بحسب تقنيات صناعة السياسة الأميركية جون ماكين: الرئيس الأميركي القادم!!!
* معتصم أحمد دلول
يجمع الباحثون على أن الأغلبية من الشعب الأميركي لا تفقه في السياسة شيء و لا تعرف ماذا يدور على المسرح السياسي، ليس العالمي فحسب، بل حتى الأميركي. و لأن الأغلبية من الشعب الأميركي كذلك، فإنه لا يمكنه أن يتحكم في السياسات العامة لحكومة بلاده في داخل البلاد أو سياستها في خارج البلاد، و بالتالي فإن القرار في هذه الشئون يبقى بسهولة و بدون منازعة في أيدي جماعات الضغط اليهودية المختلفة.
في الذكرى الخامسة لاحتلال العراق و الذي جاءت بعد مقتل أكثر من مليون و مائتي ألف برئ عراقي و ما يقارب 4000 جندي أميركي، لعلي لو وصفتهم بالبراءة أنصفتهم، لأنني وقفت على شهادات العديد منهم من خلال بعض الوسائل الإعلامية فوجدته قد انخدع في مجيئه للعراق لأنه كان يعتقد أنه فعلاً سيقضى على الديكتاتورية و ينشر الديمقراطية و السلام، و لكنه تفاجأ أنه يسفك الدماء و يقتل الأبرياء. فالجندي الأميركي أيضاً لا يعرف ما هي المهمات التي تم تجنيده من أجلها أصلاً.
في هذه الذكرى التي جاءت بعد إنفاق مليارات الدولارات الأميركية على الحرب في العراق و التي يُرْجِعُ بعض الخبراء الاقتصاديون سبب الأزمة الاقتصادية الأميركية الحالية لها، و التي جاءت أيضاً بعد ظهور نتائج استطلاعات بأن غالبية الشعب الأميركي لا يرغب في هذه الحرب و لا يريد استمرارها، و أيضاً بعد تصريحات لمسئولين أميركيين كبار منهم رامسفيلد بأن أميركا تحسر الحرب في العراق، فإن الرئيس الأميركي يقف خطيباً و يقول إن بلاده حققت في هذه الحرب نصراً مؤزراً على الإرهاب متجاهلاً كل تلك المعطيات، على الرغم من أنها أميركية.
إذاً فما هي الحالة الأميركية التي يعيشها الساسة الأميركيين و صناع القرار في البيت الأبيض حين يثبت بالدليل القاطع أنهم لا يخدمون مصلحة شعبهم و تبدو الأمور و بلا غموض أنها تسير عكس إرادتهم، و على الرغم من ذلك يمضون قدماً في تنفيذ قراراتهم الذي يقولون أنها في مصلحة صناعة الديمقراطية و السلام؟؟؟
نعم، هي في مصلحة الديمقراطية و السلام في جميع أنحاء العالم، و لكن من الذي يحدد معايير الديمقراطية الأميركية و السلام الأميركي و العدل أيضاً في حالة الغياب الشعبي الأميركي؟؟؟
الجواب، جماعات الضغط اليهودية و التي يأتي على رأسها منظمة إيباك الصهيونية و التي تضم العشرات من الجمعيات اليهودية و الصهيونية المختلفة.
و هذا الأمر الذي دفع بمرشح الرئاسة الأميركية عن الحزب الجهوري جون ماكين إلى زيارة إسرائيل و تأكيد وقوفه بجانبها من خلال تأييده لأن تكون القدس عاصمة لها و من خلال تأييده لجرائمها ضد المدنيين في عزة حيث أنه صرح بأنه يتفهم مدى الخطر الذي يتهدد إسرائيل من صواريخ المقاومة و أيضاً يتفهم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
و لم يكن ماكين الشخصية الأميركية الرئاسية الأولي التي تخطب ود إسرائيل، و لكنه و على فترات حكم الرؤساء الأميركيين السابقين، كانت هذه سياسة متبعة و لكن بطريقة مختلفة.
فلم يكن اليهود في السابق بحاجة إلى المرشح للرئاسة أو الرئيس الأميركي لزيارة إسرائيل لأنهم كانوا يكتفون بالدعم في الانتخابات و بالتالي يتبعون سياسة الابتزاز معه، لكن اليوم و بعد أن أصبح هناك انفصام في الشخصية الأميركية و أصبح المرشح نفسه يبحث عن الدعم الشرعي و الغير شرعي و بأي وسيلة، أصبح من أولوياته أن يخطب ود إسرائيل حتى يستدرج دعمها و يكسب أموالها.
