عبد الهادى مصباح لم يخلق الله سبحانه وتعالي أيا من الكائنات, إلا وخلق معها وسائل الدفاع التي تكفل لها البقاء والحيا, لكي تستمر وتتكاثر وتبقي علي نوعها, وحتي أبسط الكائنات الحية والتي تتكون من خلية واحدة مثل الأميبا, خلق الله لها خصائص تمكنها من الدفاع عن نفسها والبعد عن مصادر الخطر علي حياتها, وكل وسيلة من وسائل الدفاع والحماية خلقها الله بحكمة وبمهارة فائقة كي تتناسب مع ماقد يواجه هذا الكائن الحي من مخاطر تهديد حياته.
ونحن عندما نملك جوهرة ثمينة أو هدية غالية فإننا نحسن لفها ووضعها داخل علبة من القطيفة, ثم نضعها في خزينة حديدية, ثم نغلق الخزينة بالمفتاح, ونزيد الحرص باستخدام شفرة الأرقام حتي لاينفتح باب الخزينة مع أي إنسان قد يقع المفتاح في يده, كذلك يمكن أن نتخيل أعظم خلق الله وهو الإنسان الذي خلقه وكرمه: ولقد كرمنا بني آدم', وخلق كل من حوله من كائنات لخدمته, هذا الإنسان الغالي علي رب العزة سبحانه وتعالي لابد وأن يمده بوسائل الحماية من كل مايحيط به من كائنات
وتكون الحماية علي قدر قوة الله وعظمته, ولكن بشرط! ماهو هذا الشرط؟ والإجابة تكمن في معني الآية الكريمة' إن الله يدافع عن الذين آمنوا فدفاع المولي واجب ألزمه رب العزة علي نفسه طواعية, ولكن بشرط, وهو الإلتزام بالسلوك والخلق الإيماني, وعندما تختل هذه القاعدة الإيمانية, فإن الإنسان يخرج نفسه بنفسه من دائرة الحماية الربانية لله عز وجل, ويقع فريسة لكل من حوله من كائنات سواء كانت بكتيريا أو فيروسات أو طفيليات أو أوراما سرطانية أو كيماويات أو غيرها, من الأشياء الكثيرة التي يمكن أن تفتك بالإنسان, إذا لم يكن لديه جهاز مناعي سليم, مختوم بخاتم رب العزة للحماية, وهو خاتم الطاعة والالتزام الإيماني.
وقد يقول قائل إنني ملتزم بكل ما أمر به المولي عز وجل, ولكنني محاط من كل جانب بأشخاص لايراعون حقوق الآخرين, وبيئة ملوثة, وخضراوات وفواكه مروية بمياه المجاري التي تختلط في بعض الأحيان بمياه الشرب, إلي آخر هذه الأشياء التي تفت من عضد جيش الدفاع الإلهي المسمي بجهاز المناعة, فما ذنبي في ذلك؟
والإجابة إن الله سبحانه وتعالي قد خلق الأرض كل الأرض, للأنام كل الأنام حين قال سبحانه' والأرض وضعها للأنام', بحيث اذا أشتكي منها عضو, تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي, وعندما يقتطع كل إنسان, أو كل دولة, قطعة من الأرض بدءا من جارك الذي يمتلك المنزل المقابل لك ويفعل بها مايشاء علي اعتبار أنه يمتلكها, ثم لايجد من لايضرب علي يده, ويحافظ علي حق المجتمع والناس, فإن الفوضي تعم ويشيع الضرر
ويصيب أشخاصا لاذنب لهم سوي أنهم لم يضربوا علي يد المفسد كمجتمع, فنحن خير أمة أخرجت للناس لأننا نأمر بالمعروف, وننهي عن المنكر. هذه هي حيثيات الخيرية' كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر' صدق الله العظيم, وعندما نفقد هذه الحيثية, فنحن نخرج أنفسنا من منظومة الدفاع الإلهي, ومرتبة الخيرية التي فضلنا الله بها عن باقي خلقه.
وتعالوا معا نستعرض قائمة تتضمن بعض الأعداء الرئيسيين لجهاز المناعة والتي يمكن أن تضعفه أو تدمره أو تقضي عليه:
الدخان( من التبغ والشيشة وغيرهما السحابة أو الهبابة السوداء المداخن والقمائن.. إلخ).
التوتر الدائم والقلق نتيجة عدم وضوح الرؤية للمستقبل.
التلوث السمعي والبصري( الشوارع المزدحمة. خطوط طيران الطائرات, المصانع.. إلخ).
المبيدات الحشرية التي تظل في الجسم بشكل تراكمي لعشرات السنين.
الإشعاع: سواء نتيجة التعرض المباشر لأشعة الشمس, أو الأنواع الأخري من الإشعاعات خاصة الموجات الكهرومغناطيسية, والاستخدام غير المرشد للمحمول.
