ترامب يتهم بايدن بقيادة "إدارة من الجستابو"    خبير تحكيمي: حزين على مستوى محمود البنا    محمد صلاح: هزيمة الزمالك أمام سموحة لن تؤثر على مباراة نهضة بركان    حالة الطقس اليوم.. تحذيرات من نزول البحر فى شم النسيم وسقوط أمطار    بسعر مش حتصدقه وإمكانيات هتبهرك.. تسريبات حول أحدث هواتف من Oppo    نجل هبة مجدي ومحمد محسن يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    موعد مباراة الأهلي ضد الهلال اليوم الإثنين 6-5-2024 في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    "لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرانية    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    طالب ثانوي.. ننشر صورة المتوفى في حادث سباق السيارات بالإسماعيلية    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    150 جنيهًا متوسط أسعار بيض شم النسيم اليوم الاثنين.. وهذه قيمة الدواجن    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد اليهودية    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    وسيم السيسي: الأدلة العلمية لا تدعم رواية انشقاق البحر الأحمر للنبي موسى    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    أشرف أبو الهول ل«الشاهد»: مصر تكلفت 500 مليون دولار في إعمار غزة عام 2021    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد يكتب: الانتخابات "عبرت" من هنا
نشر في الدستور الأصلي يوم 18 - 12 - 2010


كما تُكْتَب القصص السياسية الرديئة
يوسف القعيد
قراءة الفاتحة
فى المساء وصل المرشح المحترم إلى البلد، سأل عن بيت مقاول أنفار التراحيل، دله العاطلون عليه. وسرى خبر وصوله فى البلد بسرعة، فى بيت مقاول الأنفار المبنى حديثاً جلس المرشح المحترم والمقاول السمين بمفردهما فى حجرة مكتبه. انتظر الباقون فى مندرة الضيافة. لم يدخل عليهما أحد من أتباع المرشح المحترم أو أحد من أتباع المقاول السمين. الذى دخل فقط كان صبياً ينادونه باسم فتاة، يقدم الشاى والقهوة لضيوف المقاول، دخل بمشيته اللينة وصوته الرخو. ويقولون أن المقاول هو الذى دربه على ذلك. قدم القهوة، ثم دخل وقدم الشاى. قبل حلول المساء عرف كل الناس ما دار فى غرفة المكتب.
تنحنح المرشح المحترم وسأل المقاول:
- كم رأس فى البلد؟
رد عليه:
- خمسة وعشرون ألفاً.
- وكم لهم حق الانتخاب؟
أوضح أنه يقصد المقيدين فى الجداول الانتخابية.
سكت المقاول برهة قبل أن يرد:
- ستة آلاف وأربعمائة وخمسة وسبعين صوتاً.
أفهمه المقاول أن كسور الرقم ستكون عجوزات. ولأن المرشح المحترم ليست له خبرة سابقة فى هذه المسائل. استفهم من المقاول عن حكاية العجوزات. رد المقاول: العجوزات هم أصحاب الأصوات غير الموجودين، مرضى، مأموريات، مسافرين، تركوا البلد ولم تتخذ إجراءات نقل قيدهم إلى مقرهم الانتخابى. وأصبح ذلك مستحيلاً بعد أن بدأت بوادر المعركة. البلد بها ستة آلاف صوت فقط. سأله المرشح الذى كان يلبس بدلة لم ير مثلها أحد فى البلد من قبل. عن موقف هذه الأصوات، تريث المقاول قبل أن يجيب، شغل نفسه بإشعال سيجارة مستوردة ومذهبة، حاول المرشح الذى كان يضع على عينيه نظارة يقولون فى الناحية أن إطارها من الذهب، أن يشرح الحكاية، قال أنه يقصد بموقف هذه الأصوات، العائلات، التكتلات، العصبيات الموجودة، كما أنه يسأل عن معارك الثأر والخلافات الجديدة، ومدى تأثير كل هذا على المعركة الانتخابية التى ستدور، فهو يجلس الآن فى إحدى القرى الصغيرة، والدائرة التى رشح نفسه عنها بها حوالى ثمانية عشر قرية ومركز واحد، وهو لا يطيق الحياة فى ريف مصر، ولا يستطيع أن يتصور كيف يعيش الناس فيه، لأنه يعيش فى مصر القاهرة منذ مولده، لذا لا توجد عنده خريطة سليمة للعلاقات الموجودة فى الدائرة. حضر من مصر ومعه كشف به حوالى عشرين إسماً. قيل له أن الدائرة فى جيوبهم، أوقفت حديث المرشح ضحكة عالية مجلجلة صدرت من المقاول، اهتز معها كرشه الضخم، وقام بعمل نفس الحركة التى شاهدها المرشح المحترم من التسعة عشرة مقاولاً الذين قابلهم فى نفس اليوم. مد يده، أشار إلى جيب صغير، فوق القلب مباشرة، يبدو جزء من الجيب فقط، والجزء الباقى يتوه تحت العباءة الغامقة اللون، والتى تشى بدرجة غنى المقاول ومدى ما وصل إليه، امتدت أصابع يده اليمنى، بين إصبعين منهما بقايا السيجارة المحترقة وأواخر إصبعيه وأظافره أصابهما لون أصفر من كثرة التدخين. أشار بالسيجارة إلى الجيب وقال:
- الستة آلاف صوت فى قعر الجيب.
