من المحير حقا أن نجد من كان يحارب العدو الصهيونى ، ويحمل رأسه على كفه فى الحروب المتتالية التى خضناها مع هذا العدو ، يصبح ، بعد سنوات معدودة من المصالحة الفردية التى قادها السادات مع الصهاينة فى كامب ديفيد ، وليا حميما ، وصديقا قويا ، وشريكا اقتصاديا لهؤلاء الصهاينة ، يبنى ثروته ، وشهرته ، من التعاون معهم ، مستبدلا الأوسمة والنياشين التى حصل عليها من حربه مع الإسرائيليين ، بأرقام توضع فى حساباته البنكية ، ربما لا يجد العمر الكافى لإنفاقها ، والتمتع بها .. ولعل هذه الحيرة هى من تجعل من يدافعون عن حسين سالم ( الطيار الحربي، ورجل المخابرات السابق ) وعن تعاونه مع إسرائيل ، يؤكدون أن الرجل يفعل ذلك فى إطار منظومة الأمن القومى المصرى ، فلا يمكن لواحد من أبناء مؤسسة الأمن القومى ، مثله ، أن يقوم بهذا التعاون مع العدو ، دون أن يكون ذلك فى إطار دور مرسوم يؤديه لخدمة الوطن .. كلام جميل ، ومنمق ، ولكن يبقى السؤال المشروع : اعتدنا ممن يقومون بخدمة الوطن وأمنه القومى ، أن يفعلوا ذلك متطوعين ، أو بمقابل مادى معقول ، لا أن يحصلوا على الملايين والمليارات ، وهذا يجعل من حقنا أن نطالب حسين سالم ، إن كان يؤدى دورا وطنيا حقا ، أن يرد ثروته الطائلة التى جناها من تصدير الغاز وغيره لخزينة الدولة ، بعد أن يأخذ نسبة عادلة تكافيء ما أداه لوطنه ، فهل يفعلها الرجل ويبرهن على وطنيته ، ويبريء ساحته من التعاون مع أعداء الأمة والاستفادة منهم اقتصاديا ؟.. ليته يفعل .. بهذه المقدمة نكون قد بدأنا الموضوع من نهايته ، وأثرنا فى نفوس من لا يعرفون الرجل أسئلة من قبيل : من هو حسين سالم ، وما علاقته بإسرائيل ، وما الدور الذى يدعى القيام به ؟ دعونا نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة فى ضوء المتاح من المعلومات ، وإن كان واثقين أن ما خفى كان أعظم . صديق حميم للرئيس ولد حسين سالم فى العام نفسه الذى ولد فيه الرئيس مبارك (1928) ، وعمل فى سلاح الطيران المصرى ، ثم التحق بالمخابرات الحربية قبل حرب 1967 ، وهو العام الذى تعرف فيه على الضابط حسنى مبارك ، ولعل التقارب فى العمر ، وفى دفعة التخرج ، وعمل حسين سالم فى سلاح الطيران بعد تخرجه ، ثم فى المخابرات ، كانا من أسباب الصداقة القوية التى جمعت بين الرجلين ، واستمرت حتى اليوم . لا يُعرف على وجه الدقة تاريخ اقتحام حسين سالم لعالم البيزنس ، فالرجل من طبيعته العزوف عن الأضواء ، ولعله اكتسب تلك الطبيعة من عمله بالمخابرات ، وإن كان معروفا أنه التحق بشركة النصر للتصدير والاستيراد ، وهى الشركة التى كانت مكلفة بتوطيد العلاقات التجارية والسياسية فى إفريقيا ، وفى منتصف الثمانينات ، وتحديدا سنة 1986 ، كانت بداية تردد اسم (حسين سالم) فى الحياة العامة ، بطلب إحاطة قدمه النائب البرلمانى (علوى حافظ) عن الفساد فى مصر ، وذكر فيه اسم (حسين سالم ) كواحد من أربعة عسكريين مصريين ، ساهموا فى تأسيس شركة تعمل من فرنسا لتوريد السلاح لمصر ، وقد استند النائب فى طلبه إلى