القاهرة: صدر حديثاً عن الدار المصرية اللبنانية مجموعة قصصية جديدة للكاتب أحمد حمدان بعنوان "الهجرة" تحتوي على ست قصص، وتقع في 104 صفحات من القطع المتوسط ، وقد حملت القصص عناوين: "الهجرة ، الوقف ، الضبع العجوز ، شاطر ومشطور ، السيل ، والقصب الأخضر . حيث تكتسب الهجرة معنى دلاليًّا متعدِّد الأبعاد والزوايا والرؤى". القصص جميعها مكتوبة بلغة دقيقة ، تقترب من الحس التراثي ، شديد البراعة والإتقان ، حتى أن مقاطع كاملة من هذه القصص تقترب من قصيدة النثر ، ومن الشعر الخالص ، والكاتب على دراية كاملة بدقائق اللغة ، فكل قصة من القصص الست جميعًا ، يسبقها مقطع شعري تراثي. نقرا في القصة الأولى أبيات "أبي صخر الهذلي": وإني لتعروني لذكراك هزة .. كما انتفض العصفور بلله القطر . هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى ... وزرتك حتى قيل ليس له صبر . عجبت لسعي الدهر ... إلخ . وكذلك يحضر أبو العلاء المعري ، ومسكين الدّارمي ، والفرزدق ، وابن الرومي ، والعباس بن الأحنف ، لتصبح اللغة في هذه المجموعة بطلًا من أبطال العمل ، تشوبها السخرية المتقنة حينًا ، والإغراق في التراثية حينًا آخر. أما القصة التي تحمل المجموعة اسمها "الهجرة" تدل على هجرة مكانية روحية ، حيث يذهب البطل إلى بلده في الصعيد لمدة يوم واحد في بداية شهر رمضان للإفطار فقط بين أهله ومحبيه وجيرانه ، لكن الرحلة الروحية تتحول إلى قطعة من البؤس والشقاء والمعاناة ،"تحمل ذاكرة طفولتي أحلامًا كثيرة أتوه فيها عن أبي وأمي ، أو توشك أن تصدمني سيارة يقودها مجنون ، أو يهاجمني كلب صوته يخلع القلب"، إنها هواجس السفر بالنسبة للصعيدي ، والكاتب هنا لم يتكلم أو يكتب عن إهمال الحكومة لخطوط السكك الحديدية باتجاه الصعيد ، لكن قصته وضعتنا في قلب معاناة أهل الجنوب مع القطارات، تعتمد القصة على خلق الجو النفسي المناسب، ويحتل الوصف فيها مساحة كبيرة ، بما يقتضيه واقع الرحلة بين مجموعات من البشر مختلفي المشارب والوجوه . يقول الكاتب في إحدى قصصه: "أخرج عدد لا يستهان به من العساكر مصاحف وأناجيل ، وانطلقوا في ابتهالات خاشعة ، اندفعت يس والواقعة ، وأبانا الذي في السموات ، مسترحمة متوسلة راجية ألَّا تكون هذه نهايتهم .. داعية ألَّا تدهمهم رصاصات قيل إنها لا تخطئ هدفها".