محملاً إياها مسئولية تردي الثقافة العربية كاتب يفتح النار على مدارس " الحداثة والتنوير" محيط - خاص غلاف الكتاب المثير للجدل في أحدث وأهم مؤلفاته الذي يحمل عنوان: "الصفحات السود لمدرسة التغريب والحداثة والتنوير" والصادر عن مكتبة " مدبولي الصغير " بالقاهرة ، يفتح الكاتب "محمد عبد الشافي القوصي" ما أطلق عليه أسود ملفات الحداثيين الأعراب، متناولا فضائح وقعها تغريبيين وحداثيين وعلمانيين طوال القرن العشرين . ومن الأسماء العربية التي يوردها المؤلف بكتابه من الأقلام الحداثية: أنطون فرح، سلامة موسى، لطفي السيد، طه حسين، لويس عوض، وأدونيس، ويوسف الخال، وصلاح عبد الصبور، والبياتي، والسياب، وصلاح فضل وجابر عصفور وعبدالمعطي حجازي. ويقول المؤلف بمقدمة الكتاب : المتأمل في المشهد الثقافي في العالم العربي، لا يكاد يملك نفسه من فرط الحسرة التي تنتابهُ لما آلتْ إليه منظومة الثقافة العربية على أيدي المتغربين ، ومن ثم أصبح الأدب لوناً من ألوان المطاردة العنيفة لكل ما هو جاد وأصيل، حتى وجد المخلصون أنفسهم محصورين في زوايا ضيقة، ومرغمين على الاستسلام والصمت، وخلا الميدان إلا من العازفين على أوتار القيثارة الرسمية. المجتمع المغرب يصف المؤلف المجتمع العربي المغرب بأنه ذلك الذي صار خليطاً من الثقافات والفلسفات الوضعية ؛ فهو مجتمع تزدحم طرقاته بأفخر وأحدث السيارات المستوردة، دور عرض الأفلام المستوردة، ويرتدي أهله أحدث الموضات الغربية، ويثرثر مثقفوه في قاعات مكيفة عن مشاكل المجتمع الغربي وآلامه .. ويملأون صفحات من ورق مستورد، حول قضايا الوجودية، والحداثة والبنيوية، وخطوط الموضة، ومسرح اللامعقول، وتطور حركة التهبيز ، على بعد خطوات من كهوف مواطنيهم حيث البلهارسيا والكوليرا والتراخوما، وكل تراكمات التخلف منذ القرن السابع عشر! يرى المؤلف أن هناك عمالة ثقافية نجح الغرب في صناعتها ، فيما فشل في تحقيقه عن طريق الحروب والمواجهات العسكرية عبر مئات السنين، وذلك بفضل الطابور الخامس الذين صار ولاؤهم للغرب لا حدود له ، فظهر من يطالب بإزاحة اللغة العربية من الوجود طلباً للنهضة التي ينشدها، وآخر يدعو للتخلص من تراثنا لتحقيق الحداثة والتنوير، وهناك من يتجرأ على المقدسات من أجل تحقيق عالمية الأدب. الحرب على لغة القرآن يوضح القوصي أن أوروبا أدركت منذ الحروب الصليبية، قوة الإسلام حضارة وتاريخاً وفكراً وثقافة، ولكي تقضي عليه لجأت لمحاربة الفصحى وإحلال العاميات واللهجات المحلية مكانها، لا من حيث كونها لغة ولكن لأنها توحد بين العرب ، كما سعوا للتمرد على الأصالة والتراث بما أسموه بالحداثة وغيرها، واختراق الوسط الثقافي والفني وهدم القيم الصحيحة. أما عن حصاد التبعية والتغريب فيرى المؤلف أن الحياة الثقافية والفكرية العربية تأثرت بالكتابات الحداثية ، ففسد المناخ الأدبي في بلدان العالم العربي، وشوهت الحياة الفكرية وغابت رؤاها. ووفق الكتاب فقد توزع قسم من أدبنا خلف الأيديولوجيات الكثيرة المختلفة ووجدت الماركسية قبل سقوطها أدباء يجسدون أفكارها، ويدعون من خلال أعمالهم الأدبية إلى الالتحاق بها. ووجدت الكتلة الغربية أبواقاً تدعو بقوة إلى اعتناق حضارتها وتقليد فنونها وآدابها، بل إن النصرانية دخلت لثقافة مجتمع مسلم ، وقد خلف هذا التيار وذاك آثاراً كبيرة في الأدب المعاصر في مقدمتها الرموز النصرانية المتفشية في الشعر الحديث، وقصص الإنجيل التي أصبحت مادة أساسية لعدد من الشعراء والقصاصين. ومما