المرشح المحترم مثل أم العروسة، مشغول حتى قمة رأسه، وراءه آلاف الأعمال، تم الاتفاق سريعاً. طلب مقاول الأنفار الذى اغتنى فجأة فى السنوات الخمس الأخيرة طلبين، البند الأول معنوى. والبند الثانى مادى. البند الأول المعنوى خدمة عامة تقدم لأهالى البلد فوراً. وتضمن أصواتهم دون مناقشة. والبلد أمامها ثلاث مشروعات مؤجلة منذ سنوات طويلة وفى كل انتخابات تحيا المشروعات الثلاث. ويتجدد الأمل فى تنفيذ إحداها وبعد الانتخابات تعود المشروعات إلى بند الأحلام المؤجلة وهى:
1- رصف الطريق الترابى الموصل بين البلد والمركز.
2- توصيل النور إلى البلد.
3- بناء مسجد حديث فى البلد للصلاة، يليق بمركزها وعدد سكانها.
على أن يتم البدء فى أحد هذه المشروعات الثلاث قبل يوم الانتخابات ربما كان ذلك من الأمور الصعبة، ولكن لا يمكن تأجيله، بالنسبة للمشروع الأول تفيد الاتصالات أو المساهمة فى المشروع. أو مجرد البدء فيه، حتى لو لم يتم. المشروع الثانى يتطلب الاتصال الفورى بالمسئولين عن الكهرباء، المشروع الثالث له طريقة واحدة مؤثرة فى الناس، وهى التبرع بمبلغ ضخم لبناء المسجد، وإحضار الطوب والأسمنت فوراً.
أما البند الثانى وهو المادى – ما زال المقاول هو الذى يطلب – فهو عبارة عن ثمانية آلاف من الجنيهات.
- كيف هذا؟
نطق بها المرشح الذى كان يرى من النافذة موكب السيارات الذى حضر به، وجموع المؤيدين والأتباع الذين ينتظرونه فى المندرة، نطق بالجملة بطريقة تشى أنه يستكثر المبلغ المطلوب.
- لا تنسى أنكم بلد واحد من الدائرة وأن..
لم يكمل المرشح جملته، أسكتته نوبة سعال عنيفة انطلقت من فم المقاول، الذى تزوج ثالث حريمه فى الأسبوع الماضى. وكانت فتاة فى عمر بناته. وفى ليلة الدخلة قرصها فى فخذها، ضحكت، فرأى فلجة بين أسنانها فى مقدمة فمها، فقال لها وهو يحتويها تحته أنها ستكون قدم السعد، تحسس المرشح جيب الجاكتة الداخلى، لمست يده ورقة جديدة، أحس بملمسها من تحت القماش الفاخر المستورد، الورقة كشف به بيان بالمنافع التى ستعود عليه بعد نجاحه فى الانتخابات. قال يكلم نفسه: لكى أنجح مطلوب لى 25 ألف صوت، هذا معناه تدبير 35 ألف جنيه، الأمر صعب. ما قاله المرشح كان خاطراً فى نفسه، ذهل عندما اكتشف معرفة المقاول بما دار فى خاطره، لوَّحَ المقاول بيده فى المسافة بينهما، كأنه يقول له: مالك أنت حر فيه، أما بخصوص المبلغ الذى سأطلبه فسيصرف كالتالى: أخرج المقاول ورقة بيضاء وقلماً فاخراً، مربوط بسلسلة ذهبية إلى المكتب. كتب:
- ستة آلاف صوت. كل صوت سيحصل صاحبه على جنيه مقابل صوته، فى آخر انتخابات كان الصوت بخمسة وسبعين قرشاً. وفى التى قبلها كان الصوت بخمسين قرشاً، المشكلة هى جنون الأسعار، والارتفاع يشد معه قيمة الصوت.
