الهجرة مجموعة قصصية للكاتب أحمد حمدان، صدرت عن »الدار المصرية اللبنانية« تحتوي علي ست قصص، حملت القصص عناوين: الهجرة، الوقف، الضبع العجوز، شاطر ومشطور، السيل، والقصب الأخضر. حيث تكتسب الهجرة معني دلاليًّا متعدِّد الأبعاد والزوايا والرؤي. القصص جميعها مكتوبة بلغة دقيقة، تقترب من الحس التراثي، شديد البراعة والإتقان، حتي أن مقاطع كاملة من هذه القصص تقترب من قصيدة النثر، ومن الشعر الخالص، والكاتب علي دراية كاملة بدقائق اللغة، فكل قصة من القصص الست جميعًا، يسبقها مقطع شعري تراثي، ففي القصة الأولي نقرأ أبيات »أبي صخر الهذلي«: وإني لتعروني لذكراك هزة.. كما انتفض العصفور بلله القطر. هجرتك حتي قيل لا يعرف الهوي... وزرتك حتي قيل ليس له صبر. عجبت لسعي الدهر.... وكذلك يحضر أبو العلاء المعري، ومسكين الدّارمي، والفرزدق، وابن الرومي، والعباس بن الأحنف، لتصبح اللغة في هذه المجموعة بطلًا من أبطال العمل، تشوبها السخرية المتقنة حينًا، والإغراق في التراثية حينًا آخر، والقصة التي تحمل المجموعة اسمها »الهجرة« تدل علي هجرة مكانية روحية، حيث يذهب البطل إلي بلده في الصعيد لمدة يوم واحد في بداية شهر رمضان للإفطار فقط بين أهله ومحبيه وجيرانه، لكن الرحلة الروحية تتحول إلي قطعة من البؤس والشقاء والمعاناة، »تحمل ذاكرة طفولتي أحلامًا كثيرة أتوه فيها عن أبي وأمي، أو توشك أن تصدمني سيارة يقودها مجنون، أو يهاجمني كلب صوته يخلع القلب إنها هواجس السفر بالنسبة للصعيدي«، والكاتب هنا لم يتكلم أو يكتب عن إهمال الحكومة لخطوط السكك الحديدية باتجاه الصعيد، لكن قصته وضعتنا في قلب معاناة أهل الجنوب مع القطارات، تعتمد القصة علي خلق الجو النفسي المناسب، ويحتل الوصف فيها مساحة كبيرة، بما يقتضيه واقع الرحلة بين مجموعات من البشر مختلفي المشارب والوجوه. الوصف البصري والنفسي من أهم ملامح هذه المجموعة المتميزة، حتي أن بعضها يقترب من الموسيقي : موسيقي اللغة والجو العام، فبرغم فظاظة العالم، فإن تناوله تم بطريقة ناعمة، متمكنة من أدواتها، مستفيدة من خبرات كثيرة، ليس اللغة وحدها، وإنما القدرة علي الإمساك بالجو العام للحظة، وللمشاعر المتقلبة والمتبدلة بين لحظة وأخري، وموقفٍ وآخر.