صدرت مؤخرًا عن المركز القومي للترجمة بالتعاون مع دار آفاق للنشروالتوزيع ، الطبعة العربية من كتاب " ألبير كامي " وهو من تأليف " ديفيد شيرمان" وترجمة " عزة مازن" ، وذلك في إطار سلسلة عقول عظيمة. يعرض الكتاب لكامي " 1913-1960 "، فيلسوف " العبث"، وأحد أعمدة الوجودية الفرنسية، في فترة ما بعد الحرب الثانية. " كامي " بحسب مقدمة المؤلف " إن لم يكن مفكرًا يمثل الضمير الأخلاقي لجيله من وجوه شتى ، فمن يكون؟ " وإنه فيلسوف في بعض جوانبه، وإن كان بالطبع ليس بالمعنى الاحترافي، وهو وجودي على طريقته، وهو فوق كل ذلك مفكر دون قيد أو شرط، وهو اليساري من أولئك الملتزمين، غير النادمين على آرائهم المناهضة للنظم الشمولية. كان كامي يعمل على هوامش الفلسفة ، محاولًا تأهيل رغبات البشر من دم ولحم. لذلك فأعظم أعماله هي رواياته " الغريب " و" الطاعون" وغيرها، لكن "كامي "، نفسه، لم يكن يعترف بوجود تباينات ثابتة جامدة بين الفلسفة والأدب الجيد، فيرى أن " الروائيين العظماء فلاسفة عظماء "، وأن " الرواية فلسفة تمت صياغتها في صور خيالية. وفي الرواية الجيدة تختفي الفلسفة في ثنايا الصور الخيالية. ولكن ما إن تنسكب الفلسفة متدفقة من الشخصيات والأحداث حتى تبرز ناتئة مثل السبابة الملتهبة، وتفقد الحبكة مصداقيتها والرواية حياتها " . يفند المؤلف في مقدمة الكتاب إدعاء " كامي" بأنه ليس وجوديًا ، وهو الذي كان في قلب الحركة الوجودية الفرنسية ، ويرى فيه إدعاءً غريبًا. ففي منتصف الأربعينات من القرن الماضي، وفي حوار صحفي أجري معه، هاجم " كامي " فلاسفة الوجودية، فقد كان في ذاك الوقت ينظر للوجودية هلى أنها مرادفة، بوجه من الوجوه، لبديلها الديني ، الذي كان يرفضه رفضًا باتًا. لا يمنع هجوم "كامي" على الشيوعية السوفييتية، وحركة التحرر القومية الجزائرية زعمه أنه يساري، ولكنه يعكس بشدة كيف تتشابك الجزئيات التاريخية ومالشخصية العارضة، وتدخلها على المواقف التي يتبناها الفرد. فقد اتخذ موقفه بعد ما اكتشفه عن عهد ستالين ، فأصبح ينظ إلى" الشيوعية السوفييتية" على أنها تزيد قليلًا على " رأسمالية الدولة" ، في حين يأتي موقفه من حركة التحرر القومية الجزائرية قاسيًا ، بشكل يصعب معه التماشي مع إعلانه تبنيه الموقف اليساري، بيد أنه في الواقع لم يحجم أبدًا عن مهاجمة ممارسات الجور الفاحشة للحكم الاستعماري الفرنسي، حتى لو كان يعتقد اعتقادًا مطلقًا في ضرورة أن تظل الجزائر مرتبطة بفرنسا. خلاصة القول إن "كامي " المولود في قرية موندوفي / قسنطينةبالجزائر، في العام 1913، كان واحدًا من رواد الفكر في عصره، روائي وجودي رفض التخلي عما اكتسبه ليعبر عن رؤية أخلاقية سامية، في عصور ارتفعت فيها الاستقطابات السياسية، وهو نموذج يحتذى للعديد من المفكرين الذي يأبون تزييف تجاربهم الأخلاقية باسم ما هو " أسمى". مؤلف الكتاب ديفيد شيرمان، هو أستاذ الفلسفة بجامعة مونتانا، ميسولا، وهو صاحب كتاب " سارتر وأدورنو: جدل الذاتية" 2007، كما شارك في تحرير كتاب " مرشد بلاك ويل للفلسفة الأوربية"2003 ، وهي السلسلة التي أنتجت هذا الكتاب. أما المترجمة، عزة مازن من مواليد القاهرة، ولها العديد من الترجمات، من بينها مشاركتها في ترجمة " موسوعة كمبريدج في النقد الأدبي" و كتاب " مفاوضات مع الموتى : تأملات حول الكتابة" للكاتبة الكندية مارجريت أوتود، التي ترجمت لها أيضًا كتاب " القاتل الأعمى".