الجزء الباقى لم يكتبه المقاول، أكمله وهو يطوى الورقة ويمزقها قطعاً صغيرة ويرميها فى سلة مهملات من البلاستيك مصنوعة على شكل شبكة صياد ماهر. قال المقاول: يتبقى من المبلغ ألفان من الجنيهات، ألف منها لرجاله وأتباعه وسماسرة الأصوات الصغار، وذوى النفوذ وعمل الدعاية فى بعض الأماكن، والألف الأخيرة له هو شخصياً.
لم يعطه الفرصة للتفكير، نقر على المكتب بإصبعه، سأله:
- ماذا قررت؟
أفهمه مقاول الأنفار أنه يستحسن الإسراع فى رده، بعد نصف ساعة يصل أحد المرشحين المنافسين له، وإن وافق المرشح المحترم على مطالب الجماهير سيقرر التعامل معه وحده. كان المرشح المحترم يفكر فى عشيقته، وفى آخر يوم قضاه معها فى شاليهات مبنية حديثاً على أطراف مدينة القاهرة وكلفه اليوم مائة جنيه، كل جنيه يضاحك الآخر. ورغم هذا لم يقدر على تنفيذ رهانه معها فيما يخص عدد مرات الجماع.
قال للمقاول:
- الأمر لله ولك.
مدا يديهما، تصافحا، نامت تجاويف اللحم فوق بعضها، تمتمت شفاههما بالفاتحة:
- بسم الله الرحمن الرحيم.
بعد كلمة آمين سحبا يديهما. وكانت عدوى الدفء قد سرت خلال اليدين، مسح كل منهما بيده على وجهه وقبَّلها، ثم أمر مقاول الأنفار بفتح الباب ودخول كل الرجال سواء من رجاله هو أو من رجال المرشح المحترم. أصر المقاول على أن يشربوا شربات النجاح من الآن فالنجاح مسألة مضمونة مائة فى المائة.
فى غمضة عين تتحقق الأحلام
خرج المرشح ابن الأكابر. الذى نجح والده وجده، وجد جده فى كل الانتخابات عن نفس الدائرة، بعد أن وعد مقاول الأنفار بدفع المبلغ المطلوب. ولكن بعد جدولته. تبعاً لظروفه الصعبة، سيدفعه على ثلاث دفعات. الأولى بعد أسبوع. والثانية عندما تشتد المعركة. والثالثة ليلة المعركة. عند انتصاف الليل، أى فى اللحظة التى يبدأ فيها ميلاد يوم الانتخابات، وبخصوص طلبات الشعب الطيب الثلاثة الأخرى، كلها مجابة بإذن الله، ما يمكنه أن يعد بعمله هو إدخال النور فوراً، الطلبان الآخران. يرجو تأجيلهما لعملهما على أسس سليمة وبشكل عظيم بعد الانتخابات مباشرة وكما دخل المرشح الناعم الرقيق إلى البلد فى زفة خرج أيضاً فى نفس الزفة.
لم يصدق أحد نفسه عندما دخل النور البلد بعد عشرة أيام فقط من زيارة المرشح المتصل بأولى الأمر. قال رجاله على سبيل الدعابة:
- أول الغيث قطر.
