حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    رئيس جامعة المنصورة يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالكليات    وزير العمل يُعلن عدم إدراج مصر على قائمة الملاحظات الدولية لعام 2024    رئيس النواب: القطاع الخاص لن يؤثر على تقديم الخدمة للمواطن أو سعرها    وزيرة التضامن تلتقي بنظيرها البحريني لبحث موضوعات ريادة الأعمال الاجتماعية    باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات يحرص على دعم للمشروعات الابتكارية    نواب يوافقون على مشروع قانون المنشآت الصحية: صحة المواطن أولوية    رئيس جهاز السويس الجديدة تستقبل ممثلي القرى السياحية غرب سوميد    شون وصوامع المنيا تواصل استقبال القمح وتوريد 244 ألف طن منذ بدء الموسم    زياده 11%.. موانئ البحر الأحمر تحقق تداول 704 آلاف طن بضائع عامة خلال أبريل الماضي    وزارة التجارة والصناعة تستضيف اجتماع لجنة المنطقة الصناعية بأبو زنيمة    الشرطة الإسرائيلية تقتل فلسطينيا بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن    الوقوف فى طابور وحفر المراحيض وصنع الخيام..اقتصاد الحرب يظهر فى غزة    ولي العهد السعودى يبحث مع مستشار الأمن القومى الأمريكى الأوضاع فى غزة    أوكرانيا: القوات الجوية تسقط 37 طائرة روسية دون طيار    المصرين الأحرار عن غزة: الأطراف المتصارعة جميعها خاسرة ولن يخرج منها فائز في هذه الحرب    أخبار الأهلي: تفاصيل إصابة علي معلول    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    نصائح لأولياء أمور طلاب الثانوية العامة.. كيف نواجه قلق الامتحانات؟    الأرصاد: استمرار الموجة شديدة الحارة حتى هذا الموعد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    إصابة 4 مواطنين فى مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    إحالة أوراق عامل للمفتى قتل جدته المسنة لسرقة مشغولاتها الذهبية في البحيرة    الحب لا يعرف المستحيل.. قصة زواج صابرين من حبيبها الأول بعد 30 سنة    عماد الدين حسين: تعطيل دخول المساعدات الإنسانية لغزة فضح الرواية الإسرائيلية    وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق الدورة الثانية لملتقى تمكين المرأة بالفن    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    رئيس النواب يذكر الأعضاء بالضوابط: ارفض القانون أو جزءا منه دون مخالفة القواعد    إزاي تحمى أطفالك من أضرار الموجة الحارة    تعرف على شروط مسابقة «التأليف» في الدورة ال 17 لمهرجان المسرح المصري    صور| باسم سمرة ينشر كواليس فيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    في ذكرى وفاته.. محطات بارزة في تاريخ حسن مصطفى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ترامب ينتقد بايدن مجددًا: «لا يستطيع أن يجمع جملتين معًا»    حنورة: يمكن للشركات المصرية التقدم لعطاءات الطرح العالمي للجهات الدولية بالخارج    وزير الصحة: التأمين الصحي الشامل "مشروع الدولة المصرية"    طريقة عمل الكمونية المصرية.. وصفة مناسبة للعزومات    رضا عبد العال: الأهلي حقق المطلوب أمام الترجي    افتتاح دورة تدريبية عن تطبيقات تقنيات تشتت النيوترونات    القومي لحقوق الإنسان يستقبل السفير الفرنسي بالقاهرة لمناقشة التعاون المشترك    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    موعد عيد الأضحى 2024 وجدول الإجازات الرسمية في مصر    الأمور تشتعل.. التفاصيل الكاملة للخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في أول أيام عمل البنوك    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    محمود أبو الدهب: الأهلي حقق نتيجة جيدة أمام الترجي    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانحياز إلى فلسطين معيار الوطنية الحقة – فهمى هويدى - الشروق
نشر في مصر الجديدة يوم 10 - 08 - 2010

الخبر السيئ أن أولوية القضية الفلسطينية تراجعت فى «أجندة» أغلب الأنظمة العربية. أما الخبر الأسوأ فهو تغييب القضية عن برنامج أى حركة وطنية للتغيير فى العالم العربى، رغم أن حضورها فى صلب تلك البرامج الأخيرة يعد أحد معايير الوطنية، ودليلا حاسما على صدق الرغبة فى إجراء تغيير حقيقى.