لم يزر إسرائيل في السابق أي رئيس أميركي حتى هاري ترومان الذي اعترف بكيانهم منذ اللحظة الأولى لقيامه، أو كينيدي الذي قالوا عنه عشية اغتياله لقد فقدنا حليفاً قوياً، لأنهم كانوا يعتبرون زيارة أميركا نوع من الأبهة و العظمة ولكن، و بعد تغلغل اللوبي الصهيوني و الذي تأتي منظمة إيباك على رأس قائمته في جميع الأجسام و الهياكل في الدبلوماسية الأميركية، أصبح المسئولون الأميركيون هم الذين يعتبرون زيارة إسرائيل نوع من الأبهة و العظمة.
فقد زار كلينتون إسرائيل 4 مرات و زارها بوش مرتين، عندما كان ينوي الترشح للرئاسة و زارها ليسلم العهدة قبل أن يغادر البيت الأبيض، و ها هو ماكين يسلك نفس الطريق و هي طريق المكوث في السلطة لفترتين انتخابيتين و ليس فترةً واحدة.
و هكذا، فقد أصبح واضحاً أن الإرادة التي تنجح في انتخابات الرئاسة الأميركية ليست إرادة الشعب الأميركي و لا الفكر و الثقافة الأميركية و لكنها الثقافة الصهيونية. و في هذا الصدد يشير الباحث خليل عياد في كتابه (استفهامات من وعد بلفور إلى وعد إيباك)، "أن الرئيس الأميركي الأسبق ترومان قد أعلنها بصراحة أمام حشد من الدبلوماسيين قائلا: آسف أيها السادة على أن استجيب لنداءات الذين ينتظرون فوز الصهيونية - وليس لدى آلاف العرب من بين الناخبين." و يؤكد هذه الفكرة أيضاً بول فندلي الذي ينقل في أحد كتبه عن كلمنت إتلى المحلل السياسي الأمريكي الذي يؤكد "أن سياسة أميركا في فلسطين يشكلها الصوت الانتخابي اليهودي والإعانات المقدمة من الشركات اليهودية."
لذلك فإن ماكين يرى بأنه من الضروري الحضور إلى إسرائيل لحفظ الدرس قبل أن يسبقه المتسابقون الآخرون نحو البيت الأبيض و ينالوا هذه المكرمات المالية و الدبلوماسية و الإعلامية أيضاً.
و يصف المحلل السياسي الأميركي بدل دابرش اليهود أو اللوبي الصهيوني بأن لديه نظام مدهش حيث إذا صوت العضو في مجلس الشيوخ إلى جانبهم أو أدلى بتصريح أعجبهم فإنهم ينشرون الخبر بسرعة عن طريق مطبوعاتهم، وإذا نطق بما لا يريدون فقد عرض نفسه للشجب والتشهير عبر هذه الشبكة من المطبوعات نفسها.
و هذا يدلل أن الرئيس الأميركي لا يكون مديناً لشعبه و وطنه تماماً لأنه رأى أنه بمجهوداتهم قد وصل إلى منصبه و بالتالي فإنه مدينٌ إلى من أوصله لهذا المنصب.
يقول سعيد الشرقاوي في كتابه (الأحزاب و جماعات الضغط) أن جون كندي قال لبن جوريون في أول مقابلة له في ربيع1961م بعد فوزه في الانتخابات: "أعرف تماما أنني اُنْتُخِبْتُ بفضل أصوات اليهود الأمريكيين، وأنا مدينُ لهم بانتخابي. قل لي ماذا علي أن أفعله من أجل الشعب اليهودي." و بعد اغتيال كندي الذي كان صديقاً حميماً لإسرائيل لم يأسف الإسرائيليون كثيراً عليه حيث أنهم وجدوا ضالتهم أكثر عند نائبه الذي أصبح الرئيس الأميركي بعده حيث قال أحد الدبلوماسيين اليهود واصفاً ذلك الموقف: "لقد فقدنا صديقاً حميماً و لكننا وجدنا أفضل منه إنه جونسون أفضل صديق عرفته الدولة اليهودية في البيت الأبيض."
