البغلة مارد من مردة الجن وتسافر في اليوم مسافة سنة! حكاية التاجر عمر وأولاده سالم وجودر وسليم قال الكهين الأبطن لما أعطيناه الكتاب: أنتم أولادي ولا يمكن أن يظلم منكم أحد فليذهب من أراد أن يأخذ هذا الكتاب إلي معالجة فتح كنز الشمردل، ويأتيني بدائرة الفلك والمكحلة والخاتم والسيف فإن الخاتم له مارد يخدمه اسمه الرعد القاصف، ومن ملك هذا الخاتم لا يقدر عليه ملك ولا سلطان، وإن أراد أن يملك به الأرض بالطول والعرض يقدر علي ذلك، وأما السيف فإنه لو جرد علي جيش وهزه حامله لهزم الجيش، وإن قال له وقت هزه أقتل هذا الجيش فإنه يخرج من ذلك السيف برق من نار فيقتل جميع الجيش، وأما دائرة الفلك فإن الذي يملكها إن شاء أن ينظر جميع البلاد من المشرق إلي المغرب فإنه ينظرها ويتفرج عليها وهو جالس في أي جهة أرادها يوجه الدائرة إليها وينظر في الدائرة فإنه يري تلك الجهة وأهلها كأن الجميع بين يديه، وإذا غضب علي مدينة ووجه الدائرة إلي الشمس وأراد إحراق تلك المدينة فإنها تحترق.وأما المكحلة فإن كل من اكتحل منها يري كنوز الأرض ولكن لي عليكم شرط وهو أن كل من عجز عن فتح هذا الكنز وأتاني بهذه الذخائر الأربعة فإنه يستحق ان يأخذ هذا الكتاب، فرضينا بالشرط فقال لنا يا أولادي: اعلموا أن كنز الشمردل تحت حكم أولاد الملك وأبوكم أخبرني أنه كان قد عالج فتح ذلك الكنز فلم يقدر ولكن هرب منه أولاد الملك الأحمر إلي بركة في أرض مصر تسمي بركة قارون وغاصوا في البركة، فلحقهم إلي مصر ولم يقدر عليهم بسبب إنسيابهم في تلك البركة لأنها مرصودة.ثم إنه رجع مغلوباً ولم يقدر علي فتح كنز الشمردل من أولاد الملك الأحمر فلما عجز أبوكم عنهم جاءني وشكا إليّ فضربت له تقويماً فرأيت هذا الكنز لا يفتح إلا علي وجه غلام من أبناء مصر اسمه جودر بن عمر، فإنه يكون سبباً في قبض أولاد الملك الأحمر وذلك الغلام يكون صياداً والاجتماع به يكون علي بركة قارون ولا ينفعك ذلك الرصيد إلا إذا كان جودر يكتف صاحب النصيب ويرميه في البركة! فيتحارب مع أولاد الملك الأحمر وكل من كان له نصيب فإنه يقبض علي أولاد الملك الأحمر والذي ليس له نصيب يهلك وتظهر رجلاه في الماء والذي يسلم تظهر يداه فيحتاج إلي جودر ليرمي عليه الشبكة ويخرجه من البركة وتابع المغربي الثالث حديثه لجودر وهو يروي له حكاية أخويه اللذين غرقا وحكاية الكتاب وكنز الشمردل قائلا:فقال: إخوتي نروح ولو هلكنا وأنا قلت أروح أيضا. وأما أخونا الذي في هيئة يهودي فإنه قال أنا ليس لي غرض فاتفقنا معه علي أنه يتوجه الي مصر في صفة يهودي تاجر، حتي إذا مات منا أحد في البركة يأخذ البغلة والخرج منك ويعطيك مائة دينار فلما أتاك الأول قتله أولاد الملك الأحمر وقتلوا أخي الثاني وأنا لم يقدروا عليّ فقبضتهم فقال جودر: أين الذين قبضتهم؟ قال: أما رأيتهم قد حبستهم في الحقين؟ قال: هذا سمك. قال له المغربي: ليس هذا سمكاً إنما هم عفاريت بهيئة السمك!! لكن يا جودر إعلم أن فتح هذا الكنز لا يكون إلا علي يديك فهل تطاوعني وتروح معي إلي مدينة فاس ومكناس وتفتح الكنز وأعطيك ما تطلب؟ وأنت بقيت أخي في عهد الله وترجع إلي عيالك مجبور القلب؟ فقال له جودر: يا سيدي الحاج أنا في رقبتي أمي وأخواي وأنا الذي أجري عليهم وإن رحت معكفمن يطعمهم العيش؟ فقال له: هذه حجة باطلة فإن كان من شأن المصروف فنحن نعطيك ألف دينار تعطيها لأمك لتصرفها حتي ترجع إلي بلادك، وأنت إن غبت ترجع قبل أربعة أشهر. فلما سمع جودر بالألف دينار قال: يا حاج، الألف دينار أتركها عند أمي وأروح معك! فأخرج له الألف دينار فأخذها إلي أمه، وأخبرها بما جري بينه وبين المغربي وقال لها: خذي هذه الألف دينار واصرفي منها عليك وعلي أخوي، وأنا مسافر مع المغربي إلي الغرب فأغيب أربعة أشهر ويحصل لي خير كثير فادعي لي يا والدتي. فقالت له: يا ولدي توحشني وأخاف عليك. فقال: يا أمي ما علي من يحفظه الله بأس، والمغربي رجل طيب، وصار يشكو لها حاله. فقالت: الله يعطف قلبه عليك، رح معه يا ولدي لعله يعطيك شيئاً. فودع أمه وراح.