(1)
قل لى ما موقفك من القضية الفلسطينية أقل لك ما موقعك من الانتماء الوطنى، بل والعربى والإسلامى. قد لا يمثل رأيى أهمية بالنسبة لك، إلا أننى بهذا المعيار ألزم نفسى على الأقل، ذلك أن لدى اقتناعا راسخا بأن الموقف النزيه من القضية الفلسطينية له تداعياته الضرورية فى اتجاهات عدة. إذ حين نكون بصدد احتلال أرض واقتلاع شعب وتشريده أو حصاره ونهب موارده وثرواته. فإننا نصبح بإزاء جريمة كبرى ضد الإنسانية، لا سبيل للتهاون أو التصالح مع الفاعلين والشركاء فى ارتكابها. وذلك يقع فى قفص الاتهام. ويستدعى على الفور أمام محكمة الضمير طرفين أساسيين هما إسرائيل والولايات المتحدة.
أدرى أن هذه ليست المرة الأولى التى يتم فيها احتلال أرض واقتلاع شعب، وأن ذلك ما حدث بالضبط مع الهنود الحمر فى الولايات المتحدة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. وهى الجريمة التى حققت نجاحا نسبيا.
حيث تم سحق وإبادة الهنود أصحاب الأرض الأصليين. واستطاع الأمريكيون فرض واقع جديد سلم به الجميع، وخرجت من رحمه دولة عظمى تتحكم الآن فى مقدرات العالم. لكن القياس على الحالة الفلسطينية هنا ينبغى أن يضع فى الاعتبار ثلاثة فوارق على الأقل هى (1) أن ما جرى لا يزال يشكل وصمة عار فى جبين الولايات المتحدة لم ينجح الواقع الجديد فى محوها.
تشهد على ذلك الكتب التى مازالت تصدر عن تلك التجربة البشعة سواء من مثقفى الهنود الحمر أو غيرهم. (2) إن ذلك حدث فى ظل العالم القديم الذى كان يمكن أن ترتكب فيه أمثال تلك الجرائم دون أن يحرك شيئا فى الساحة الدولية (لا تنس أن تجربة الاستيطان والإحلال فشلت فى جنوب أفريقيا). (3) إن الهنود كانوا 40 شعبا حقا إلا أنهم لم يشكلوا أمة لها امتداداتها خارج حدودها. على العكس تماما من الفلسطينيين الذين قاوموا الإبادة بالتكاثر والتناسل، ولا يزالون يمثلون جزءا وجرحا فى المحيطين العربى والإسلامى.
استطرادا من النقطة الأخيرة فإن إنجاح محاولة اقتلاع الشعب الفلسطينى لم يعد يكفى فيها تعاظم القدرة العسكرية الإسرائيلية والسعى اللحوح لابتلاع الأرض وتغيير جغرافيتها، وإنما بات ذلك يقتضى أيضا إخضاع العالم العربى المحيط أو تدجينه. وذلك يفسر لنا إجماع الخبراء الصهاينة على اعتبار معاهدة الصلح التى عقدها الرئيس السادات فى عام 1979 بمثابة «الميلاد الثانى» لإسرائيل، وقولهم إنها تمثل الحدث الذى يعادل فى الأهمية التاريخية تأسيس الدولة العبرية فى عام 1948. وخطورة هذه المعاهدة لا تكمن فقط فى إخراج مصر القوة العربية الأكبر والأخطر من معادلة الصراع. وإنما تكمن أيضا فى استثمارها لصالح تعزيز أمن إسرائيل والدفاع عن مشروعها.
