تتمتع المنظمات الدولية بقدرة خارقة لتخليد نفسها حتى عندما تفقد مبررات وجودها. هذه الظاهرة قد تفسر البقاء المستدام لحركة دول عدم الانحياز. تأسست حركة عدم الانحياز خلال الحرب الباردة بدعوى تأسيس هيئة تضع نفسها في مكان ما بين دول الغرب والكتلة الشيوعية. حافظت حركة عدم الانحياز على بقائهافي المواجهة التي جرت بين الشرق والغرب وأصبحت بمثابة مظلة انضمت تحت ظلها دول ناشئة كالهند مع دول ديمقراطية كالفلبين وأنظمة استبدادية مثل كوريا الشمالية. ثم امتدت هذه الشراكات التي تبدو متناقضة حسب الظاهر إلى دول في أمريكا اللاتينية لتضم كوبا الدكتاتورية إلى جانب دول ديمقراطية كدولة بيرو أو كولومبيا. لقد ضمن هذه التنوع مشاركة واسعة في حركة عدم الانحياز حتى وصل عدد الدول المشاركة إلى 120 دولة، لكن هذه المشاركة أكدت على عدم الترابط فيما بين هذه الدول وذلك لأن هذه الدول الأعضاء المتباينة في الحركة لا يمكنها أن تتوصل إلى إجماع حول أي قضية، بل مجرد عموميات لا تؤثر على الساحة العالمية. على الرغم من ذلك، تثير القمة المقبلة لدول عدم الانحياز اهتماماً بارزاً. هذا ليس بسب اكتساب حركة عدم الانحياز ترابطاً داخلياً أو لأن المواضيع أقل تجرداً (خصوصاً وأن الموضوع الرئيسي للقمة يتمحور حول "السلام الدائم من خلال الحوكمة العالمية المشتركة"). تكمن حقيقة أهمية القمة في أنها ستعقد في طهران. في واقع الأمر، ربما تحقق القمة انتصاراً للنظام الإيراني الذي أصبح منبوذاً نتيجة مساندته المنظمة للإرهاب وسعيه المتواصل غير المشروع لامتلاك أسلحة نووية. ومما لا شك فيه أن رجال الدين سعداء بأن تقوم طهران باستضافة وفود من عشرات الدول وعدة رؤساء دول على الرغم من أنشطتها غير المشروعة والعزلة الدولية التي تعيشها. لفهم كيفية ما حدث، لا بد من مراجعة التحول السياسي المتطور لحركة عدم الانحياز والأدوار الرئيسية التي تلعبها فنزويلا وشركاؤها في التحالف البوليفاري للأمريكتين (البا). بعيداً عن التنوع المشار إليه آنفاً، شددت الحركة تدريجياً على نهجها المعادي لأمريكا ودول الغرب. في هذه الإيديولوجية، اختار المستبدون من كافة الأطياف حركة دول عدم الانحياز كمنتدى للجلوس في الوسط مع بقية المجتمع الدولي والظهور بمظهر محترم. قمة طهران هي بمثابة خطوة أخرى في هذا الاتجاه. الأمر لم يتوقف فقط على الاجتماع الذي سيعقد في العاصمة الإيرانية الخاضعة لعقوبات دولية، بل تعدى ذلك عندما قامت الجمهورية الإسلامية بإرسال دعوات إلى الرئيس بشار الأسد ورئيس زيمبابوي روبرت موغابي ورئيس كوريا الشماليةكيم جونغ أون، وبالطبع الرئيس الكوبي راول كاسترو. إلى حد ما، يمكن القول إن تحول حركة عدم الانحياز إلى ملاذ للحكام المستبدين جاء نتيجة لاستيلاء تحالف من الحكومات في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية على المنظمة وتوحدها تحت أجندة سياسية راديكالية. تقف في مقدمة هذا التحالف إيران وسوريا في الشرق الأوسط، وتأتي فنزويلاً وبوليفيا والإكوادور ونيكاراغوا في الصف الثاني من هذا التحالف في أمريكا اللاتينية. يعتبر الرئيس محمود أحمدي نجاد ونظيره الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز المهندسين الذين قاما بإنشاء هذا التحالف. لهذا فإن رئاسة إيران لقمة دول عدم الانحياز حتى عام 2015 كما هو متوقع في قمة طهران ومن ثم فنزويلا في السنوات الثلاث التالية لم يأت بالصدفة، وبالتالي لم يكن غريباً أن تتسلم كوبا ونيكاراغوا والإكوادور وفنزويلا (وجميعها دول أعضاء في التحالف