رئيس الأركان يشهد تنفيذ البيان العملى لإجراءات التأمين التخصصى بالجيش الثالث الميداني    كامل الوزير: مصر حققت طفرة في تطوير البنية التحتية بمختلف قطاعات النقل    كامل الوزير: انضمام مصر لبريكس يعبر عن دورها في منظومة التفاعلات الدولية    تشكيل منتخب مصر المتوقع ضد بوركينا فاسو    تاريخ مشاركات منتخب البرتغال في كأس الأمم الأوروبية    مترو الأنفاق يكشف حقيقة تعطيل سلالم الكهرباء بالمحطات لتخفيف الأحمال    12 يونيو، أولى جلسات محاكمة عصام صاصا بتهمة التسبب في وفاة شخص بالخطأ    جميلة عوض تستعد لحفل زفافها على المونتير أحمد حافظ وأنوشكا أول الحضور    تضامن الفيوم تنظم قافلة طبية لقرى مركز إطسا ضمن "حياة كريمة"    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    تكريم أبطال نادى ذوى الاحتياجات الخاصة بأسوان    البنك الأهلي يطلق حملة ترويجية لاستقبال الحوالات الخارجية على بطاقة ميزة    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    زميل سفاح التجمع يكشف أسرارا عن رحلة عودته من أمريكا حتى شقة القاهرة الجديدة    نقيب معلمي الإسماعيلية يناقش مع البحيري الملفات التي تهم المدرسين    بالصور.. تجهيزات جميلة عوض قبل حفل زفافها الليلة    أشرف زكي محذرًا الشباب: نقابة المهن التمثيلية لا تعترف ب ورش التمثيل    فصائل فلسطينية: استهدفنا مبنى يتحصن به عدد من جنود الاحتلال وأوقعناهم قتلى وجرحى    أبرزها عدم مس الشعر والبشرة| تعرف على آداب المضحي.. الإفتاء تكشف أمورا مهمة    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    حج 2024 | أدعية يستقبل بها المؤمن شهر الحج    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    غرامة تصل إلى 10 ملايين جنيه في قانون الملكية الفكرية.. تعرف عليها    عطل مفاجئ يتسبب في انقطاع مياه الشرب عن بعض مراكز بالفيوم    الدوسري يقود تشكيل السعودية لمواجهة باكستان في التصفيات الآسيوية    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "أوهمت ضحاياها باستثمار أموالهم".. حبس المتهمة بالنصب والاحتيال في القاهرة    سوسن بدر تكشف أحداث مسلسل «أم الدنيا» الحلقة 1 و 2    جيش الاحتلال ينفي إعلان الحوثيين شن هجوم على ميناء حيفا الإسرائيلي    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    وزير الخارجية يلتقى منسق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    هل يحرم على المضحي الأخذ من شعره وأظافره؟.. الإفتاء تجيب    ما هو موعد عيد الاضحى 2024 الجزائر وفقا للحسابات الفلكية؟    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    للراغبين في الشراء.. تراجع أسعار المولدات الكهربائية في مصر 2024    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    الأقوى والأكثر جاذبية.. 3 أبراج تستطيع الاستحواذ على اهتمام الآخرين    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    مقابل وديعة دولاية.. مبادرة لتسهيل دخول الطلاب المصريين بالخارج الجامعات المصرية    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    تركي آل الشيخ: أتمنى جزء رابع من "ولاد رزق" ومستعدين لدعمه بشكل أكبر    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. أولى صفقات الزمالك وحسام حسن ينفي خلافه مع نجم الأهلي وكونتي مدربًا ل نابولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفقراء في بلادي
نشر في مصر الجديدة يوم 19 - 06 - 2010

قبيل أذان الفجر بساعة تخرج السيدة العجوز بلباسها الليبي التقليدي جسمها مغطى بالجرد أو الحولى الخفيف ذو اللون البني الفاتح رغم شدة برد الشتاء، ويتضح من ذلك الرداء وبهتان لونه وكم من الرقع التي به بحيث يعطيك المؤشر الواضح بما تعانيه من العوز.