المعلومات التى وردت بذلك فى كتاب (الحجاب) ، الذى أصدره الصحفى الأمريكى الشهير (بوب وودورد) مفجر فضيحة ووتر جيت التى أطاحت بالرئيس الأمريكى (نيكسون). قبلها بسنوات أربع بدأ الرجل علاقته بمدينة شرم الشيخ ، فكان أول المستثمرين الذين توجهوا للمنطقة (1982) ، وبعلاقاته القوية أصبح ملك شرم الشيخ غير المتوج ، وأباها الروحى ، فمنطقة (خليج) نعمة وهى المنطقة السياحية الأهم فى شرم الشيخ تكاد تكون ملكا للرجل بأكملها ، بفنادقها ، ومقاهيها السياحية ، وبازاراتها ، ويأتى منتجع "موفنبيك جولى فيل" فى صدارة المنتجعات السياحية فى المنطقة ، ورغبة من الرجل فى إظهار امتنانه وصداقته للرئيس مبارك ، فقد بنى فى أطراف المنتجع قصرا أهداه لمبارك ، ليصبح المصيف البديل لقصر المنتزه ، وحين علم أن الرئيس قرر قضاء إجازة العيد فى المنتجع ، سارع الرجل ببناء مسجد السلام ، ليصلى فيه مبارك صلاة العيد ، وانتهى من البناء فى مدة قياسية ، لم تتجاوز الشهرين ، وبتكلفة بلغت مليونى جنيه ! بعد واقعة طلب الإحاطة التى أشرنا إليها ، لم يلبث اسم حسين سالم أن تردد فى قضايا أخرى ، منها قضايا تهرب من سداد قروض البنوك ، وأشهر تلك القضايا قضيته مع البنك الأهلى ، التى استطاع بنفوذه أن يسويها بعيدا عن القضاء ، وأن يجد لها حلا ربح من وراءه مبلغا ضخما ، فقد أخذ قرضا من أحد البنوك المصرية ، بضمان أسهمه فى إحدى شركات البترول العالمية ، ولأن سداد القروض البنكية عادة غير مستحبة لدى رجال أعمال مصر ، فقد رفض الرجل السداد ، وانتهت الأزمة بأن حل البنك الأهلى محله فى الشركة ، واحتفظ الرجل بمبلغ القرض الضخم !! صديق وشريك للإسرائيليين إذا كان يوسف والى وزير الزراعة الأسبق ، قد مثل الواجهة العلنية للتطبيع فى مصر ، طوال عقدين من الزمان ، فإن حسين سالم احتفظ بعلاقاته وتعاونه مع الاسرائيليين فى الظل ، ولم يظهر فى الصورة إلا منذ سنوات قلائل ، وبمفاجأة مدوية ، حين تولى بيع الغاز المصرى للعدو الاسرائيلى ، وبأبخس الأثمان .. ففى مساء الاثنين الثامن من أغسطس 2005 ، وفى منزل السفير الإسرائيلى بالمعادى ، كان حفل توقيع اتفاقية الغاز المصرى بين الطرف الإسرائيلى ، (ممثلا فى شركة دوراد إنرجي) ، وبين شركة (غاز شرق المتوسط EMG) التى حصلت على حق بيع الغاز المصرى ، ووُجهت الدعوة لحسين سالم بصفته مالكا ل 65% من أسهم الشركة ، ولرجل الأعمال الإسرائيلى جوزيف مايمان ، بصفته شريكا له ب 25% من الأسهم ، ومع توقيع الاتفاقية التى باعت الغاز للاسرائيليين بأبخس الأثمان ، ووفرت لهم الكهرباء بربع تكلفتها ، ارتفعت أرصدة الرجل فى البنوك الغربية ، وفى الوقت نفسه انكشفت قصة الغاز مع تصاعد الغضب الشعبى من الصفقة .. بدأت القصة فى سنة 1999 ، حين بدأ حسين سالم إجراءات إنشاء شركة شرق المتوسط ، وفى العام التالى قام مجلس الوزراء بتحديد السعر الذى يباع به الغاز للشركة ، بموجب مذكرة رفعتها وزارة البترول ، وهو دولار ونصف الدولار مقابل كل مليون وحدة حرارية ، وبدأت الشركة فى إنشاء وإدارة