متعددة المدي, وأسئلة أخري لعل أهمها, هل يمكن لحزب الله الذي يملك قوات وأسلحة تزيد علي قدرة الجيش اللبناني أن يكون شريكا في سياسة دفاعية للدولة اللبنانية دون أن يكون له رأي في اختيار قادة مؤسسة الجيش والأمن؟!, ولماذا يتحصل وحده علي هذا التميز برغم علاقاته الوثيقة مع إيران؟!. وربما يكون صحيحا أن الحسابات الإقليمية والدولية للرئيس بشار الأسد في هذه المرحلة علي وجه التحديد, تتطلب منه أن يكون أكثر استعدادا لفتح صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية السورية تتجاوب مع الأصوات المتزايدة داخل لبنان, تصر علي استقلال القرار اللبناني, وتشير بأصبع الاتهام الي دمشق كلما وقع حادث من حوادث الإرهاب والعنف هناك, وتجد في المناخ الدولي الراهن ما يشجعها علي إعلان تذمرها من خشونة التدخل السوري في الأمر اللبناني, وفضلا عن ذلك فإن الرئيس السوري, الذي يحرص علي معالجة مشكلة العلاقات السورية اللبنانية بعيدا عن أي مشاركة عربية برغم قرار اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ الذي كلف الأمين العام عمرو موسي بمتابعة القضية, يعرف جيدا أن تحسين علاقاته الأوروبية خصوصا مع فرنسا يتعلق في جانب كبير منه بفتح صفحة جديدة في العلاقات السورية اللبنانية تمكن لبنان من الحفاظ علي استقلال قراره, وأظن أن ذلك يمثل التزاما سوريا قدمه الرئيس الأسد في مباحثاته الأخيرة مع الرئيس الفرنسي ساركوزي, الذي تحس دولته مسئولية خاصة تجاه قضية الشعب اللبناني, بل لعل حسابات سوريا الإقليمية والدولية التي تلزمها الآن الحرص علي اصلاح علاقاتها مع الولاياتالمتحدة, لأن الرئيس بشار الأسد يعتقد أن أي مباحثات سورية إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة حول مصير هضبة الجولان في غيبة شريك أمريكي يلعب دورا وسيطا بين الجانبين السوري والإسرائيلي, ربما تكون مجرد حرث في البحر أو خداع سراب, وما من شك في أن الرئيس بشار يدرك جيدا أن مستقبل العلاقات السورية اللبنانية يدخل كمعيار أساسي في تحديد مستقبل العلاقات السورية الأمريكية. صحيح أن الأمريكيين لايزالون يصمون آذانهم عن محاولات دمشق المتكررة طرق أبواب واشنطن, ويخططون لإسقاط المرشح السوري في انتخابات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة, لكن الصحيح أيضا أن الرئيس بشار الأسد يعتقد أن علاقاته الجديدة مع فرنسا وأوروبا يمكن أن تكون بوابة لعلاقات سوريا مع الأوروبيين ومع واشنطن, في ظل الإدارة الأمريكية المنتخبة الجديدة. وبصرف النظر عن المتشائمين والمتفائلين بمدي نجاح زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية الأولي لدمشق, فإن النظرة الموضوعية للعلاقات السورية اللبنانية لا تستطيع أن تتجاهل المصالح الاستراتيجية السورية في لبنان, التي تفرض وجود علاقات طبيعية بين الجارتين كحد أدني, كما تفرض ضرورة تلازم المسارين السوري واللبناني في أي تفاوض قادم مع إسرائيل, وتحتم علي الجانبين أهمية التنسيق المشترك بين البلدين في تحديد مصير مزارع شبعا.., وأظن أن ذلك لم يزل يشكل جوهر الموقف المصري الذي لايزال يعتبر سوريا حليفا وشريكا برغم العلاقات الباردة بين العاصمتين. وأيا كان الأمر, فإن سوريا تحتاج بالفعل في علاقاتها مع لبنان الي خطاب سوري مختلف يغاير خطابها السابق, يملك جرأة فتح صفحة جديدة في علاقات البلدين تقوم علي التكافؤ واحترام سيادة لبنان وحقه في استقلال قراره, برغم أنف الحرس السوري القديم الذي لا يدرك أن العالم قد تغير علي نحو شامل, وبات من الصعوبة بمكان فرض علاقة خاصة علي بلد عضو في المجتمع الدولي رغما عن غالبية مواطنيه, ولايزال ينظر الي لبنان كمجرد تابع, ويعتبر تبادل السفارات بين البلدين خرقا لا يغتفر لأيديولوجية البعث السوري, وإن كان لا يعارض إعلان قيام علاقات دبلوماسية بين البلدين باعتبار أن الإعلان شئ والتنفيذ شئ آخر, خصوصا أن دمشق سبق وان أعلنت عام2002, خلال حكومة عمر كرامي استعدادها لتبادل السفراء مع لبنان لكن شيئا من ذلك لم يحدث!. ويكاد يكون التحدي الحقيقي الذي يواجه الرئيس اللبناني الآن, هل يعود من دمشق, وقد أنجز شيئا حقيقيا مهما في الملفات الخمسة التي حملها الي هناك؟ أم يعود محملا بوعود وأمان يطول شرحها تتحدث عن ضرورة المراجعة الشاملة لما حدث خلال الفترة الماضية, وإعادة دراسة كل الاتفاقات التي تم توقيعها بين البلدين علي امتداد30 عاما سابقة, وبحث مصير المجلس الأعلي للسياسات السورية اللبنانية قبل النظر في ترسيم الحدود وتبادل السفارات وإعادة المفقودين اللبنانيين في السجون السورية والاتفاق علي مصير مزارع شبعا.؟ عن صحيفة الاهرام المصرية 16/8/2008