روسيا وتاريخها الوطني رضي السماك على الفضائية الروسية العربية “روسيا اليوم" تابعت وقائع الاحتفال والعرض العسكري الروسي الكبير في الساحة الحمراء بموسكو بمناسبة ذكرى الانتصار السوفييتي على النازية الألمانية في التاسع من مايو/أيار الماضي، وهو الاحتفال الذي جرى بحضور قادة أركان الجيش والدولة وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين، فضلاً عن حضور قدماء المحاربين من ضباط وجنود. ومن الكلمات التي ألقيت في الحفل ولا سيما كلمة الرئيس بوتين، يستشف المرء ما عبرت عنه من مشاعر الزهو الوطني والقومي بما حققه الجيش والشعب السوفييتي من انتصار عظيم اسطوري على الجيش النازي المحتل. لكن بوتين لم يشر إلى هذا الشعب بصفته الاتحادية السابقة والذي كان يضم في عداده غير الشعب الروسي أمما وشعوبا تنضوي في 15 جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي، هذا بخلاف جمهوريات وأقاليم الحكم الذاتي. وبالمثل لم يشر بوتين إلى الجيش بصفته الاتحادية السوفييتية، بل أشار إلى الشعب الروسي فقط. ذلك بأن النصر الذي تحقق على النازية ما كان ليتحقق لولا تضحيات هذه الشعوب مجتمعة وتضحيات جيوشها المنضوية في الجيش الأحمر السوفييتي الاتحادي، وإن كان بالطبع الشعب الروسي هو في مقدمة من قدم تلك التضحيات الجسيمة باعتباره الأكبر حجماً سكاناً ورقعة وموارد بشرية وطبيعية. مع ذلك فأن تتم المحافظة على هذه المناسبات والصفحات البيضاء المشرقة من التاريخ الوطني الروسي خير من تشويهها او التنكر لها واعتبارها بمجملها من الماضي الستاليني الشمولي، فلو أن كل دولة فعلت ذلك مع تاريخها من دون تمييز بين القطيعة السياسية والقطيعة التاريخية الوطنية لما ملك أي شعب أو أي دولة في العالم تاريخاً ناصعاً أو تراثاً وطنياً مجيداً، ولكانت صفحات التاريخ الروسي كلها سوداء، أما البيضاء فلا تبدأ إلا مع انهيار الاتحاد السوفييتي لا مع نشوء الأمة والوطن الروسيين. والحال ان الاحتفال بعيد النصر هو إحدى المناسبات القليلة المتبقية من العهد السوفييتي الذي استمر التواصل معه، وذلك بعد هوجة العبث والفوضى التي طاولت بمعاولها كل أشكال ورموز التراث الثقافي والسياسي الوطني للشعب الروسي من تراث أدبي وفني وموسيقي وأعمال نحتية وخلافها بحجة انتمائها الى الماضي الستاليني الشمولي من دون نظرة موضوعية فاحصة للتمييز بين مجمل تلك الأعمال، ومن ثم الإبقاء على ما يعبر منها عن روح الشعب وعبقريته وعبقرية مبدعيه وبطولاته الوطنية في الدفاع عن الوطن، بصرف النظر عن زمان العهد السياسي الذي أنجزت خلاله تلك الأعمال وتحققت تلك البطولات. وقبل أيام قليلة من الاحتفال بعيد النصر الذي جرى في الساحة الحمراء بحضور قادة روسيا كان للحكومة الروسية موقف وطني مشابه في الدفاع عن واحدة من هذه الصفحات المجيدة من تاريخها الوطني الروسي - السوفييتي عندما احتجت موسكو بشدة على قرار حكومة جمهورية استونيا وهي من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق على نقل النصب التذكاري للجندي السوفييتي في وسط العاصمة تالين الى المقبرة العسكرية، فضلا عن احتجاجات ومظاهرات شعبية عارمة اندلعت في العاصمة الاستونية نفسها على تلك الخطوة التي جاءت قبيل أيام من عيد النصر والتي اعتبرتها موسكو بادرة عدوانية حاقدة تجاه صفحة مشرقة من صفحات التاريخ الوطني المشترك لروسيا واستونيا معاً. وكان من الواضح ان الخطوة الاستونية التي باركتها دول الحلف الأطلسي جاءت كنوع من الغزل والتزلف من قبل الحكومة الاستونية لهذه الدول وعلى رأسها الولاياتالمتحدة متنكرة لتضحيات شعبها الاستوني لطرد الغزاة النازيين بالتعاون مع الجيش السوفييتي، وتلك هي مشكلة الأنظمة الجديدة في ضياع البوصلة وطغيان النزعة الانتقامية لدى تعاملها مع تراثها وتاريخها الوطني خلال العهود والعصور التي سبقتها.