تخرج في آخر الليل وقبل ظهور النور لكي لا يراها أحد يعرفها وتعبر الطريق الدائري السريع الذي يفصل بين منطقة سكنها الشعبية ومنطقة الفيلات حيث تقوم بتفتيش أكياس القمامة المكدسة أمام البيوت قبل أن ينقلها رجال شركة النظافة الذين يساعدونها دون أن يدروا لأنهم يتركون هذه الأكياس و لا ينقلونها يوميًا بصفة دورية، فتقوم عجوزنا بتفتيش الأكياس لتأخذ فضلات الخبز منها وتضعها في كيس تحضره معها لكي تبيع ما تجمعه لمربي الدواجن والحيوانات أو السماسرة الذين زاد عددهم لشراء وبيع الخبز اليابس كعلف للمربين، ومع مرور الزمن واستمرار عجوزنا في رحلتها اليومية، فقد تعوّد بعض من أصحاب الدارات أن يتركوا لها الخبز منفصلا عن القمامة والبعض الآخر يضع لها بعضا من الأكل النظيف لتأخذه كما أن بعض من يصلون الفجر في الجامع الذي يتوسط المنطقة بجوار شارع دبي بمدينة بنغازي يمنحونها بعض الصدقات إذا تصادف وجودها بشارع الجامع وقت خروجهم من الصلاة.
شدني كثيرا هذا المشهد الذي يدل دلالة كبيرة بأن الفقر بدأ ينخر في عمق البناء الاجتماعي لمجتمعنا المحلي، وهذا يدل على وجود خلل كبير يجب الالتفات إليه في برامج الرعاية الاجتماعية للأسر والأفراد غير القادرين على إعالة أنفسهم لأي سبب من الأسباب رغم أننا في بلد موارده جيدة ويبيع من النفط اثنان مليون برميل يوميًا وعدد سكانه لا يزيد عن 6 ملايين نسمة!
صحيح أن هذا المجتمع في الخمسينات والستينات عانى من الفقر والعوز بصورة كبيرة ولكن الناس في ذلك الوقت كانوا يتراحمون، فالأغنياء- أو إن صح التعبير ميسورو الحال- كانوا ملتزمين بدفع حق الفقراء في مالهم، فيوزعون الزكاة ويساعدون جيرانهم وأقربائهم، وبالتالي فالتكافل الاجتماعي كان شعبيا مدنيا مائة في المائة.
وفى نهاية السبعينات عندما شمرت الدولة عن ذراعيها وطرحت برامج الرعاية الاجتماعية تحولت جمعية البر للمساعدات تلك الجمعية الأهلية إلى برنامج حكومي سمي بالمعاش الأساسي، وكان يفترض أن تتطور برامج الرعاية بطريقة علميه مدروسة دون الإجراءات الوقتية العشوائية العاطفية التي ينتهزها أصحاب النفوس الضعيفة في إقامة الحدائق ويستفيدون من هذه البرامج في اكتناز الأموال سحتا وزقومًا لأنها أموال الفقراء والمساكين.