فمن المعروف أنه في عهد الرئيس الأميركي لندن جونسون نالت إسرائيل أقصى ما يمكن أن تناله من الدعم الاقتصادي و العسكري الذي أكسبها القوة على خوض معركتها القذرة التي احتلت فيها باقي فلسطين و أجزاء من دول عربية أخرى مجاورة، و كان على رأس هذه المساعدات أن جونسون بنفسه هو الذي كان مهندس تلك الحرب أصلاً. و من المعروف أيضاً أنه في عهد هذا الرئيس المخلص لليهود و لإسرائيل على حد وصفهم بألسنتهم كما ذكرنا، فإن عهده الذي شهد الميلاد الحقيقي للنووي الإسرائيلي الذي أكسب إسرائيل قوة الردع النووي بدلاً من قوة التهديد و الوعيد بالحرب التي من الممكن أن تكون متكافئة إذا ما احتضن الاتحاد السوفيتي العرب في ذلك الوقت.
و من هنا نجد أن ماكين يدعو لتدعيم إسرائيل بكافة الأسلحة والتقنيات العسكرية المتقدمة، حيث أن إسرائيل من وجهة نظره حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، وذلك للتفوق الإسرائيلي النوعي على كافة الدول العربية الساعية إلى تدعيم قوتها العسكرية بالاعتماد على قوي دولية مناوئة للولايات المتحدة في هذه الأيام، ولاسيما موسكو.
و إذا كان الرئيس الأميركي ظاهراً يبدو أميركياً، فإنه باطناً و بعيداً عن أعين الأميركيين و تحت قبة الكونجرس و يلفه مجلس النواب و الشيوخ، يهودياً و الذي يحدد سياسته الخارجية، طبعاً، اليهود. و هذا بناءً على شهادة أحد أعضاء هذا المجلس العقيم و النائب عن ولاية أوهايو و الذي يقول: "أن إيباك أكثر المجموعات الضاغطة على الكونجرس، وهذه المنظمة لها المال والرجال، وهي تعرف ماذا تفعل، وأن ما يؤسفني هو عجز مخططي السياسية الخارجية الأمريكية بسبب ضغوط إيباك، لهذا فإن اليهود يستطيعون أن يصنعوا جدول أعمال سياستنا الخارجية."
وفي 30/5/ 1986م كتب ريتشارد بي شتراوس، الموظف السابق في إيباك و الكاتب في صحيفة الواشنطن بوست، "السياسة الأمريكية الشرق أوسطية قد تحولت بشكل مثير لصالح إسرائيل، بحيث يمكن وصفها الآن بأنها ثورة." و كان ذلك في عهد الرئيس الأميركي ريغان.
و في هذا السياق، فإن الرئيس الأميركي بل كلينتون قد كرس وقتاً طويلاً و جهداً كبيراً خلال ولايته من أجل تقديم القربات لليهود و إرضائهم. فقد أوقع الرئيس عرفات في فخ واي بلانتيشن عام 1998م و الذي حذف فيه بند المقاومة من ميثاق منظمة التحرير حتى يهدأ بال إسرائيل، و قام بنفسه بمتابعة هذا البند خصوصاً من بنود هذه الاتفاقية حيث اتجه إلى غزة و قام عرفات بالاحتفال به و شطب أمامه خذا البند في حضور جماهيري و إعلامي و رسمي واسع.
و كما يؤكد الباحثون أن مصدر قوة جماعات الضغط اليهودية في أميركا ليس بالعدد، فعدد اليهود لا يتجاوز 2.5% من سكان الولاياتالمتحدة الأميركية كلها. و بحسب إحصائيات الوكالة اليهودية لهام 2007م فإن عدد اليهود في أميركا 5.3 مليون. و لكن كما أسلفنا لغياب الشعب الأميركي عن الساحة السياسية و عدم إدراكه لهذه المعاني جيداً. و هذا الأمر ليس خاصاً بعامة الشعب، بل بالرئيس و بأعضاء مجلسي النواب و الشيوخ أيضاً. يشير بول فندلي في كتابه (من يجرؤ على الكلام) أن اللوبي الصهيوني قد تغلغل تماماً في نظام الحكم الأميركي بكامله و أصبحت إيباك أعمق أثراً "وحتى رئيس الولاياتالمتحدة يلجأ إليها كلما واجهته مشكلة سياسية معقدة لها علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي."
و يعزز كلامه أيضاً بما يُرْجِعُه إلى اعتراف السناتور فولبرايت وهو ديمقراطي ورئيس سايق للجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي أن الإسرائيليون يتحكمون في سياسة الكونغرس ومجلس الشيوخ ، وأن نسبة 70% من أعضاء مجلس الشيوخ لا يحددون مواقفهم إلا تحت ضغط اللوبي، وليس برؤيتهم القائمة على مبادئ الحرية والقانون.
