هذه الدراسة هي جزء من مشروع “الانترنت والديمقراطية” التابع لمركز بيركمان للإنترنت والمجتمع في جامعة هارفارد. المشروع يعنى بدراسة أثر الإنترنت على المجتمع المدني وعلى العمليات الديمقراطية. وقد قام المركز منذ بدايته بنشر دراسات ومستندات مختلفة لظواهر (أو حالات) تناسب الهدف والتوجه الخاص بهذا المشروع،. أعتمدت الدراسة 3 طرق لإستكشاف هيكل ومحتوى المجتمعات التدوينية العربية وهي: تحليل الروابط والوصلات (لتكوين خريطة شبكية تبين كيفية ترابط المجتمعات التدوينية)، تحليل كمية إستخدام (تردد) بعض المصطلحات، قراءة المدونات وفهم محتواها والتواصل مع أصحابها لتعبئة إستبيانات أستخدمت في الدراسة. تم تحديد 35 ألف مدونة عربية تعتبر نشطة كأساس للشبكة (وهو نصف العدد الذي وجد في إيران لوحدها)، وتم إضافة بضعة آلاف من المدونات التي تحتوي كتابات بلغتين أو أكثر من ضمنها العربية، ومن ثم تكوين خريطة شبكية لأكثر 6000 مدونة مرتبطة يبعضها (لا تنسون أن الدراسة مهتمة بتحليل المدونات وترابطها على شكل مجتمعات وتكتلات)، وأخيرا دراسة 4000 مدونة بالطريقة الثالثة المذكورة أعلاه. ما هو الهدف إذا من هذه الدراسة؟ الهدف هو التوصل إلى تقييم رئيسي للمجتمعات التدوينية العربية المترابطة وعلاقتها بالقضايا المنبثقة في مجال السياسة، الإعلام، الدين، الثقافة، والعلاقات الدولية. المدونون العرب في مجملهم ذكور من فئة الشباب ويسودون في تكتل المدونات السوري. وأعلى نسبة مدونات إناث موجودة في التكتل المصري. للمواضيع في مجملها تدور حول التدوين الشخصي ومتابعات الحياة اليومية.ويميل المدونون المهتمون بالسياسة للحديث عن المواضيع المحلية في بلدانهم الأصلية. مناقشة سياسات الولاياتالمتحدة لا يشكل نسبة كبيرة في المدونات العربية ولا حتى حرب العراق وأفغانستان ولكنه إن حصل، فهكذا مواضيع تتركز في منطقة الجسر الشامي. تكتل مدونات الإخوان المسلمين في مصر ومجتمعاتهم التدوينية تركز أنشطتها حول إنتقاد أوضاع حقوق والمطالبة بالإفراج عن معتقليها.. المدونات العراقية لا توجد بشكل ملحوظ على الساحة التدوينية وأن وجدت تتركز معظمها على السياسة الأمريكية فى العراق .. التدوينات الدينية تتركز على التجارب والأفكار الدينية الفردية بشكل عام لا يوجد إنتقاد للأديان الأخرى بشكل مباشر ولكن يوجد القليل منها التي تتعرض للأديان بشكل يسئ لها. خلصت الدراسة إلى أن التدوين العربي ليس الطريق الأساسي للتفاعل بين المستخدمين العرب في حين مازالت المنتديات والمواقع الاجتماعية كالفيس بوك متصدرة لهذا النوع من التفاعل. لكن المدونات في حال إزهارها وإنتشارها فستضمن مجموعات وشبكات مفتوحة تشمل شرائح عريضة من المجتمع مما سيسهم في توليد وإنتقاء معلومات تغذي مصادر الإعلام الرئيسة وتؤثر بشكل مباشر على النخب السياسية. كما أشارت الدراسة أن الأنظمة السياسية العربية حاولت توجيه التدوين نحو القضايا العالمية لتسلم من الإنتقادات الموجهة نحو الداخل، ولكنها لم توفق في هذا المسعى. بإستثناء تكتل حزب الإخوان المسلمين وتكتل حركة كفاية في مصر، لا توجد مجتمعاتتكتلات تدوينية عربية تمثل أحزابا أو أيديولوجيات سياسية. وتوضح الدراسة أن قوة هكذا مجتمعات سياسية في حال تشكلت، ستكون محكومة بمدى تواجدها على أرض الواقع. بمعنى أنه طالما بقيت هذه المجتمعات التدوينية السياسية (في حال تشكلت) حبيسة للوسط الالكتروني، فإن التأثير المرجو منها سيكون ضعيفا جدا. وبالنسبة لتكتل الاخوان وكفاية، امتدحت الدراسة توجههما المرحب لمناقشة سياسة كل منهما عبر الانترنت واعتبرتهما ظاهرة مثيرة للاهتمام في كيفية تطبيق الديمقراطية الالكترونية على أمل نقلها إلى أرض الواقع. بينت الدراسة أن ساحة المجتمعات التدوينية العربية بريئة من دعم الإرهاب والتطرف (بعكس المنتديات) وهي ليست عضوا في البروباغندا المسوقة للأنشطة الإرهابية. كما يمكن للتدوين أن يصبح لاعبا أساسيا في عملية إصلاح الأنظمة السياسية وديمقراطيتها. لتحقيق هذا الهدف، هناك عوامل يجب تحقيقها (وذكرت الدراسة أن المجتمعات التدوينية العربية تتجه نحوها) وهي: فتح مجالات أكبر للمشاركة السياسية عبر التدوين (من قبل الأحزاب والتكتلات السياسية والأفراد)، العمل بأعلى المستويات من الشفافية، دعم الأصوات الفردية وآراء الأقليات، وديمقرطة إنتاج ونشر المعلومات والأخبار. في الوقت الحالي، هناك عدة أمور تقف عائقا أمام المناظرة ومناقشة القضايا السياسية بفعالية عبر الوسط التدويني العربي (والتي ستسهل تحقيق عملية الإصلاح المذكورة أعلاه). فالإنترنت غير متاح للجميع. كما أن حاجز اللغة يجعل المرء غير قادر على الإلمام بمجمل الأفكار المطروحة حول قضية معينة. وأهم هذه العوائق هو حظر الحكومات العربية لبعض المدونات الفردية أو المجتمعات التدوينية إلكترونيا بل وإعتقال أصحابها. ولكن، كما هو معروف، هناك عدة طرق للتخلص من الحظر الإلكتروني والتصفح بحرية. كما تخلص الدراسة إلى أنه من الخطأ الإعتقاد بأن التدوين يمكن أن يؤدي إلى تشكيل نسخة ديمقراطية غربية قائمة على الحريات الفردية وحرية الإعتقاد والتعبير ونظام سياسي علماني. فمئات المدونين المصريين شرعوا أقلامهم للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة الفساد وهم في النهاية في معظمهم يتبعون لمجموعتين كبيرتين، اليسار المتشدد (عدو الغرب اللدود من القرن الماضي) والتيار الإسلامي (الذي يعتبره البعض أخطر تهديد في القرن الحالي). (يبدو أن معدي الدراسة يودون توضيح أن هذه المجموعات تستخدم شعارات معسولة للوصول إلى الجماهير عبر التدوين، وهي في حال سيطرت على الحياة السياسية، فلن تتبنى ما كانت تدعو إليه).