البوليفاري للأمريكتين) مناصب نائب الرئيس في الاجتماع التنسيقي لدول حركة عدم الانحياز الذي عقد في شهر أيار/ مايو في شرم الشيخ بمصر استعداداً لقمة طهران. الحقيقة هي أن هذا التحالف بين الحكومات الثورية في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية يحمل معنى أكبر عندما يفكر المرء أن كتلتي التحالف معاً تتفقان على ضرورة مراجعة القضايا الدولية الرئيسية. الكتلتان مناهضتان لأمريكا وتسعيان لتقليص نفوذ واشنطن في منطقتيهما. علاوة على ذلك، تتشارك الكتلتان من طهران إلى لاباز برؤية حول السيطرة المطلقة وتتفقان على عدم أحقية أي كيان، بالإضافة إلى الأممالمتحدة، في التدخل بالشئون الداخلية، سواء كان ذلك يتعلق بتقييد حرية التعبير في الإكوادور أو سحق المعارضة بالوسائل العسكرية في سوريا. كما أن الكتلتين متوحدتان في كراهيتهما للديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق، وأخيراً تتشارك الكتلتان في الهدف الذي يسعى إلى تغيير القوة الدولية، وهما في ذلك ينويان زيادة قواهما العسكرية وتطوير أسلحة نووية تبعاً لذلك. لقد بدأ التعاون بين دول هذا التحالف يتحول من نهج مجرد إلى عمل إستراتيجي. في تحدٍّ تام للعقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية، تقوم كل من طهران وكاراكاس بتطوير برنامج للتعاون العسكري طويل الأجل في مجالات حساسة، مثل تطوير الطائرات بدون طيار وتكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى. على صعيد مماثل، تمكن النظام المعزول في سوريا من الاعتماد على زيت الديزل الذي تزوده به حليفته فنزويلا ليتمكن من تحريك معداته العسكرية الثقيلة التي تقتل شعبه. أخيراً، تعهد التحالف البوليفاري للأمريكتين بالتعاون مع شركائه في الشرق الأوسط بتحويل قمة طهران المقبلة إلى منصة انطلاق لكسب قوة دافعة ضد العقوبات التي يفرضها المجتمع الدولي على إيران في محاولة لوقف مشروعها النووي غير المشروع. الإستراتيجية بسيطة: كيف يمكن للأمم المتحدة أن تطالب بالامتثال للإجراءات المفروضة ضد طهران بعد أن قامت عدة دول أعضاء فيها بزيارة رجال الدين من أجل قمة دول عد الانحياز؟ في هذه الحالة، ليس غريباً أن ترسل الدول الأعضاء في تعهد التحالف البوليفاري للأمريكتين مسئولين رفيعي المستوى إلى العاصمة الإيرانيةطهران. وفي الواقع، أكد كل من رئيس نيكاراغوا دانييل أورتيغا ووزير خارجية فنزويلا نيكولاس مادورعلى المشاركة في القمة، ومن المتوقع أن تقوم دول الإكوادور وبوليفيا وكوبا بإرسال ممثلين رفيعي المستوى لحضور القمة. السؤال الذي يطرح نفسه هو إن كانت بعض الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز ستحضر القمة أم لا. في الوقت الحالي، يبدو أن الدول التي تدخل في نزاع ساخن مع الجمهورية الإسلامية، مثل دول الخليج الفارسي، لن تحضر القمة. علاوة على ذلك، هناك بعض الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز في أمريكا اللاتينية، مثل بيرو أو كولومبيا، ودول أخرى تتمتع بصفة مراقب، مثل البرازيل والمكسيك والأرجنتين، ينبغي عليها أن تنظر في عدم الذهاب إلى طهران لحضور هذه القمة. إن هذا القرار بعدم حضور القمة ربما يحطم قمة رجال الدين ويمنع القمة من أن تكون دمية في أيدي أحمدي نجاد وشافيز، والعكس يجعل حركة الانحياز تخاطر في أن تصبح ملتقى عادي جداً. رومان د. أورتيس، مدير "النقطة الحاسمة"، وهي شركة استشارية متخصصة في الأمن والدفاع، ويحمل لقب بروفيسور في الاقتصاد من جامعة لوس أنديز في بوجوتا - كولومبيا.