يزيد الطين بِلة، ظهور أعمال أدبية تعبث بالقيم الإسلامية، كما ظهر في الأدب العربي الحديث اتجاه نحو العبث بالمفاهيم الدينية العليا، والاستخفاف بمقام الألوهية! يرى المؤلف أن ما تقدم كان سببا بسوء حالة الأدب العربي ، ويعترض على تحول القصيدة العربية لقصيدة النثر أو الشعر الحر ، وينتقد تفشي التصورات المقتبسة من الآداب الغربية في عالم القصة العربية تلك التي لا تمثل النفس العربية ، ففيها مثلا نجد الانحرافات الأخلاقية ينظر لها على أنها علاقات طبيعية بالمجتمع . الهجمة على الشعر العربي ويتساءل المؤلف : ما هي الخطورة التي ترتبت على الدعوة إلى تجديد الشعر في العصر الحديث؟ فيقول: لأن التجديد عندهم كانت فحواه التخلص من الموسيقى، هذا الباب الذي دخل منه شعراء الحداثة بدعوى أن "القصيدة العمودية" تحجر على الشاعر آفاق الرؤية. أما عن أغراض الشعر الحداثي فيقول المؤلف القوصي أنها وصلت بنا للعبث بمقام الألوهية، أو تتطاول عليها بتصوير القدر على أنه ظلم محض مثلا ، يعاند الرغبات البشرية المشروعة، تمشياً مع التصور الإغريقي الوثني للآلهة التي قد ينتصر عليها الإنسان بالذكاء والمغامرات والمجازفات! ومن أغراض شعرهم الجديد، رأينا أشعاراً أخرى ترفض بشدة مفهومات الشريعة الإسلامية، والسخرية من الوحي، والاستهزاء بالأنبياء، وقلب الرموز الإسلامية، وتشويه دلالتها، فضلاً عن إشاعة الرموز اليونانية والوثنية مثل: سيزيف، بروميثيوس، أوديب، عيون ميدروزا، بركان فيزوف، أفروديت، أبوللو، فاوست، زيوس، بنلوب، جوكست، أورفيوس، تموز، أدونيس، جلجامش، عشتار، طائر الفينيق، كذلك مفردات العقيدة النصرانية وطقوسها مثل الخطيئة، والصلب، والفداء، والأقانيم، والكنيسة، وغيرها مما غصت به كتابات الحداثيين... حتى غدت هذه الرموز نمطاً متكرراً مملاً، ينقلها شاعر عن آخر نقلاً ببغاوياً ممسوخاً. فمثلا رمز "المسيح" ورد في ديوان "أنشودة المطر" للسياب حوالي أربع وعشرين مرة، وفي حالة استلهام الحداثيين للتراث العربي، يقدموه بشكل مشوّه، ويختاروا منه النماذج الشاذة ، أو التي احتاطت الأمة بحذر شديد من أفكارها وآرائها، كالحلاج، والسهروردي، ومهيار الديلمي، وأبي نواس، وبشار.. وغيرها. وختاما .. يعرض المؤلف ما جاء بكتاب "الحرب الباردة الثقافية" للباحثة الأمريكية فرانسيز ستونر سوندرز فيقول: أن هناك مؤامرات للCIA أو المخابرات المركزية الأمريكية والدور الذي لعبته في عالم الفنون والآداب بتمويلها لأنشطة ثقافية ومهرجانات فنية وموسيقية وإنشاء مجلات أدبية واتحادات فنية وموسيقية وإنشاء مجلات أدبية وإقامة مكتبات عامة ومراكز ثقافية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوربا لمواجهة المد الشيوعي ونفوذه الفكري والثقافي وسط تجمعات المثقفين، وذلك بغية الترويج للنمط أو "النموذج الأمريكي" في الحياة والفكر والثقافة. وترى الكاتبة أن الحكومة الأمريكية اتجهت لتصويب ضرباتها لجبهة الثقافة بتقديم النموذج الرأسمالي الأمريكي ثقافياً، بأبعاده في الحرية الفردية والعمل على استزراعه في مختلف البيئات -وبمعنى آخر- وكما تقول "المؤلفة": "يد تقدّم الخبز ويد تقدّم ثقافة دولة الخبز" . ويعتبر –المؤلف- عموما أن قدرة الأدب العربي على الدخول فى مجال العالمية لا تكون بالتبعية للمذاهب الغربية، وإنما تكون بالتماسه مفهوم الإسلام ، خاصة أن الواقع الذي يعيشه المسلم يجعله أحوج من أي وقت مضى إلى الشخصية المتميزة في بنيانها الفكري والاقتصادي والفني والأدبي.