و هكذا، فإن كل من يخالف تلك الآراء يكون مخالفاً للصف الأميركي إذ أن الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون قال: " أن من المشكلات التي واجَهْتُهَا التعنت وقصر النظر في الموقف المؤيد لإسرائيل في قطاعات واسعة ذات تعدد داخل المجمع اليهودي الأمريكي والكونغرس والإعلام وفي الدوائر الفكرية والثقافية، وفي ربع القرن الذي تلا الحرب العالمية الثانية صار هذا الموقف راسخا إلى حد جعل الكثيرين يرون أن عدم مناصرة إسرائيل معناها مناهضتها، أو حتى مناهضة السامية وحاولت أن أقنعهم بأن الأمر ليس كذلك ولكني فشلت."
لذلك و بالإضافة إلى سيطرتهم على وسائل الإعلام العالمية، يجد اليهود فرصتهم في تشكيل الرأي الأميركي العام مع أو ضد سياسة كل مرشح لمجلس الشيوخ أو لرئاسة البلاد أو لأي منصب آخر في البلاد. فهنا، عندما تأكدنا أن الطريق إلى البيت الأبيض لا يكون إلا برضى اليهود، نجد أن جون ماكين يصدر التصريحات الكثيرة التي ترضي إسرائيل و المشروع الصهيوني من أجل الوصول إلى البيت الأبيض.
و تستغل جماعات الضغط اليهودية ما لديها من أفكار و إمكانيات بمهارة و ذكاء شديدين و تستطيع أن تقنع الشعب الأميركي المغفل و الساسة الأميركانيين، الذين وصلوا إلى مناصبهم بمساعدة اليهود، أن ما تقوم به و ما تروج له ينبعث من مصلحتهم و من مصلحة وطنهم. فقد ورد في صحيفة ناشيونال ريفيو الصادرة في 1/10/1983م "يحسب بعض الناس في أميركا اليوم أن عليك أن تكون يهوديا، كي تدعم مرشحي الكونغرس الذين يؤمنون بإسرائيل، لكن ليس عليك أن تفعل ذلك، كل ما عليك عمله هو أن تؤمن بأميركا. فأنت ترى أن مصالح الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط إذا تعرضت للحظر، فقد يستغرق أمر إنقاذها أشهر، لكن بوجود إسرائيل فلن يستغرق ذلك إلا أياما."
و بالتأكيد هذا الذي يدفع ماكين لأن يقول خلال زيارته لإسرائيل، "إذا نجح عناصر حماس وحزب الله هنا فإنهم سينتصرون في كل مكان وليس في الشرق الأوسط فحسب، إنهم يتطلعون إلى تدمير كل ما تؤمن به وتدافع عنه الولاياتالمتحدة وإسرائيل والغرب."
كما و يؤمن ماكين بأن الحل الأمثل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي هو عزل حماس عن الساحة السياسية و إضعاف حزب الله و منع إيران من تمويل هاتين المنظمتين.
ويقول ماكين، كما يورد موقع فولتير الإلكتروني، أنه في حال وصوله إلى البيت الأبيض أو ما يعرف أحياناً بالمكتب البيضاوي، فإنه سيعمل على تحقيق الأمن والمصلحة الإسرائيليتين، وأنه سيدعو تل أبيب إلى لعب دور محوري وأساسي في "اتحاد الديمقراطيات (League Of Democracies) الذي اقترحه كمنظمة تضم الدول المتشابهة في القيم والمصالح من أجل العمل سوياً من أجل قضية السلام.
فتصريحات و أفكار جون ماكين اليوم هي ليست قناعاته و لا تعكس فكره السياسي، لكنها تعكس أفكار من سيحمله و يصل به إلى العرش.
ماكين لا يعبر عن رغبات أميركا أبداً، مثله في ذلك مثل أسلافه. و الدليل إلى جانب ما ذكرنا أن أميركا عندما نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس لم يكن ذلك إلا بضغط من اللوبي اليهودي الذي يعتبر هذه الخطوة تكريساً عملياً لاعتراف أميركا بالقدس عاصمةً لإسرائيل.
جوم ماكين الآن يتحدث بلسان اللوبي اليهودي الذي يعتبره الآن في مرحلة اختبار. فإذا كان الأمر هكذا قبل أن يصبح رئيساً، فما بالنا عندما يصبح رئيسا؟؟؟