المهندس الذى حضر لتوصيل النور كانت لديه تعليمات من رؤسائه الكبار فى مصر أن يوصل النور أولاً إلى منزل المقاول. بعد حضوره إلى البلد. اكتشف أن المقاول له ثلاثة بيوت. لم يكن المقاول موجوداً. لكى يعرف منه المهندس المنزل الذى سيوصل إليه النور، قال له الناس أن الولد زنوبه يعرف سر المقاول. بحثوا عنه، وجدوه، طلبوا منه أن يدلهم إلى أى المنازل يتم توصيل النور. قال لهم واللبانة تتحرك فى فمه مع الكلمات. أن المقاول له ثلاثة بيوت. واحد قبلى والثانى بحرى والثالث وسط البلد. وتعيش فيه زوجته الأخيرة وملحق به مكتب يدير منه المقاول أعماله المختلفة. وهذا البيت هو أحب البيوت إلى قلب المقاول، على الأقل فى الوقت الحاضر، احتار المهندس، وبعد أخذ وعطاء قام بتوصيل النور إلى البيوت الثلاثة.
فى أول ليلة يدخل فيها النور، بدت البلد وبها ثلاث بقع من الضوء الجديد، والذى يدخلها لأول مرة، هلل الأطفال وجرى الصبية وحزن أبناء الليل، واعتبرها مقاول الأنفار ورجاله ضربة معلم لأنصار المرشحين الآخرين، وبالنسبة للمقاول فهو أساس ضخم لبناء نفوذه الشخصى فى البلد والبلاد المحيطة، وقرر المقاول أن ينفذ الحملة الانتخابية كلها أثناء الليل، لكى يدرك الناس قيمة ومعنى ما قدمه لهم. ويتذكرونه فى كل الأوقات.
الأصوات واحدة. فلماذا تختلف النتائج؟
نجح المرشح، وقف المقاول لحظة ظهور النتيجة، وقرأ من ورقة بيده خطبة قصيرة ومعبرة جداً. قال إنه رجل أعمال ولا يعرف الكلمات أو الخطب، وقال إن حصول المرشح المحترم على ستة آلاف صوت وهى كل أصوات البلد سابقة تحدث فى مصر لأول مرة. ولم يسبق حدوثها فى كل تاريخ البلاد، ثم صاح المقاول، بصوت عال، لدرجة أن عروق رقبته أصبحت فى مثل غلظة عامود النور، الذى يقف المقاول بجواره مرتكناً عليه، قال المقاول: أن اللقب يتغير الآن أيها السادة؛ أن حضرة المرشح المحترم يصبح حضرة النائب الأكثر احتراماً من ذى قبل.
ثم حضر المرشح المحترم، الذى أصبح النائب الأكثر احتراماً، قيل أنه حضر ليشكر أبناء البلد على حصوله على ستة آلاف صوت، هى كل أصوات البلد بالتمام والكمال، وقيل أنه حضر إلى البلد اليوم لآخر مرة، وقال آخرون أنه أتى لكى يصفى حساباته المالية والعاطفية مع المقاول، وأنه سيعطيه مؤخر الأتعاب الذى وعدهم به المقاول. كان النائب متعباً منهكاً. بدا لهم وقد فقد حماسته لكل ما فى الحياة من مشروعات وطموحات. مر على الناس فى سرعة كأن وراءه من يضربه بالكرباج. مد يداً خلت من حرارة الحياة، لكى تهزها الأيدى الخشنة، كانت عيناه ساهمتين وأذناه واحدة من طين والأخرى من عجين، وعندما طلب منه الناس أن يلقى كلمة فيهم اعتذر بأنه متعب، ثم طلبوا أن يحملوه على الأعناق ثم يلفوا به البلد، وهو يحيى الجماهير، على عادة أهل البلد، قال لهم أن أمنيته الوحيدة أن يذهب إلى مصر وينام ولمدة شهر كامل.
فى البلد ظهرت نتائج أخرى للانتخابات على رجال المقاول فى شكل ساعات وخواتم ذهبية ونظارات وأحذية وملابس. وقطع أرض وبهائم، شبكة كاملة من حالات البيع والشراء والاقتناء وتسجيل العقود وكتابة المبايعات واعتماد وثائق التمليك، وكانت فى الطريق إلى البلد ولائم ومراهنات ومشروعات وزيجات وأشكال ثراء مفاجئة. لكن نتيجة الانتخابات والتى ظهرت فى بيوت مقاول الأنفار فاقت كل التصورات الأخرى.