هذه الخلفية تفسر لنا لماذا اعتبر بنيامين بن اليعيزر وزير التجارة الإسرائيلى والجنرال السابق أن القيادة المصرية باتت تمثل «كنزا استراتيجيا» لإسرائيل، ولماذا تمنى الحاخام الأكبر عوفاديا يوسف للرئيس مبارك دوام العافية وطول العمر. ولماذا سعت إسرائيل بكل ما تملك من جهد ونفوذ للحفاظ على الوضع القائم فى مصر، ولماذا يعلن قادتها بين الحين والآخر أن انسحابها من معاهدة السلام يعد عندهم خطا أحمر ليس مسموحا بتجاوزه، وأنهم سيقاومون ذلك الانسحاب بكل السبل فى إشارة ضمنية غير خافية إلى استعداد إسرائيل للدخول فى حرب لأجل استمرار العمل بالمعاهدة!
(2)
فور توقيع معاهدة السلام فى عام 79 ظل تصغير مصر وإضعافها حتى لا يصبح لها دور أو تقوم لها قيامة هدفا إسرائيليا استراتيجيا. وقد ألمحت توا إلى أن الدور الذى أرادته لها هو حماية أمن إسرائيل، حتى أصبحت كل الترتيبات الحاصلة فى سيناء تخدم ذلك الهدف بصورة أو أخرى. فالوجود العسكرى المصرى هناك تقيده الاتفاقيات المعقودة مع إسرائيل، ومشروعات تنمية سيناء تضع فى الحسبان التحفظات الإسرائيلية. وتدمير الأنفاق وإقامة السور الفولاذى العازل مع غزة، وقواعد فتح معبر رفح تراعى فيه الشروط الإسرائيلية (بالمناسبة ذلك هو المعبر الوحيد فى كل منافذ البلد والذى لا تمارس عليه السيادة المصرية كاملة). من ناحية أخرى، فإن إسرائيل أصبحت حاضرة فى المساعدات الأمريكية لمصر، وهى حاضرة فى مشروعات مياه النيل، ودورها فى دعم وإذكاء الحركة الانفصالية فى جنوب السودان لم يعد فيه سر، بل صار موثقا فى دراسات إسرائيلية عدة. واستراتيجية الاختراق الإسرائيلى لدوائر رجال السياسة والأعمال والإعلام، فضلا عن التعاون والتفاهم المستمرين بين الأجهزة الأمنية على الجانبين صار مرصودا من جانب الباحثين فى الشأن الاستراتيجى، على المستويين الإقليمى والدولى.
الذى لا يقل أهمية عن كل ذلك تلك الانتكاسة التى أصابت منظومة المشروعات الاستراتيجية والصناعات الحربية فى مصر بعد توقيع اتفاقية السلام. ذلك أن تلك المشروعات جرى تفكيكها والمصانع الحربية تحولت إلى الإنتاج المدنى، وصارت تنتج مستحضرات التجميل بدلا من الذخيرة. وهناك من يقول إن ذلك كان أمرا متعمدا، فى حين أن ثمة رأيا آخر يرى أصحابه أن الانتكاسة كانت نتيجة لانتقال مصر من مرحلة المشروع إلى مرحلة اللامشروع، وتحولها من نصيرة لحركات التحرر الوطنى، إلى حليفة للولايات المتحدة وإسرائيل. وهو ما ثبط همم القائمين على المشروعات الاستراتيجية، وأشاع فى أوساطهم درجات متفاوتة من الاسترخاء والتسيب.
مما تجدر ملاحظته فى هذا الصدد أن دور مصر تراجع على مختلف الجبهات فى الساحة العربية، وأصبح دورها النشط نسبيا محصورا فى الحالة الفلسطينية. إن شئت فقل إن مصر لم يعد بيدها سوى البطاقة الفلسطينية، التى وظفت لصالح الفلسطينيين بالدرجة الأولى. وهذا الضغط مشهود فى موقف القاهرة من الانتخابات التشريعية التى أسفرت عن فوز حركة حماس، ومن محاصرة قطاع غزة وملاحقة عناصر المقاومة. وفى ورقة المصالحة التى تتمسك مصر بفرضها بما يؤدى إلى إقصاء المقاومة وإخراج حماس من الساحة، وزايد الإعلام المصرى والموجه على هذه الحالة إلى الحد الذى دفع منابره إلى تكثيف التخويف والتعبئة المضادة للفلسطينيين. حتى أصبحت لغتها لا تختلف فى مضمونها كثيرا عن الخطاب الذى تتبناه الصحافة الإسرائيلية.
