تمثل جماعة الإخوان المسلمين واحدة من أبرز وأهم الحركات الإسلامية التى عرفها العالم خلال الأعوام الثمانين الماضية، التى هى نفسها عمر الجماعة التى نشأت عام 1928 على يد حسن البنا مدرس اللغة العربية وخريج كلية دار العلوم بالقاهرة، فى مدينة الإسماعيلية على ضفاف قناة السويس شرقى مصر. وفى خلال هذه السنوات الطويلة تمددت الجماعة خارج منشأها الأصلى لتتعدد فروعها والأشكال التنظيمية المعبرة عنها فى عشرات من دول العالم الإسلامى وغير الإسلامى على حد سواء. وفى عديد من هذه البلدان واجهت فروع الجماعة ظروفاً مختلفة بحسب كل بلد منها، إلا أن ما جمع بين عديد منها كان قضية رئيسية باتت اليوم واحدا من أبرز هموم الجماعة وفى الوقت نفسه النظم السياسية التى تعارضها، وهى دمجها بصورة قانونية فى المجال السياسى الشرعى فى تلك البلدان. وفى مصر حيث نشأت الجماعة وحيث لا يزال مركز قيادتها الرئيسى – الرمزى على الأقل - على مستوى العالم، تمثل قضية دمج الإخوان فى النظام السياسى الشرعى القائم فى البلاد واحدة من أبرز القضايا التى تواجه الجماعة والنظام السياسى والنخبة السياسية المصرية على حد سواء. وقد بات التساؤل فى مصر عن كيفية دمج جماعة الإخوان المسلمين تساؤلاً متكرراً خلال السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس أيضاً على الإجابات التى باتت متكررة أكثر. والملاحظة الرئيسية على هذا التساؤل هى أن الحديث لا يدور حول دمج الإخوان على المستوى الاجتماعي، فهم بالفعل مندمجون فى المجتمع المصرى بشرائحه وطبقاته الاجتماعية كافة بدرجات مختلفة، بل إن وجودهم القوى على الساحة السياسية ليس سوى انعكاس مباشر لاندماجهم الفعال والنشيط فى مختلف مناحى وأنشطة المجتمع. من هنا، فإن الحديث عن دمج الإخوان على المستوى الاجتماعى لا معنى له فى التساؤل عن كيفية دمجهم، فالمعنى ينصرف فقط ودون مواربة إلى دمجهم على الصعيد السياسى الشرعي. وبالتالى فإن دمج الإخوان يعنى هنا منحهم الشرعية القانونية للتحرك فى المجتمع المصرى كقوة سياسية معترف بها وتحظى بحقوق متساوية مع القوى الأخرى المماثلة بينما تلتزم وإياها بالواجبات نفسها التى يضعها الإطار الدستورى والقانونى للبلاد. ولا يكتمل المعنى الشامل والقانونى لدمج الإخوان دون توسيع ذلك إلى المستوى الاجتماعي، حيث يعنى إعطاءهم الحق فى تشكيل الهيئات الاجتماعية غير الهادفة للربح وغير المشتغلة بالسياسة وفقاً للقوانين التى تنظم ذلك. والحقيقة أن هذا التساؤل لم يكن مطروحاً سواء بالنسبة للإخوان أو لتيار الإسلام السياسى السلمى كله خلال التاريخ المصرى الحديث منذ محمد على باشا سوى فى المرحلة التى تلت صراع الإخوان مع ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 وإصدار قرار حلهم كجماعة عام 1954 ففى خلال كل المراحل السابقة على هذا التاريخ ظلت مختلف الأشكال التى اتخذها تيار الإسلام السياسى وبداخله الإخوان، سواء كانت أحزاباً أم جمعيات أم جماعات، تحظى بالشرعية القانونية والمجتمعية معاً، مما جعل التساؤل حول دمجه غير مطروح من الأصل. ويوضح هذا أن الإشكالية الرئيسية فى دمج الإخوان فى الوقت الحالى تكمن فى الرفض الحاسم من النظام السياسى المصرى لمنح الجماعة أى نوع من الشرعية القانونية سواء على الصعيد السياسى أو على صعيد المجتمع المدني، وهو الأمر الذى تأكد بالتعديلات الدستورية الأخيرة التى أجريت فى عام 2007 وما لحقها من تغييرات فى القوانين المنظمة للحياة السياسية فى البلاد. ويعنى هذا أن أى تفكير فى دمج الإخوان على الصعيدين السياسى والأهلى يستلزم أولاً وقبل كل شيء تغييرا جوهريا وجذريا فى القرار الذى يبدو أنه مستقر داخل النظام المصرى منذ عام 1954 بإقصائهم من المجال الشرعى القانوني، وهو الأمر الذى لا يبدو أن هناك أى مؤشرات على إمكانية حدوثه فى وقت قريب. إلا أن عدم تحقق هذا الشرط الجوهرى لدمج الإخوان لا يعنى بالضرورة أن إمكانية دمجهم تظل منعدمة، فلا يزال فى يد الإخوان أنفسهم ما يمكنهم من تحويل هذه القضية إلى واحد من الاهتمامات الرئيسية للمجتمع السياسى المصرى بما قد يؤدى إلى تعديل ذلك الشرط. ويتطلب ذلك حدوث تغيير جوهرى وحركى فى موقف جماعة الإخوان نفسها من قضية الحصول على الشرعية القانونية لوجودهم، بحيث تتخلى عن الحجج التى تعلنها لتبرير عدم مبادرتها إلى تأسيس حزب سياسى مدنى كما تطرحه فى أدبياتها السياسية، فمن الواضح أن هناك تخوفاً أو تردداً حقيقياً داخل صفوفها من الإقدام على تلك الخطوة التى توضح المؤشرات كافة أنه لا مهرب لها منها مهما طال الوقت. ويعنى إقدام الجماعة على تلك الخطوة القانونية وضع قضية دمجها فى الحياة السياسية الشرعية للبلاد كحزب سياسى على قمة جدول أعمال الحوار العام فى مصر، بما قد يمكن من وضع النظام السياسى أمام اختيارات عملية عاجلة عليه أن يحسمها. وتستلزم تلك الخطوة أن تحسم الجماعة فى برنامج حزبها المقترح موقفها من القواعد الرئيسية المنظمة للعمل السياسى فى البلاد والالتزام بها دون مواربة، وفى مقدمتها قاعدة المساواة بين المصريين كافة والتداول السلمى الديمقراطى للسلطة. كما أنه من الضرورى على الجماعة أن تفصل بصورة تامة بين نشاط الحزب السياسى والأنشطة الدينية الدعوية التى يجب أن تكون لها أوعيتها ومؤسساتها النوعية الخاصة خارج المجال السياسى بالكامل وألا يكون لها أى صلة تنظيمية بالحزب الذى يجب أن يحمل اسماً ليس به أى دلالات ذات طابع ديني.