خطوط تصدير الغاز لدول البحر المتوسط ، وعينها على الصفقة الاسرائيلية ، فرغم الثمن البخس الذى سيباع به الغاز للصديق الإسرائيلى ، فإن أرباحا هائلة ستدخل جيب حسين سالم وشريكه الإسرائيلى ، بسبب الكميات الهائلة التى سيتم تصديرها ، ومع ملاحظة أن الرجل لم ينفق مليما من جيبه على المشروع ، فقد حصل على قرض من البنك الأهلى المصرى وقيمته 380 مليون دولار ، وأكمل التكملة المطلوبة بقروض أخرى لا تتجاوز المائة مليون دولار من بنوك الاتحاد الأوربى ، وتكفلت شركة بتروجيت التابعة لوزارة البترول ببناء خط الأنابيب الذى ينقل الغاز للكيان الصهيونى ، أى أن الرجل حصل على الصفقة ، والغاز ، والقروض التى تموله ، ولم يفعل شيئا سوى استغلال علاقاته التى تبلغ أعلى المستويات فى الدولة ! وللتمويه على تلك الصفقة المريبة ، حاول الرجل والمنتفعون منه ، إيهامنا ، بأنه يقوم بدور وطنى ، وصرح هو ذات مرة أنه تم "تكليفه" بإنشاء شركة شرق المتوسط ، وأنه أتم إجراءات تأسيسها تحت إشراف ورقابة أمنية شديدة ، ولكن ما حدث بعد ذلك كان كفيلا بإخراس هؤلاء جميعا ، فمع تزايد الضغوط الشعبية والقانونية على الحكومة لوقف تصدير الغاز لإسرائيل ، وبعد المطالبة بمحاكمة حسين سالم باعتباره مبددا لثروات البلد ، ومتربحا من علاقاته بالمسئولين ، قرر الرجل أن يغادر السفينة قبل الغرق ، وأن يبيع حصته فى الشركة بالتدريج ، بداية من عام 2007 ، وقبل الضخ الفعلى للغاز ، بعد أن حقق ربحا يتجاوز المليار دولار ، فباع جزءا لشركة تايلاندية ، وجزءا آخر لرجل أعمال إسرائيلى أمريكى ، ليُبقى للإسرائيليين نصيبا فى الشركة ! ولم يقل لنا أحد : هل تم هذا البيع بتوجيه من مؤسسة الأمن القومى ، أم بتوجيه من المصالح الذاتية للرجل ، وحساباته التى رأت الاكتفاء بما تم تحقيقه من أرباح ! ورغم هذا فإن علاقة الرجل بالإسرائيليين لم تنقطع ولن تنقطع ، فهو له استثماراته فى الكيان الصهيونى ، منها حصته الكبيرة فى مصفاة تكرير النفط فى مدينة حيفا ، والتى وصل اهتمامه بها إلى المجازفة بزيارة الكيان الصهيونى ، وتفقد المصفاة ، أثناء العدوان الإسرائيلى على لبنان فى يوليو 2006 ، رغم علمه أن صواريخ حزب الله تستهدف حيفا ، ويمكن أن تهدد حياته ، وقد تم التغطية على تلك الزيارة فى حينها ، بأن الرجل قام بها مبعوثا شخصيا من الرئيس مبارك ، للوساطة بين حزب الله وأصدقائه الإسرائيليين ، ومحاولة إنهاء الحرب بينهما ! وبجانب المصفاة يملك حسين سالم أسهما بالعديد من الشركات الإسرائيلية ، ومن بينها شركات السلاح ، خاصة أن هناك من يعده من أكبر تجار السلاح فى العالم ! وهكذا فإن العلاقات بين حسين سالم والإسرائيليين لا يمكن أن تنقطع ، أو تتأثر ، بانسحابه الكلى ، أو الجزئى من صفقة الغاز ، وهو إن كان يقول إن حالته الصحية وسنه لا يسمحان له بمزاولة البيزنس حاليا ، خاصة بعد أن تجاوز الثمانين ، فإن ابنه الوحيد ، خالد حسين سالم ، يكمل المهمة ، ويرعى استثمارات العائلة ومصالحهم مع الإسرائيليين ، ولك الله يا مصر ..