مر أسبوع على فوز النائب المحترم، خرج المقاول، سافر إلى مصر تصور الناس أنه ذاهب إلى النائب العظيم، لكى يتفق معه على طريقة لحل مشاكل الناس، رد الآخرون، ذهب للحصول على مؤخر الأتعاب والحلاوة. بعض المقربين من المقاول. قالوا وهم يضحكون أنه مسافر إلى مصر يبحث عن محامى كبير، أكبر محامى فى البر كله. يرفع قضية. يطعن فى انتخاب المرشح الذى أصبح نائباً. ومعه الأدلة ضده. ثم يرشح نفسه فى الانتخابات بمجرد كسب القضية، فالنائب له مرتب وسيارة ونفوذ ضخم ولقب أكثر فائدة من خاتم سليمان. وجحا أولى بلحم ثوره، عملية النجاح والسقوط فى الانتخابات لعبة قديمة بالنسبة له.
فى اليوم التالى عاد المقاول من مصر. خيبت عودته ظنون الكل. عاد يركب سيارة ومعه أربعة أشخاص، ووراءه سيارة نقل محملة عن آخرها. الأشخاص الأربعة الذين كانوا معه ملابسهم تقول أنهم صنايعية. قال الناس أن المقاول أصبح من أصحاب السيارات، ولا بد من الوقوف له فوق المصاطب لحظة مروره. والأشخاص الأربعة حضروا ليكونوا فى خدمة السيارة. كهربائى وميكانيكى وخبير فى الكاوتشوك ومنجد. حزن الكثيرون على أنفسهم، عندما اكتشفوا أن السيارة لها أربعة يخدمونها بخلاف الخامس الذى سيتولى تنظيفها والسائق سادسهم.
فى الليل أنزلوا الحمولة من سيارة النقل. لم يتمكن أحد من معرفة محتوياتها، فى صباح اليوم التالى، عرف الناس الأمر كله. ها هم العمال الأربعة الذين حضروا مع المقاول. بدأوا فى قسمة المعدات التى أحضرها المقاول بالعدل. أحضر من كل صنف ثلاثة. لكل بيت واحد. وبهذا ضاعت على أهالى البلد فرصة متابعة الحروب والمشاجرات بين البيوت الثلاثة. راحوا يشاهدون تركيب المعدات. التى لم ترها البلد من قبل. الراديو الكهربائى، التليفزيون، اللمبات الملونة والمستطيلة والمدورة مثل كعك العيد الذى لم يعودوا يرونه. عرفوا هذه الأشياء بسرعة لأنهم شاهدوها من قبل فى البندر القريب.
أما الأجهزة الأخرى فقد تطوع المتعلمون من أبناء البلد. يشرح حكايتها لهم. يقولون أسم الجهاز ووظيفته. الثلاجة هى التى تضع فيها الماء فتأخذه ثلجاً مجمداً بعد دقائق. الدفاية لليالى الشتاء الباردة. حجرة من النار والكوالح الصناعية. المروحة للحظة القيالة فى السرير مع الزوجة التى يخلو جسمها من العظم، السخان لحمام الصباح بعد ليالى الوصال والحب. وشواية اللحم. لصنع الكباب والكفتة، تلك الأكلات التى لا تمنح نفسها إلا لأبناء المدن. جهاز التسجيل. تجلس أمامه وتتكلم. فيعيد لك ما قلته بمجرد انتهاءك من الحديث. وقد صمم خصيصاً فى بلاده لتسجيل التأوهات فى المضاجعات الجنسية. وسمعوا كلمات جديدة مثل: النجف، الأباجورات، الإضاءات السحرية.
استغرق العمل ثلاثة أيام. كل بيت يوم واحد. وفى اليوم الرابع خرجت سيارة المقاول الجديدة لتوصيل الأسطوات إلى مصر. اختلف المحرومون فى تحديد سعر السيارة. تاهوا وتخبطوا بين الأرقام. لخص إمام المسجد المناقشة بقوله:
- السعر لا يزيد على أربعة آلاف من الجنيهات.
ولن يقل على الألفين.
فسبحان موزع الأرزاق.
تحول الحديث إلى الكهرباء. اكتفى البعض بالحديث عنها. تجرأ الآخرون ولفوا وداروا حول بيوت المقاول. التى تسبح فى بحيرات الضوء ليلاً. ذهب أحد المتطلعين إلى مقاول الأنفار. سأله عن تكلفة إدخال النور إلى بيته. حتى يفعل مثله. طلب منه المقاول الهدوء والصبر. لأن المسألة مكلفة جداً. وليس فى طاقة أحد فى البلد كلها أن يدخل النور مثله.