بل وجدنا أن بعض المنابر الإعلامية ذات الصلة بالسلطة أصبحت تدعى أن خطر الفلسطينيين على مصر أشد من الخطر الإسرائيلى، وتصف المقاومة بأنها إرهاب كما تصف عناصرها بأنهم متطرفون ومخربون. وفى الأسبوع الماضى وحده ادعت واحدة من تلك الصحف أن الذين أطلقوا الصواريخ على إيلات بأنهم «خونة»، وفى مرة تالية نشرت على الصفحة الأولى مقالا تحت عنوان يقول: حماس (وليس إسرائيل طبعا) خطر استراتيجى على مصر ومصالحها (هكذا مرة واحدة!).
(3)
فى أوائل يناير من العام الماضى 2009) وقعت حادثة مثيرة وعميقة الدلالة إذ حينذاك وقعت وزيرتا الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس والإسرائيلية تسيبى ليفنى، اتفاقية قيل إن الهدف منها وقف تهريب السلاح إلى غزة. وجه الإثارة فى الموضوع أنه تنفيذا لتلك الاتفاقية تقررت إقامة السور الفولاذى على الحدود بين سيناء وغزة. أما غرابة الدلالة فيها فإنها اتفاقية بين الولايات المتحدة وإسرائيل على تنفيذ أعمال على الأرض المصرية، دون أن يكون للسلطات المصرية علم بها. أما الأشد غرابة فإن القاهرة غضبت وانفعلت حين علمت بالأمر، ثم هدأت بعد ذلك وتم تنفيذ المشروع. وحاولت الأبواق الإعلامية الرسمية فى مصر تسويقه والدفاع عنه بدعوى أنه لوقف تهريب السلاح من غزة إلى مصر، رغم أن الاتفاقية تنص على ان مبرر إقامة السور هو خشية إسرائىل من تهريب السلاح من مصر إلى غزة!
الواقعة كاشفة لحقيقة التلازم بين الدور الأمريكى والإسرائيلى، كما أنها كاشفة لحجم فاعلية الدور المصرى، ويبدو أن توزيع الأدوار بهذا الشكل أصبح سمة للعلاقة بين الحليفين الأمريكى والإسرائيلى من ناحية، وبين مصر ودول الاعتدال العربية من ناحية ثانية.
فالحليفان يقرران ويتوليان الإنتاج، أما مصر وأقرانها من دول الاعتدال فهم يتولون التنفيذ والإخراج. ومشهد العودة إلى المفاوضات المباشرة نموذج طازج يؤيد ذلك الادعاء، فبعد أن قررت واشنطن بالاتفاق مع تل أبيب إجراء مفاوضات غير مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وحددت لذلك مهلة أربعة أشهر، ورغم التصريحات الفلسطينية الرسمية التى شككت فى جدوى تلك المفاوضات، إلا أن السيد نتنياهو ذهب إلى واشنطن، وقرر مع الرئيس الأمريكى أن المفاوضات غير المباشرة نجحت، ومن ثم يجب الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، ووجه الرئيس أوباما خطابا بهذا المعنى إلى الرئيس الفلسطينى محمود عباس، وتضمن الخطاب 12 إنذارا للفلسطينيين بعزلهم وقطع المساعدات عنهم إذا لم يمتثلوا للقرار. وقامت مصر والسعودية بتوفير الغطاء للعملية من خلال لجنة المبادرة العربية، التى أعطت الضوء الأخضر لأبومازن، وتعبيرا عن الكرم العربى فإن اللجنة لم تحدد أجلا للمفاوضات المباشرة، حتى يستمر الإسرائيليون فى ملاعبة الفلسطينيين واستدراجهم للثرثرة إلى ما شاء الله!!