ومن خلال عدم تطوير وتنظيم وازدواجية الإدارة التنفيذية بين أمانات وهيئات وصناديق يصرف عليها الكثير بشكل غير منظم مع عدم اختيار من يخافون الله ويؤمنون بالعمل الاجتماعي من الموظفين- صغارًا كانوا أم قيادات- أدى ذلك إلى التدني في برامج الرعاية الاجتماعية ورعاية من لا راعي له حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من انتشار للفقر؛ لأن يد المساعدة الاجتماعية التي تقوم بها الدولة يفترض أن تطول كل الناس المحتاجين شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا لأن إمكانيات الدولة أكبر وأقدر من إمكانيات المجتمع المدني ولكن الأمر تحول إلى العكس حيث دخل الفساد الإداري والمالي حتى في هذه البرامج الإنسانية للأسف الشديد، وكان اكتشاف العديد من قوائم أسماء وهمية تقدم لهم المساعدات الاجتماعية والمعاشات الأساسية وعند اكتشاف ذلك يكون رد الفعل تعقيدا في الإجراءات والأوراق المطلوبة التي لا يتمكن الفرد الغلبان مثل عجوزنا التي سردتُ قصتها في بداية المقال لا تستطيع هي ومن على شاكلتها تجميع هذه الأوراق بينما استمر السرّاق الذين يستطيعون الحصول عليه بل وتزويرها وبالتالي الحصول على المعاشات بالمخالفة وهؤلاء هم من تُفتَّح لهم الأبواب ويسهل عليهم الصعب من الإجراءات وبالتالي ازداد الفقير المسكين فقرًا وانتشر الفقر المدقع بصورة لا يرضى بها أي أحد.
والشيء المؤسف الآخر أن تنظيمات المجتمع المدني تحاول جاهدة في سبيل تجميع بعض الأموال والصدقات لتوزيعها على الفقراء المحتاجين، ونظرا لأساليب الغش والسرقة التي يسمع عنها الناس واجهت هذه المنظمات أزمة ثقة بين من لديهم استعداد لمنح المساعدات والمشرفين على هذه الجمعيات.
والأمر الآخر أن الناجح منها والذي استطاع أن يجمع الصدقات ويوزعها يُفاجئ بأنه مراقب ومفتوح له ملف أمني والبعض منهم يتم استدعاؤه ويطلب منه بيان استقصائي، ولكنى أكبر فيهم أن الكثير منهم رغم كل هذه الصعاب استمر في عمله الإنساني هذا.
من هذا المنطلق، فإن المواطن المسكين الفقير عندما يسمع توزيع الثروة ورعاية الدولة للمحتاجين يسخر مما يسمعه؛ لأن الأمر يقينا وصل عنده إلى صعوبة الحصول على لقمة العيش، فكيف يكون حاله في مواجهة مصاريف العلاج وتعليم أبنائه وغير ذلك من الحاجات الضرورية للفرد والأسرة.
قد يدور في ذهن القارئ سؤال: ما هو الحل؟!
الحقيقة إنني فاقد الأمل في أن تقوم حكومتنا الحالية بأي حل ناجح يلمسه الإنسان الفقير لأنها غير مهتمة كثيرا بالجانب الإنساني والاجتماعي وخلال الأربعين عاما لم يدخل في تشكيل الحكومة متخصصون في علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية إلا القليل، وحتى ذلك القليل الذي تم اختياره جاء من منطلق يختلف عن معايير الاختيار السليم الذي يؤدى إلى تواجد متخصصين مستعدين لتقديم الخدمة الاجتماعية لأفراد المجتمع المحتاجين إليها؛ لأن هذا النوع من العمل يحتاج بالإضافة إلى التخصص العلمي إلى الاستعداد النفسي والإيمان به وبتقديمه حبا في الوطن ووفقًا لتعاليم ديانتنا السمحاء.
وبالتالي فإن الأمل معقود على العديد من الشباب والطلبة في الجامعات الذين تحركوا في معظم المدن ويقومون بالاتصال وتجميع الملابس والصدقات ويساعدهم أولياء أمورهم ليقدموا شيئًا لهذه الأسر المحتاجة، ولعل من واجبنا أن نحييهم وندعمهم ونتمنى لهم التوفيق ومزيدًا من العطاء؛ لأن هذا السلوك سينتشر بإذن الله وسيؤدى مع الزمن إلى تفعيل التكافل الاجتماعي الأهلي من جديد، وقد يحرج الحكومة وتجد نفسها أمام وضع يتطلب منها الالتفات بجديه لهذه القضية.
www.dribrahimguider.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.