جاءت موافقة مجلس النواب الروسى (الدوما) على الإعلان الذى يقر بمسئولية الزعيم السوفييتى السابق جوزيف ستالين عن مجزرة كاتين التى قتل فيها آلاف البولنديين عام 1940 خلال الحرب العالمية الثانية لتضع حدا لسنوات عديدة من تردد موسكو بشأن الاعتراف رسميا بمسئولية القيادة السوفييتية عن هذا الحادث، وتضيف خطوة جديدة على طريق المصالحة الروسية البولندية. وينص الإعلان الذى صدق عليه الدوما فى السادس والعشرين من الشهر الماضى على أن «الوثائق التى ظلت لعقود حبيسة الأرشيف السرى ونشرت الآن لا تظهر فحسب حجم هذه المأساة الفظيعة بل تثبت أيضا أن جريمة كاتين ارتكبت بأوامر مباشرة من ستالين وعدد من القادة السوفييت». وتم الاتفاق على نص الإعلان فى الجلسة السنوية للدوما رغم المعارضة الشديدة من الحزب الشيوعى الذى يشكل أقلية فى المجلس حيث أصر العديد من أعضائه على أن البولنديين أعدموا على يد قوات الاحتلال الألمانية فى خريف 1941 وليس على يد الشرطة السرية السوفييتية (أن كى فى دى ) عام 1940. ووصف زعيم الحزب الشيوعى محاولة تحميل ستالين المسئولية عن المذبحة بأنها «محاولة جديدة لتزوير التاريخ» كجزء من الحرب الايديولوجية. ويشار إلى أن مجزرة كاتين وقعت عام 1940 فى الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية خلال محاولة لمنع تمرد ضد الحكم الشيوعى، حيث قام أفراد الشرطة السرية السوفييتية بإعدام نحو 22 ألف بولندى من النخبة السياسية والثقافية والضباط بإطلاق النار على رؤوسهم قبل أن يلقوا بجثثهم فى مقابر جماعية. ورغم أن عمليات القتل وقعت فى أجزاء متفرقة من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا فإن غابة كاتين الواقعة بالقرب من مدينة سمولينسك الروسية أصبحت هى الرمز الرئيسى للمذبحة. وظل الروس لسنوات عديدة يدعون أن النازيين هم من قاموا بارتكاب تلك المجزرة خلال غزوهم للاتحاد السوفييتى عام 1941، إلا أن الرئيس السوفييتى السابق ميخائيل جورباتشوف أقر قبل انهيار الاتحاد السوفييتى عام 1990 بمسئولية بلاده عنها وكان ذلك رغبة منه فى تحسين العلاقات مع بولندا. ومع ذلك ظلت مذبحة كاتين سببا رئيسيا فى توتر العلاقات بين روسيا وبولندا حيث تطالب بولندا موسكو بالكشف عن كل الوثائق السرية الخاصة بهذه القضية. كما تطالب مجموعة من السياسيين البولنديين موسكو بتقديم اعتذار رسمى بخصوصها. وقد بذلت موسكو مؤخرا جهودا واضحة لمداواة هذا الجرح القديم حيث أحيت وللمرة الأولى فى السابع من ابريل الماضى ذكرى هذه المجزرة فى غابة كاتين الواقعة غرب روسيا بحضور رئيس الوزراء الروسى فلاديمير بوتين ونظيره البولندى دونالد تاسك. كما نشرت خلال الشهر نفسه سلسلة من الوثائق السرية عن المجزرة على الموقع الالكترونى للوكالة الفيدرالية للأرشيف وذلك بأمر من الرئيس الروسى ديمترى ميدفيديف حيث كانت هذه الوثائق فيما سبق مصنفة تحت باب السرية ولا يسمح إلا للباحثين المتخصصين بالاطلاع عليها. ومن المتوقع نشر المزيد من الوثائق السرية حيث ذكرت صحيفة «فيدوموستى» أن ميدفيديف يعتزم إطلاق حملة «لاجتثاث آثار الستالينية» سوف تشمل الكشف عن جميع الوثائق السوفييتية السرية وملايين الملفات التى جمعتها الأجهزة السرية عن المواطنين، وكذلك البحث عن رفات الأشخاص الذين قضوا فى معسكرات الاعتقال خلال حكم ستالين، وإقامة نصب تذكارية لهم، بالإضافة إلى إصدار قرارات جمهورية تحظر تمجيد الستالينية. وكان ميدفيديف قد انتقد فى مايو الماضى فى مقابلة نشرت قبل يومين من احتفال روسيا بالعيد ال 65 لانتصارها فى الحرب العالمية الثانية الحقبة السوفييتية ووصفها بالديكتاتورية التى قمعت حقوق الإنسان ، قائلا إن «الجرائم التى ارتكبها الديكتاتور جوزيف ستالين أثناء الحرب لن تغتفر أبدا». ومن الممكن القول إن الحملة على ستالين بدأت بالفعل منذ شهور مع احتدام الجدل حول رفع صوره خلال احتفالات روسيا بذكرى النصر على النازية حيث انقسمت النخبة الحاكمة بين معارض اعتبر أن الوقت حان لنبذ تراث الحكم الشمولى ومؤيد أكد ضرورة عدم تجاهل دور ستالين فى التاريخ الروسى. وأسفر ميل الكرملين إلى الطرف الأول عن غياب صور ستالين والأعلام الحمراء عن الاحتفال للمرة الأولى.