«الكاميليا والرمان» أحدث رواية للإعلامى د. عمرو عبدالسميع، وكان قد أصدر من قبل ثلاث روايات هى: «العنكبوت»، و«الأشرار»، و«أنا والحبيب». وتأتى روايته الرابعة «الكاميليا والرمان» لتؤكد ملامح عالمه الروائى الذى يتقصى فيه مصائر شخصياته من السفح إلى القمة أو من الذرى إلى الهاوية كاشفا عن تطور شخصياته الفنية من خلال تشابك وصراع يصطنعه بمهارة سواء على صعيد الأحداث أو على صعيد تفاعل الشخصيات معاً فى بوتقة صراع يخرج الغالب منه كالمغلوب نازفاً أو عازفاً على وتر أوجاع الإنسان. يأتى عنوان الرواية «الكاميليا والرمان» عتبة إلى دخول النص الروائى فيرمز بالكاميليا إلى المرأة الجميلة التى اختارت أن تكسر قلبها وتخطو من فوقه وأن تدوس على مشاعر حبيبها لتصنع من رمادها جسراً تصل من خلاله إلى عالم المال والقوة والنفوذ، أما «الرمان» فهو يرمز إلى عود الرمان الذى رفض الانحناء أو هو فضيلة عدم الانكسار التى يهدى إليها الكاتب روايته كما يهديها إلى أبطال روايته جميعا.. يقلب بين أيديهم عود الرمان مستصرخاً أجمل ما فيهم من قيم وباعثاً قدرا كبيرا من الألم فى نفوس الذين تعلموا الانحناء.
د . عمرو عبد السميع حلم البتانون الشمردل البتانونى: شمردل هو اسم الشخصية الرئيسية فى الرواية وهو الذى تنعقد من حوله الأحداث فهو فتى ريفى نابه حاول من خلال تفوقه العلمى والدراسى أن يحقق حلم ذويه، أمه «بدر ناس»، وجدته «شفاه»، وأبوه «محمد البتانونى» بل أن يحقق حلم قريته «معجبة» ليتحقق فردوسهم جميعا فيصلون إلى جنة العلم: «البتانون» المدينة الحافلة بالخضرة والمسرة، ولكن حلم الفردوس البعيد الذى يخايل الجميع هو كنز لا يفتح لأحد بسهولة . فلقد حاول «محمد البتانونى» الأب الوصول إليه من خلال هجر أرضه والتشبث بحلم السفر إلى الخليج حالماً بأن يهجر فأسه وعرقه وإرهاقه ليبنى بيتاً جميلاً فى «البتانون» ويدخن السجائر «المكنة».. ولكن لم يستطع تحقيق الحلم فاضطر للزواج من أرملة ثرى اعتصرت جسده فباعها رحيق هذا الجسد فلما خارت قواه بحثت عن جسد آخر يشبع رغابها،. أما «كاميليا» الممرضة التى أحبت «الشمردل» فكانت هى الأخرى تريد العبور إلى «فردوسها» البتانونى!، ولكنها آثرت أن تكسر قلبها وقلب «الشمردل» لتتزوج من غريمه «بشير جار النبى» ابن اللواء «محمود»، بشير الذى قرر أن يكسر عود الرمان فى قلب الشمردل بكل الطرق القاسية والانتهازية فقد سرق حبيبته «كاميليا» وسرق جهده العلمى والدراسى ونسبه إلى نفسه وتهدده بالويل إن لم ينفذ كل ما يطلب منه لتعتمل فى نفس «الشمردل» كل آلام الكرامة واللوعة والأسى على ما كابده، لقد سرق بشير كنوزه.. كنوزه كلها.. وهو الأمر الذى يتماس مع شخصية جودر الصياد الفقير الذى يعانى الخطوب والأهوال ليحصل على كنز «الشمردل» فى حكايا ألف ليلة وليلة فالشمردل فى الليالى هو صاحب دائرة الفلك والمكحلة والسيف والخاتم السحرى الذى يتحقق به كل حلم، وبطل رواية «كاميليا والرمان» هو شمردل يملك كنوز العلم والمعرفة والتفوق ولكن دائرة فلكه ومكحلته وسيفه وخاتمه السحرى قد سرقت جميعا.. ولم يبق أمامه سوى البحث عن كنزه المفقود ليقيم عوده وعود الرمان وحلم الفردوس أو الرفعة للوصول إلى «البتانون». فى ألف ليلة وليلة تقوم الكنوز بدور تحقيق التعادل بين كفتى الميزان ويصبح الصعلوك الفقير ملكاً يترضاه الملك القديم وحاشيته وكان الإكثار من هذا النوع من قصص الكنوز والتفنن فيه يعزى الراوى ونفوس سامعيه عن حالهم ويستخف فى قرارة نفسه بما لم ينل وبما لم يجد السبب فى أن يناله غيره من دون الناس. ولذا فإن أظهر ما يمتاز به الكنز فى الليالى - كما تقول د. سهير القلماوى فى كتابها «ألف ليلة وليلة - دراسة»: «إنه كنز