فتر الاهتمام بالمقاول والانتخابات وأمواله وحكايات الكهرباء. إلى أن تسرب سر كهربائى خطير إلى الناس. جعل اهتمامهم يشتعل من جديد. عرف المتسكعون أن منزل العروس الصغيرة يتميز بأمر هام. لا يوجد فى المنزلين الآخرين. وهو جرس رنان يستخدم بدلاً من خبط الباب باليد. وأن هذا الجرس له أكثر من فرع. مثل شجرة الجميز العجوز. يبدأ من المكتب الذى يجلس عليه المقاول. له زر على شكل بلحة مدلى بجوار المكتب، يضغط عليه المقاول سراً. وهذا الفرع السرى يوصل إلى حجرة نوم زوجته الصغيرة. ويقولون أنه يصل إلى رأس السرير مباشرة، وهو يستخدمه كنوع من الإشارات المتفق عليها. بين المقاول وزوجته. خاصة عندما يريد أن يختلس بعض الوقت ليقضيه مع زوجته التى فى عمر بناته. فى الأيام المخصصة لزوجتيه الأخرتين دون أن يدرى أحد بذلك.
الجرس الآخر يبدأ من المندرة وزره على شكل تفاحة وهى مدلاة من سلك فى الحائط بجوار المكتب الذى يجلس إليه المقاول. وهذا الجرس يتصل بالمطبخ، وهناك شفرة خاصة بين المقاول والطباخ. الضربات تحدد نوع الطلب. الرنة الصغيرة تعنى أن المطلوب شاياً. أطول منها قليلاً قهوة. ثلاث ضربات متتالية معناها إعداد طعام، إذا تحولت الرنات إلى صوت يشبه الكركرة فالمطلوب شيشة أو جوزة.
يؤكد من يحكى، أن الضيوف الذين زاروا المقاول أخيراً أصابتهم الدهشة، عندما سألهم عما يشربون، ثم لم يصفق بيديه كعادته حتى يحضر الولد زنوبة. ويطلب لهم المشروبات. ساعتها تصوروا أنه نسى أو أهمل طلباتهم. ولكنهم فوجئوا بعد قليل بحضور الولد زنوبة من الداخل ومعه طلباتهم. نفس ما طلبوه بالتحديد. فتعجبوا من حال الدنيا وما فيها. وخرجوا ليؤكدوا للناس أن المقاول سره باتع وأنه واصل. وأنه أبلغ الولد زنوبة بما يريده عبر الجدران والأسوار والمسافات. ضحك الآخرون وقالوا، أن روح المقاول حلت فى جسد الولد زنوبة وأن بينهما تفاهماً صامتاً. يتم دونما كلمات.
الجرس الثالث والأخير يوجد على الباب الخارجى. لبيت زوجته التى يقولون أنها تناديه بلقب يا بابا فيثور. وهو مركب على يمين الباب فى ارتفاع قامة رجل. ليس طويلاً ولا قصيراً. والجرس له لونان أبيض حليبى بالنهار. وأخضر برسيمى فى الليل. مثل عيون القطط الشبعانة والتى تخرج من باب المقاول ليلاً. هذا الجرس يوصل إلى وسط الدار ومكتب المقاول. وحجرة الولد زنوبة فى وقت واحد.
تجمع الذين بلا عمل. قرروا التأكد من صدق حكايات الجرس. صعد ولد منهم فوق المنزل المقابل. حتى شاهد بنفسه واحداً من الأعيان يرفع يده. ويضغط على البقعة الناعمة. ثم سمع صوت الرنين وعاد ليقول لرفاقه. أن الصوت أسرع من ضربات جرس المدرسة التى لم يدخلها واحد منهم قط.
الصبر. الصبر. الصبر.