الكيمياويات المسرطنة( الصناعية أو الزراعية أو المنزلية).
العقاقير( المشروعة, وغير المشروعة, الطبية), وكلها تتطلب إشرافا طبيا للتقليل منها أو منعها. فليس هناك دواء ليس له مضاعفات جانبية, ووظيفة الطبيب الماهر أن يقوم الفوائد أمام المخاطر قبل أن يكتب الدواء.
إضافات الأطعمة( لاسيما الألوان والنكهات حيث يوجد مايقرب من7000 نوعا منها حتي الآن).
اختلال التوازن في الطعام( علي سبيل المثال: الإكثار من الملح أو السكر أو الدهون).
السمنة أو الحرمان من الطعام.
نقص التوازن في المعادن.
نقص التوازن في الفيتامينات.
عدم ممارسة الرياضة بصورة سليمة.
العيوب الوراثية.
حالات العدوي( بالبكتيريا, الفيروسات, الفطريات, الأوليات, الديدان.. إلخ).
التعامل مع الحياة بصورة سلبية.
الحزن أو التعاسة.
الحوادث.
ولاشك أن كل هذه العوامل, وأيضا كل ماحرمه الله سبحانه وتعالي لابد أن يكون له حكمة عنده سبحانه لكي يحمي الإنسان من أشياء لايعرفها ولايراها ولايدركها علمه, فالخمر والمخدرات بأنواعها وغيرهما من المواد الضارة قد أثبتت الدراسات الحديثة تأثيرها علي جهاز المناعة, وأنها تثبطه وتدغدغه, وتجعله مثل فتوة الحارة في قصص نجيب محفوظ الذي يقف لحماية أهل الحارة, ثم يتكاثر عليه فتوات الأحياء الأخري ويضربونه ضربا مبرحا, حتي إذ أتي أي طفل صغير فإنه يستطيع أن يوقعه علي الأرض, فكذلك تفعل هذه الأعداء, إذ أنها تدغدغ الجهاز المناعي وتجعله قابلا للإصابة بالأنواع المختلفة من العدوي
ومنها بالطبع فيروس الإيدز والأنواع المختلفة من السرطانات. ويبدأ جهازنا المناعي بالجلد الذي يغلق كل جزء خارجي من أجسادنا, والذي يحتوي علي غدد دهنية وعرقية, تفرز موادا تحمي الجسم من بعض الكائنات والسموم التي يمكنها أن تدخل الجسم لولا وجود هذا الخط الأول الحصين للدفاع, ومن أمثلة الكائنات التي لاتستطيع أن تغزو الجلد فيروس الإيدز, والالتهاب الكبدي الوبائي بي, سي, فهذه الفيروسات لايمكن أن تدخل إلي الجسم من خلال الجلد السليم
ولا تدخل إلا إذا حدث خدش أو جرح في الجلد يمكن الفيروس من الوصول مباشرة إلي الدم وإحداث العدوي, ويمكن من خلال هذا الخدش إذا لم يطهر, أن تدخل كائنات عديدة تسبب أمراضا مختلفة في الجسم كله. وجهازنا المناعي في الحقيقة في غاية التعقيد, فهو يتكون من عدة خطوط دفاعية تكونها قوات أو خلايا ثابتة في مواقع محددة داخل كل عضو من أعضاء الجسم, وأخري متحركة للانتشار السريع من خلال الدم والخلايا الليمفاوية التابعة لكرات الدم البيضاء, لتعزيز الدفاع في أي مكان من الجسم عند تعرضه لأي هجوم خارجي, وهناك أجسام مضادة للنوعيات المختلفة من الميكروبات, والسابحة في الدم
والتي تحمل ذاكرة لاتخطيء للميكروب الذي سبق أن تجرأ بالدخول إلي حصن الجهاز المناعي العتيد قبل ذلك, ثم نجد هناك مجموعة البروتينات والإنزيمات التي تكون الجهاز المكمل, الذي يلعب دورا مهما في الهجوم علي القوات الغازية, وإحاطتها وتمكين خلايا الجهاز المناعي منها, وإفراز كيماويات تعادل سمومها, وغير ذلك من وسائل الدفاع الميكانيكية ومايحدث خلالها من تجسس لمعرفة تركيب وتكوين الجسم الغريب الذي تسلل إلي الجسم, ثم إخبار الجهة المسئولة أو القوة المنوط بها مواجهة هذا النوع من الغزو, فالخلايا التي تهب لمقاومة البكتيريا تختلف عن تلك التي تهاجم الفيروسات أو الطفيليات أو الخلايا السرطانية.
*استاذ بكلية الطب جامعة القاهرة جريدة الاهرام 1/11/2009