مرصود باسم شخص معين لا يفتح إلا له.. ولم تفتح الكنوز؟!.. تفتح لتلك الطبقة الفقيرة جدا التى لا تكاد تجد قوت يومها، ولكن العثور على الكنز لا يكون فى الليالى بتدبير وإنما أمره بالنسبة إلى البطل مصادفة صرفة، فقد يملك حل رموز الكنز ساحر أو عالم ولكنه من غير العثور على البطل مصادفة لا يكون فتح الكنز أبداً. فإذا كان كنز الشمردل قد انفتح فى الليالى لجودر الصياد الذى لاقى الخطوب والأهوال فإن كنز الشمردل قد انفتح لابن البتانون بعدما صادف الخطوب والأهوال أيضاً فشمردل «الكاميليا والرمان» هو صاحب الكنز وقد آل إليه أبا عن جد ففراديس البتانون لأهلها البسطاء وبطلنا هو «الشمردل البتانونى شمردل» الشخص الذى لن يفتح الكنز المرصود بابه إلا لشخصه. لقد أضاءت أمه «بدر ناس» للعائلة فأوقدت أصابعها العشر شمعاً ومضت زاوية طاوية حزنها على هجران زوجها لها وسفره إلى الخليج، توفيت وهى تحلم بعودة رجلها إلى البتانون الحلم.. ولكن لم يبق سوى ابنها الشمردل الذى رأى الأهوال ليحقق الحلم. على أكتاف الشمردل! استطاع الروائى عمرو عبدالسميع أن يصور ما اعتمل فى نفس الشمردل من معاناة رجل سرقت كنوزه، وتم قهره للإدلاء بشهادة زور ضد أخلص أصدقائه فلقد تم قتل صديقه سمير التميمى أمام عينيه، قتله زبانية اللواء محمود جار النبى واضطر الشمردل تحت وطأة الترويع والاحتجاز والقهر والفقر إلى المصادقة على كل الأقوال الكاذبة التى أمليت عليه ليذهب دم صديقه هدرا وينجو اللواء وزبانيته بفعلتهم ويتحول الشمردل إلى خدمة بشير جار النبى الذى يصل إلى أعلى المناصب العلمية صاعدا على أكتاف الشمردل. سرقة الأحلام أما «كاميليا» فقد دفعتها ظروفها الاجتماعية.. أبوها الكفيف الذى كان فى أيامه الخوالى وكيلاً للفنانين وصار يمتهن الشحاذة واستعطاف الفنانين الذين ساعدهم فى مقتبل حياتهم ولكن بعضهم استغل بنته «فريال» ولترى كاميليا كيف تحصل «فريال» أختها على المال على حساب سمعتها وجسدها فآثرت كاميليا أن تتعلق ببشير جار النبى الذى ما أراد الزواج منها إلا ليكمل سرقته لأحلام فتى البتانون، ليسرق أحلام الشمردل كلها. وفى تتبع دقيق لتطور شخصياته يرصد عمرو عبدالسميع مصائر أبطاله: زواج فريال من عبدالرحمن آل العنبرى الثرى العربى لتحقق أحلامها فى الثراء ثم يرصد هذه الانتهازية التى تجمع بين كاميليا وفريال فى مشروعات مشبوهة، وعلاقات فساد جمعت تجار الحرب وتجار الأقوات وتجار الجسد لتصف الرواية فسادا طال كل شىء واكتملت عناصره وجرت طرقه سالكة معبدة أمام الجميع بحيث تحول زملاء الدراسة «بشير جار النبى ووائل راغب وعلى الششتاوى» إلى منظومة فساد معجونة برائحة «الكاميليا» أو تلك الزهرة الفاسدة التى ارتضت أن تعطى جسدها وتتزوج ممن لا تحب نظير المال والنفوذ، نفس الرائحة التى كانت لفريال «ووسيلة الكاظمى»، وكأن «الكاميليا» قد أصابها العطب فباتت فروع زهرتها لا تنبت إلا شوكا وحسكاً فكانت كل من «رنا» و«هنا» نموذجا فاسدا لأبوين انتهازيين هما: «كاميليا» و«بشير جار النبى». الشمردل وعود الرمان وكان الحادث الذى غير مسار الرواية هو يوم جنازة بشير جار النبى فقد استفاق الشمردل من سباته أو كما يقول الكاتب: حاول أن يكتشف فى نفسه أى تغير يوم رحيل قاتله، أراد أن يتحسس اختلافا أو يعيد تقديم نفسه إلى نفسه على نحو آخر أو يستجمع بعض هشيم الولد المنوفى الذى كان أو يعيد إثبات عبقريته ونبوغه منسوبين إلى اسمه الذى أوشك أن ينساه، حين وصل البار وترجل من سيارة أجرة أمعن النظر إلى نفسه على صفحة مرآة عند المدخل متمعناً فى كتفيه متفحصا دماغه، هل يمكن لعود الرمان أن ينتصب من جديد؟، هل يتمرد الكتفان على تهدلهما أو يرفض الرأس أوامر الانحناء أو يستعيد الظهر استقامته؟ هل يفلح بعد زمان موغل فى القسوة أن يكون «هو» بصوته «هو» ووجهه «هو» وأفكاره وخطراته ودمه ودموعه «هو»؟! وهل يذهب إلى محمود جار النبى - الذى صار لواء بالمعاش وصاحب واحدة من أكبر شركات الأمن - ويبلغه بأنه سيفضحه ويسلب ابنه ذكرى المجد ويحكى عن جريمة قتل سمير عند الفجر ويصرخ بأنه لا يخشى أن يلقى مصير صاحبه ويفارق تلك الدنيا العفنة الظالمة التى لا تمنح أى بسيط قيراطا من العدالة. كنز مرصود! وبدأ الشمردل رحلته إلى باب كنزه المرصود والذى لن يفتح إلا له كشمردل الليالى الألف فيرصد شمردل «الكاميليا والرمان» أحوال قريته «معجبة»، حلمها، ما تعرفه وما لا تعرفه، ما تدركه وما لا تريد حتى أن تهمس به لنفسها فيقول الراوى: «معجبة» لا تعرف الشمردل الثانى الذى ولد من رحم القهر والخوف وغياب الكبرياء، بلدتى بأكملها تعرف النصف الأول من حكايتى، والذى مد بشير وأبوه أسوار الأسلاك الشائكة حوله تمنعنى الوصل والاستمرار.. الفراشات الحائمة على شواشى النوار فى الغيطان فضحت أمر حبى لك، وحكت للعصافير والنحل عن همسات العشق ولمسات الرغبة ونار الشوق وحلم العرس، كل فرخ صغير كامن تحت جناح أمه فى «معجبة» عرف بحكايتنا مشيحا عن كل بيانات التكذيب القامعة نوايا العرس والمنكرة حملى أميرتى فوق جواد أبيض يتراقص نشوانا من دق الطبل ونغمات المزمار، ورجال البلد يئنون بسلخ من موال - صرخة كانوا يأتنسون بكلمه أو حزنه تحت الشادوف منتظرين نداء الدعوة لحضور الفرح المنشود «رمان على السواجى.. رمانك الحلو اللى ما ينداجى». طال الشوق بنساء وبنات الناحية كيما يرقصن ويغنين لعروس بشرهم الحلم موكبها كما وعدهم الحناء. «وشفاه» الجدة قاومت الموت منتظرة الولد يعود فى أى من أطفال القرية ويقيم العرس، ويدعو الناس، قوياً، صلباً مرفوع الهامة مفرود الظهر، والذاكرون رفضوا إلقاء بيارقهم، رفضوا إحراق قصائدهم، رفضوا الخرس عن الإنشاد. يااااه لو رسم الراقى حرف اسمها على جبين مصاب جُن، أو أبرأه الرسم. .. وهذا صوت الحلم.. الشمردل ينتفض لتحقيق الحلم، البسطاء أصحاب الكنز الذين لن يفتح الكنز إلا لهم حسب الليالى الألف مثل جودر الصياد يخوض الأخطار ينتفض الشمردل، تقوم قيامته فى جنازة بشير الانتهازى الظالم، ينتفض عود الرمان فى جسد الشمردل، عود الرمان الذى يرفض الانحناء. مصادفة يعثر البسطاء على البطل - كما فى الليالى الألف - فبدونه لن يفتح الكنز.. كنز أهالى البتانون والفردوس المنتظر وتكون المصادفة فى «كاميليا والرمان» هى جنازة بشير حيث يمسك الشمردل بالميكروفون ويكشف حقيقة من اغتصبوا حلمه وحبه وطموحه وتفوقه العلمى.. يكشف أولئك الذين سرقوا كنوزه أمام الناس، وكما حصل جودر الصياد فى الليالى الألف على دائرة الفلك والمكحلة والسيف وخاتم الشمردل السحرى الذى يتحقق به كل حلم، يحصل الشمردل فى «الكاميليا والرمان» على مكحلة وخلخال «بدرناس» أمه.. يشعر بأنفاسها على خده وصوتها الحنون يهمس: «ضحكت لك سنبلة ياولدى». وفى الموعد سيتقاطر الرجال إلى عرسه بجلابيب الجوخ والمقاريط والشماريخ، وتصدح كل المزامير والربابات وتدق الطبول مخالطة غناء النسوة والبنات الصاخب، وهتاف الذكر المنادى - من أعماق القلوب - المدد. هكذا يولد من جديد فتى «معجبة»، ينتفض عود الرمان ليسمعنا الراوى بهجة البسطاء وتحقق حلم الشمردل الذى فتح له باب الكنز.. باب الحكمة أو فضيلة عدم الانكسار فنسمع همس حفيف أوراق الشجر كما سمعها الشمردل، تؤكد - فى خاتمة الرواية على لسان الراوى - أن الليالى حبالى وستلد عما قريب أطفالاً مفرحين، أطهارا كالحليب، عباقرة، مفرودى الظهور، عيدانا من الرمان، مرشوقة كالحراب فى كل أرض البلد تأبى الانحناء.