ولما وصل عند المغربي عبدالصمد قال له: هل شاورت أمك؟فقال: نعم، ودعت لي: فقال له اركب ورائي. فركب علي ظهر البغلة وسافر من الظهر إلي العصر، فجاع جودر ولم ير مع المغربي شيئاً يؤكل، فقال: يا سيدي الحاج لعلك نسيت أن تجئ لنا بشيء نأكله في الطريق؟ فقال له هل أنت جائع؟ فقال: نعم، فنزل من فوق ظهر البغلة هو وجودر، ثم قال له: بالله عليك أن تقول لي أي شيء تشتهي؟ فقال: عيشاً وجبناً، قال: يا مسكين العيش والجبن ما هو من مقامك فاطلب شيئاً طيباً، قال جودر: أنا عندي في هذه الساعة كل شيء طيب فقال له: أتحب الفراخ المحمرة؟ قال: نعم، قال: أتحب الأرز بالعسل؟ قال: نعم، قال: أتحب اللون الفلاني؟ واللون الفلاني حتي سمي له من الطعام أربعة وعشرين لوناً! فقال جودر في باله: هل هو مجنون، من أين يجئ لي بالأطعمة التي سماها، وما عنده مطبخ ولا طباخ؟ لكن قل يكفي. فقال له: يكفي، هل أنت تجعلني أشتهي الألوان ولا أنظر شيئاً؟فقال المغربي: مرحباً بك يا جودر! وحط يده في الخرج فأخرج صحناً من الذهب فيه كباب ومازال يخرج من الخرج حتي أخرج الأربعة والعشرين لوناً التي ذكرها بالتمام والكمال! فبهت جودر وقال: يا مسكين يا سيدي أنت جاعل في هذا الخرج مطبخاً وناساً تطبخ؟ فضحك المغربي وقال: هذا مرصود له خادم لو تطلب في كل ساعة ألف لون يجئ بها الخادم ويحضرها في الوقت، فقال: نعم هذا الخرج. ثم إنهما أكلا حتي اكتفيا والذي تبقي تركاه ورد الصحون فارغة في الخرج وحط يده فأخرج إبريقاً فشربا وتوضآ وصليا العصر ورد الإبريق في الخرج ثم انه حط فيه الحقين وحمله علي تلك البغلة وركب وقال: إركب حتي نسافر.ثم إنه قال: يا جودر هل تعلم ما قطعنا من مصر إلي هنا؟ قال له: والله لا أدري، فقال: قطعنا مسيرة شهر كامل، قال: وكيف ذلك؟ قال له يا جودر: إعلم أن البلغة التي تحتنا مارد من مردة الجن تسافر في اليوم مسافة سنة ولكن من شأن خاطرك مشت علي مهلها. ثم ركبا وسافرا إلي المغرب فلما أمسيا أخرج من الخرج العشاء، وفي الصباح أخرج الفطور ومازالا علي هذه الحالة مدة أربعة أيام وهما يسافران إلي نصف الليل وينزلان فيناما، ويسافران في الصباح وجميع ما يشتهي جودر يطلبه من المغربي فيخرجه له من الخرج وفي اليوم الخامس وصلا الي فاس ومكناس ودخلا المدينة فلما دخلا صار كل من قابل المغربي يسلم عليه ويقبل يده. ومازالا كذلك حتي وصلا إلي باب فطرقه المغربي واذا بالباب قد فتح وظهرت منه بنت كأنها القمر فقال لها: يا رحمة يا بنتي، افتحي لنا القصر: فقالت له: علي الرأس والعين يا أبي، ودخلت تهز أعطافها، فطار عقل جودر وقال: ما هذه إلا بنت ملك، ثم إن البنت فتحت القصر فأخذ الخرج من فوق البغلة وقال لها: انصرفي بارك الله فيك وإذا بالأرض قد انشقت ونزلت البغلة ورجعت الأرض كما كانت. فقال جودر: يا ستار، الحمد لله الذي نجانا من فوق ظهرها، ثم إن المغربي قال: لا تعجب يا جودر فأنا قلت لك إن البغلة عفريت لكن إطلع بنا القصر فلما دخلا ذلك القصر إندهش جودر من كثرة الفرش الفاخر ومما رأي فيه من التحف وتعاليق الجواهر والمعادن.فلما جلسا أمر البنت وقال: يا رحمة هاتي البقجة الفلانية. فقامت وأقبلت ببقجة ووضعتها بين يدي أبيها ففتحها وأخرج منها حلة تساوي ألف دينار وقال له: البس يا جودر مرحبا بك، فلبس الحلة وصار كناية عن ملك من ملوك العرب، ووضع الخرج بين يديه ثم مد يده وأخرج منه أصحنا فيها ألوان مختلفة حتي صارت فيها أربعون لوناً فقال: يا مولاي تقدم وكل ولا تؤاخذنا. المصدر: جريدة "الراية" القطرية. بتاريخ: 16 أبريل 2007.