(4)
كيف يمكن لحركة وطنية أن تدعو إلى التغيير، فى حين تتجاهل ذلك كله؟.. وهل يجوز مثلا لأى حركة وطنية فى بلد محتل أن تتجاهل واقع الاحتلال، وتكتفى بالدعوة إلى إقامة الديمقراطية وتوفير ضمانات نزاهة الانتخابات مثلا إننى ليست ضد هذه الطلبات واعتبرها مهمة للغاية إلا أن الاكتفاء بها فى الظروف المشار إليها يعبر عن خلل فى الأولويات، كما أنه يفتح الأبواب لظنون يسىء بعضها إلى الحركة الوطنية ذاتها.
إذا قال قائل إن مصر ليست بلدا محتلا، فإنى أؤيده تماما إذا كان يقصد الاحتلال العسكرى، لكننى إحيله إلى المقال المهم الذى نشرته صحيفة «الشروق» للمستشار طارق البشرى فى 26 فبراير الماضى تحت عنوان محاولة لفهم الواقع الحاضر، وتحدث فيه عن احتلال الإرادة المصرية، الذى هو أشرس من الاحتلال العسكرى، إذ الأول خطر كامن يؤثر فى مصائر البلد دون أن تراه، فى حين أن الثانى خطر ظاهر ومكشوف يمكن التعامل معه وحده بغير عناء.
لقد تلقيت أكثر من رسالة من أناس أقدرهم وأحترمهم فى بدايات تجليات الحراك الوطنى الذى شهدته مصر هذا العام بوجه أخص، وكان ردى عليها جميعا أننى أعتبر ان الموقف من قضية فلسطين ينبغى أن يكون أحد المحاور المركزية ببرنامج الحركة الوطنية، لأن التعامل النزيه مع هذه القضية يستدعى على الفور كل مقومات تحرير إرادة الوطن، الذى يفتح الباب واسعا لتحرير المواطن بعد ذلك.
اننى أستحضر فى هذا المقام مقولة الشاعر والأديب الفلسطينى مريد البرغوثى فى كتابه الأخير «ولدت هناك ولدت هنا»، التى ذكر فيها أن ظل فلسطين مضمر فى كل مشهد مر بنا سلبا أو ايجابا. وهو ما يدعونى إلى القول مرة أخرى إن الناشط فى زماننا لا يستطيع أن يكون وطنيا حقا، ولا عروبيا حقا، ولا إسلاميا حقا، إذا تخلى عن قضية فلسطين واختار منها الموقف الغلط بل أزيد على ذلك مدعيا أن أى إنسان يصبح مطعونا فى عدالته ونزاهته إذا تخلى عن هذه القضية وانحاز إلى الاقتلاع والاحتلال.إخوان سوريا.. قيادة جديدة وأفق سياسى مغلق
كان الخلاف على عروض النظام السورى للتسوية، البيانونى وافق على التفاهم إلى أن تبين له عدم جدية النظام، لكن ما كان ممكنا العودة للمواجهة
تغييرات مهمة شهدتها جماعة الإخوان المسلمين السورية الأيام الماضية بانتخاب مجلس الشورى مراقبا عاما جديدا يوصف بأنه من تيار الصقور، وهو المهندس رياض شقفة (66 عاما)، خلفا للمحامى صدر الدين البيانونى (72 عاما)، الذى تقاعد بعد انتهاء ولايته الثالثة (1996 2010).
ويتوقع كثيرون أن تكون الجماعة مقبلة على تغييرات مهمة فى مسارها السياسى، بعد أن سيطر تيار «المحاربين القدامى»، الذى كان قد خاضت رموزه المواجهة العسكرية مع نظام البعث، على قيادتها فيما اعتبر انقلابا على المسار السياسى الذى سعى لتجاوز آثار المواجهة مع النظام وإنجاز مصالحة معه تفتح الباب لعودة الجماعة للبلاد.
