صدرت مؤخرا عن دار العالم الثالث بالقاهرة الترجمة العربية لكتاب "الصين والإشتراكية.. إصلاحات السوق والصراع الطبقي" تأليف مارتن هارت لاندزبرج وبول بيركيت وتحرير وترجمة عادل غنيم. يسرد المؤلفان فى المقدمة تاريخ التحولات السياسية الصينية بداية من الهزيمة فى حرب الأفيون عام 1840 – 1842 ومعاهدة الميناء التى اعقبتها والتى فرضت على الصين قيودا سياسية شديدة، وقد عانى الشعب الصينى من حكم امبراطورى استبدادي، ثم تم تقسيم البلاد الى مناطق نفوذ، خاضعة للسيطرة الأجنبية الى ان جاء ماوتسى تونج الذى نظم المقاومة الشعبية ضد السيطرة الاجنبية، واستغلال البلاد، وديكتاتورية الحاكم الصينى وقتها – شانج كاى شيك. وبالفعل انتصرت الثورة الصينية بقيادة ماوتسى تونج فى عام 1949، وبدأ الحزب الشيوعى الصينى يعلن عن مبادئه والتى تركزت فى وضع حد لمعاناة الشعب من خلال برنامج ديمقراطى يستند الى الفكر الاشتراكي. جاء الفصل الاول بعنوان "صعود الصين الى مرتبة النموذج" وفيه يؤكد المؤلفان ان كثيرا من المحللين ينظرون الى هذا البلد كنموذج للتنمية حيث اثبتت التجربة ان هناك مسارات بديلة قابلة للحياة فى اطار النظام الرأسمالى العالمى القائم، ويشير المؤلفان الى ان الصين حاليا يصل نصيبها فى التجارة العالمية الى 6.1% وتلى مباشرة الولاياتالمتحدة وألمانيا واليابان. اما التدفقات السنوية للاستثمار الاجنبى المباشر الى الصين فقد ارتفعت من بليون دولار امريكى فى 1985 الى مايزيد على 50 بليون دولار امريكى بحلول عام 2002. ويؤكد مؤلفا الكتاب أن انهيار الاتحاد السوفيتى واوروبا الشرقية وضع اليساريين فى العالم فى مأزق شديد، الا أن الحكومة الصينية استمرت فى اعلان التزامها بالبناء الاشتراكى وهو ما يختلف كل الاختلاف عن التحولات الايديولوجية والهيكلية، وللعجيب ان سياسات الإصلاح التدريجى احدثت نموا اقتصاديا سريعا متواصلاً. اما الفصل الثانى فجاء تحت عنوان "تحول الصين الاقتصادي" وفيه يشير المؤلفان الى ان الصين اتبعت تحت قيادة "ماو" استراتيجية لبناء الاشتراكية ركزت على الصناعات الثقيلة، والتخطيط الاقتصادى المركزي، وملكية الدولة لوسائل الانتاج وسيطرة الحزب على الحياة السياسية والثقافية. ويرى المؤلفان ان مبدأ الاشتراكية فى العمل لم يتحقق بالشكل اللائق، فلم يشارك العمال فى صنع القرار بالشكل الفعلي، بالاضافة الى ان دخل العامل ظل منخفضا نظراً لأنه لم تكن هناك لوائح تعطى للعامل حقه خاصة فى المناطق الريفية التى يغيب عنها العمل النقابي، اما عملية الاصلاح الثانية والتى جاءت فى الفترة مابين اعوام 1984 – 1991 فقد تم فيها تنفيذ مشاريع الخصخصة خاصة بعد زيادة التضخم الذى ارتفع بمعدل سنوى حوالى 8% فى عامى 1988 و1989 وحدث هناك عجز تجارى وعجز فى الموازنة، مما اضطر الحكومة فى عام 1991 الى تقليص قطاع الدولة بتطبيق نظام الخصخصة ولكن بشرط ان تظل للدولة اليد الطولى حتى تحافظ على الطابع الاشتراكى للتنمية وهذا ما ظهر بجلاء فى الاجتماع الثالث لمؤتمر الحزب الشيوعى عام 1993 الذى اكد على اهمية الاستمرار على فكرة "اقتصاد السوق الاشتراكي". ويؤكد المؤلفان فى نهاية الكتابات على أن التجربة الصينية تؤكد على انتقال الصين الشامل من اللامركزية الى الاستثمار المباشر والنمو الذى يقوده للتصدير، كان مدفوعاً بمجموعة من الضغوط الداخلية، إلا انه فى الحقيقة ان اشتراكية السوق هى تكوين ونمط غير مستقر يميل منطقه الداخلى الى تهميش الاشتراكية لصالح السوق، ولصالح العودة الكاملة للرأسمالية.