القاهرة: صدر مؤخرا عن دار الشروق رواية "صالح هيصا" للروائي خيري شلبي الذي يأخذنا في هذه الرواية في رحلة ممتعة إلى عالم المثقفين وقاع مدينة القاهرة والصعاليك وغُرز الحشيش، ليتحول صالح هيصة إلى شاهد على العصر بأحلامه الكبرى وانتصاراته وانكساراته. يقول صالح هيصة بطل الرواية: "ربنا خلق الدنيا هيصة! وخلق فيها بني آدم هيصة! كل واحد في هيصة!.. بيعمل هيصة! عشان يلحق الهيصة، ويا يلحق يا ما يلحقش!.. وكلهم كحيانين!.. بس كل واحد كحيان بطريقة!.. وأنا ملك الكحيانين!.. عشان كحيان بكل الطرق". من الرواية نقرأ: فعلا يا سيادة اللوا أنا حصل لي خلل في مخي إنت شارب حاجة يا ولد شارب من كيعاني يا سيادة اللوا ! و كمان حضرتك بتقول لي يا ولد ! يعني قتلتني إنت باين عليك بلطجي مش لاقي اللي يحكمك بالعكس يا سيادة اللوا، دي مصيبتي في الحياة إن اللي بيحكموني مالهمش عدد!! منين ما أمشي ألاقي اللي عاوز يحكمني !! كل خطوة فيها اتنين تلاتة لازم يدوني الأوامر، لازم آخد توقيعاتهم! لازم أضرب لهم تعظيم سلام! لازم أستأذنهم عشان أدخل محل الأدب، عشان أكل، عشان أشرب، عشان أنام!! زهقت يا مسلمين طهقت قلت ما ينفعش الكلام ده لازم أنا اللي أحكم نفسي بنفسي فيها حاجة دي ؟ مش عاوز أبقي خاضع لحد، حقي و لا مش حقي؟ وظيفة مش عاوز أتوظف أنا حر! لعب مش عاوز ألعب حد شريكي ؟ صار اللواء يتلفت حواليه كالموتور : بقي دي عقلية واحد مرشح لبطولة دولية كبيرة ؟! دي أخلاق واحد معلقين عليه الأمل ؟ كان مبني ماسبيرو يقترب علي اليسار، و مبني هيلتون النيل علي اليمين فيما نحن مقبلين فوق الكوبري علي ميدان عبد المنعم رياض حينما فوجئت بهيصة كبيرة علي إفريز الكوبري: جمع كبير من الرجال و السيدات و الأطفال، تمهلنا لنري إن كانت حادثة قد وقعت لإحدي هذه السيارات الراكنة علي اليمين، فإذا بي أفاجأ بصالح هيصة شخصيا، واقفا بلحمه و شحمه، بسحنته الخلاسية و شعره الأبيض كطاقية من الثلج المندوف، وقامته الفارعة، تحت كشافات و أضواء مبهرة. نزلت من التاكسي، جريت إلى صالح هيصة بشوق عارم عرامة القهر والمزلة طوال السنين الفائتة، كنا لانزال مكسورين من تدمير أمريكا لدولة العراق الشقيق بعد إجلائه قسراً عن الكويت حيث اضمحلت آخر شمعة كانت في يد جيلنا: القومية العربية. كنت في متاهة الشعور بالضياع التام في حاجة فعلية إلي صالح هيصة لعله يفلسف لي - بمنطقه البدائي الحكيم - أحزاني الكثيرة التي من فرط تراكمها أصبحت أجهل أسبابها. تدافعت بين الزحام أريد الإرتماء علي صدر صالح هيصة. أوقفتني أيد كثيرة في اللحظة التي داهمتني فيها الأهوال، حيث تبينت عن قرب أن صالح هيصة الواقف أمامي هو الممثل زكي حامد يصور لقطة في أحد أفلامه حيث يقف مستنداً علي السور الحديدي للكوبري ناظراً بأسف وحسرة في ميدان الشهيد عبد المنعم رياض الذي راح يعج بسيارات لا حصر لها و زئيط جنوني وسحب من الدخان الأسود . وراح صوته، نفس الصوت الحميم بكل نبراته الحبيبة، ينساب بلهجة فجائعية تحذيرية كلهجة العراف تيريزياس في المآسي الإغريقية: ربنا خلق الدنيا هيصة ! كل واحد في هيصة ! بيعمل هيصة ! عشان يلحق الهيصة ! و يا يلحق يا ميلحقش ! و كلهم كحيانين ! كل واحد كحيان بطريقته ! وأنا زعيم الكحيانين! عشان كحيان بكل الطرق. في الحال انطفأت جميع الأضواء فغرقت المدينة في ظلام دامس . صرنا نتخبط كجثث تتقلب في قبر أضيق من حمام الحاج جمال فرحان.