المراقب الجديد اختار معه عددا ممن قادوا معارضة واسعة لمسار البيانونى خصوصا قرار تعليق الأنشطة المعارضة إبان حرب غزة مطلع 2009، وهو ما دفع إلى الحديث عن تغييرات فى سياسة الجماعة مستقبلا.. فهل يمكن فعلا الحديث عن تغييرات ذات بال فى المسار السياسى للإخوان؟
يختلف الإخوان السوريين عن بقية التنظيمات الإخوانية، ربما باستثناء حركة النهضة التونسية، فبعد مواجهة دموية مع النظام البعثى وصلت قمتها فى مذبحة حماة 1982، والتى راح ضحيتها أكثر من ثلاثين ألفا، خرجت الجماعة بالكامل إلى المنافى لتبدأ مأساة محنة كبيرة ما زالت تعيش فصولها، فثمة آلاف من المفقودين والمعتقلين والمهجرين، تتحمل الحركة مسئوليتهم وتحاول إيجاد تسوية لأوضاعهم، وثمة ملفات إنسانية كارثية انعكست وما زالت على مجمل قرارات الجماعة واختياراتها، وهو ما لا يمكن لأى قيادة مهما كانت توجهاتها تجاهله.
بدأ البيانونى ولايته الأولى (1996) بإعادة البناء الداخلى للجماعة التى كانت قد انقسمت على نفسها إثر المواجهات المسلحة، ثم جاءت وفاة حافظ الأسد (2000) لتطلق الأمل بعهد جديد حاولت الجماعة فيه اقتناص اللحظة، ورغم تحفظها على طريقة انتقال السلطة إلى بشار الأسد فقد برأته من مسئوليات عصر أبيه وأعلنت عن الرغبة فى التعاون معه وقبلت معه بالتدرج فى الإصلاح.
لكن وبداية من 2004 بدا للجماعة أن الوضع السياسى بشكل عام وفيما يتصل بها خصوصا لن يتغير كثيرا، وأن مسار بشار لن يختلف كثيرا، أقله تجاهها، عن مسار أبيه، فاتجهت للتصعيد الذى بلغ ذروته فى أبريل 2004 حين شاركت فى إطلاق (نداء الإنقاذ) والدعوة لمؤتمر وطنى لقوى المعارضة، ولم ينته العام إلا والجماعة شريكة فى تحالف (إعلان دمشق ) الذى قام على أساس أن النظام غير قابل للإصلاح وأن إصلاحه فى تغييره!
كان المناخ مواتيا، وكانت الضغوط الأمريكية على أنظمة المنطقة ونظام البعث السورى خاصة فى قمتها خصوصا بعد إسقاط نظيره العراقى 2003، وتصاعدت الضغوط مع اغتيال الحريرى 2005 واضطرار النظام لسحب قواته من لبنان، وانشق عبدالحليم خدام ولجأ لفرنسا ليؤسس جبهة الخلاص، ولم يتردد الإخوان فى التحالف مع خدام المنشق عن نظام بدا وقتها أنه يأكل بعضه!
لكن الإخوان الذين قاموا بواحدة من أصعب اللعبات البهلوانية لحركة إسلامية سرعان ما صدموا بتحول كبير كانوا هم أول ضحاياه، لقد تلاشت حمى التغيير وراحت إدارة بوش اليمينية المحافظة، وانتهت القوى الدولية إلى أن الاستقرار فى سوريا أفضل من تكرار التجربة العراقية، وأن تحسين سلوك النظام أفضل من تغييره الذى يمكن أن يفجر ملف الأقليات الدينية والعرقية بالبلاد والمنطقة عموما، حتى إسرائيل لم تر ما يغريها بتكرار التجربة العراقية فى سوريا.
لقد أجاد النظام السورى توظيف كل الأوراق ليعود أقوى داخليا وإقليميا مما كان عليه، عزز علاقته بإيران وزاد عليها انفتاح غير مسبوق على تركيا اللاعب الأهم فى المنطقة، دون أن يخسر كثيرا علاقاته العربية، حتى لبنان التى غادرها مضطرا سرعان ما عادت إليه بعد أن ثاب أشد معارضيه فيها وعادوا للإقرار بدوره المركزى! فيما سلمت أمريكا وفرنسا بالحاجة إليه فى الحرب على الإرهاب!. بإزاء ذلك كانت حرب غزة اللحظة الأنسب للإخوان لانسحاب يحفظ ماء الوجه من جبهة الخلاص ومن أى معارضة تهدف لإسقاط النظام. فكان قرار تعليق الأنشطة بحجة التفرغ لمعركة المقاومة فى غزة!
اعتبرت الجماعة أن تعليق الأنشطة المعارضة للنظام كان تضامنا مع إخوان فلسطين، الذين تحتضنهم دمشق، وفرصة للنظام لمراجعة موقفه داخليا، وكذلك رسالة لحركات إسلامية نعت عليهم ما اعتبرته تشددا يقطع عليها طريق الوساطة.
فى أبريل الماضى وأثناء رحلة لأوروبا زرت البيانونى فى مقره بلندن والتقيت عددا من قادة تياره السياسى، تحدثنا طويلا حول الجماعة ومستقبلها، وعليه أتصور أن وضع الجماعة يبدو من التعقيد بحيث يكون تسرعا الحديث عن تغيرات جذرية فى مسارها السياسى مهما كانت طبيعة القيادة الجديدة.
لقد تسلط النظام على الداخل تماما، وساعده الوضع الإقليمى والدولى، وزاد الأمر قتامة الوضع الإسلامى نفسه، لقد نجح النظام فى استيعاب الحالة الإسلامية بمجملها وجرها لمربعه بعد أن تموقع فيما صار يعرف بمحور المقاومة والممانعة، وهو ما كف أيدى الإسلاميين وألسنتهم عنه!.
يشعر الإخوان السوريون أن القوى الإسلامية على اختلافها مغرر بها، ويحملون نقدا عنيفا لها باستنثاء (حماس) التى اضطرت فى نظرهم لما اضطروا إليه حين لجئوا لنظام البعث العراقى هربا من البعث السورى! ولم يفلت الإخوان مناسبة استضافة النظام لمؤتمر الأحزاب العربية لينتقدوا القوى الإسلامية التى حجت للمؤتمر دون أن ترفع صوتها بقضيتهم أو أى من الملفات الإنسانية الصارخة، بل ودون أى إشارة لمفارقة أن النظام الذى يستضيف مؤتمر الأحزاب العربية وهو يمنع أى تعددية حزبية!
المفارقة أن الإخوان المسلمين فى العالم حتى فى مصر يدعمون النظام السورى بدون شروط رغم وجود قانون يقضى بإعدام كل من يثبت انتسابه للإخوان!
حتى صعود حزب إسلامى للسلطة فى تركيا لم يأت بأى آثار إيجابية على الإخوان السوريين على الرغم من الصلات الوثيقة لهم بالعدالة والتنمية ووجود عدد منهم فى الدائرة الاقتصادية التى الحزب ممن استقروا بتركيا قبل عقدين. أما الوساطات التى يبذلها بعض الإسلاميين فهى لا تأتى بنتائج؛ فالنظام لا يرفضها مبدئيا ولكنه لا يرتب عليها أى إجراء على الأرض.
وعلى الرغم من موجة المد الدينى التى تجتاح سوريا فليس للإخوان علاقة تنظيمية بها وليس باستطاعتها التأثير فيه فضلا عن الاستفادة منها فى الصراع مع النظام، فأى أوراق يا ترى يمكن أن تلعب بها القيادة الجديدة فى الصراع؟!
لقد أنجزت الجماعة على مستوى استعادة وحدتها الداخلية التى كانت قد تمزقت، وبناء هياكلها ومؤسساتها التى تعمل بانتظام، وتطوير رؤيتها الأيديولوجية يإصدارها ميثاق الشرف الوطنى (2001 ) الذى يؤكد: رفض العنف ودولة المواطنة والمؤسسات والتداول السلمى، وحتى الخلاف الداخلى فقد كان على خلفية عروض النظام للتسوية، تيار البيانونى قبل بالتفاهم إلى أن تبين له عدم جدية النظام، لكن ما كان باستطاعته العودة لحمل السلاح، ولا أتصور أن لدى خصومه أو خلفه ما يمكن أن يفعلوه فى هذا الصدد، كما لا أظن أن فكرة العودة لمواجهة النظام جدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.