اكتمل الأسبوع الثانى بعد فوز النائب الأكثر احتراماً. ولم يتقاض واحد من الناس مؤخر أثمان الأصوات. كما سمَّاه المقاول. كل منهم حصل على أربعين قرشاً مقابل صوته. وباقى له ستون قرشاً. قيل له أنه سيحصل عليها فور ظهور النتيجة. إنهم يذكرون كلمات المقاول. قال لهم أن من سيحضر منهم ليبارك بيده اليمنى سيأخذ الستين قرشاً باليد اليسرى. بل طلب منهم أن يحتفظوا بالأربعين قرشاً كما هى. لكى يسلمونها. ويأخذ كل منهم الجنيه صحيحاً. بسبب أزمة الفكة فى مصر أيام الانتخابات والأعياد عادة.
ذهب إليه جماعة منهم يطالبون بباقى الأموال. لم يخرج لهم المقاول. قال رجاله أنه متعب ومجهد. وعلى أبواب مرض قد يطول. بسبب المجهود الذى بذله فى المعركة الانتخابية. أرسل لهم الولد زنوبة لكى يتكلم معهم. طلبوا منه أن يخرج اللبانة من فمه أولاً. رفض بحجة أنها تساعده على حسن الكلام. كادت أن تحدث مشكلة بسبب قطعة اللبانة. أخيراً تكلم. قال إن المقاول لن يأكل عليهم مليماً واحداً. وهو زعلان منهم بسبب سرعة الطلب. لأنه يفكر فى مصلحتهم أكثر منهم. لهذا فهو يرى أنه أهم من أخذ مؤخر الأتعاب أن يكون ذلك المؤخر على شكل فرص عمل وخدمات للبلد. وهذا أقوى من المبلغ البسيط الذى سيحصل عليه كل منهم على حده.
وافق النائب المحترم على الطلب. وقال أنه يرجو منحه فرصة ستة أشهر حتى يفكر فى كيفية تحقيق هذا الطلب. والمقاول يرجو أهل بلده الكرام. أن يتنظروا وأن يصبروا. أليست أول صفات الفلاح المصرى العظيم. وأهمها على مر التاريخ هى الصبر أولاً. والصبر ثانياً والصبر ثالثاً وأخيراً.
وما هى إلا أيام قليلة. وخرج المقاول. ذهب إلى البندر. طلبوا له الشفاء. بعد أن قيل لهم أنه ذاهب للعلاج. ولكنهم عرفوا أنه ذاهب لشراء بعض المعدات لافتتاح مشروعات يستثمر فيها فائض الأموال. التى عادت إليه من الانتخابات الأخيرة. وأن البلد ستتحول إلى جنة الله على الأرض. قالوا أنه سيحضر منشاراً كهربائياً ويبنى فرناً أفرنجياً يصنع الخبز الأبيض وسيفتح محلاً لعصير القصب. ومقهى به تليفزيون ملون يكون الجلوس فيه والفرجة على التليفزيون مقابل خمسة قروش علاوة على ثمن المشروب.
تهامس البعض أنه سيبنى عمارة ضخمة من عشرة طوابق لسكنى موظفى الحكومة الذين يعملون فى البلد. وبذلك يكون قد وضع الحكومة كلها فى جيبه. وسيخصص الدور الأرضى من العمارة. لكى يكون سينما ضخمة، وكان للجرس مكان فى الحكايات الكثيرة. قالوا أن المقاول سيربط بيوته الثلاثة بجرس واحد. حيث يستطيع وهو فى السرير أن يخاطب حرسه ورجاله والنائب المحترم ونسائه تحسباً للغد.
النائب المحترم وحده هو الذى غاب عن الحكايات لأنه لم يعد له وجود فى حياتهم من يوم فوزه فى الانتخابات.
الجرس يدلى بصوته
لم يعرف المقاول متى بدأت مضايقات الجرس. ولكنه يذكر فقط أنه كان يشعر بسعادة غامرة كلما شاهد جمعاً من الناس يقفون لكى يشاهدوا زر الجرس، كانت الوقفة تتم فى وقت الغروب، فى تلك اللحظة التى تتساقط فيها قطرات الظلام الرمادى فيزداد لمعان الزر. كلما أصبح الظلام مؤكداً. إنهم يظلون حوله حتى يصبح الظلام عباءة تلف بداخلها وجودهم، فى هذا الوقت بالذات يكون للزر وجوده. نقطة من الضوء. ينعكس نورها الأخضر على عيونهم التى بلا رموش.
كان المقاول يشاهد المنظر بسعادة. يذكر أنه بعد السعادة حدثت بعض المضايقات، بدأت بصبى صغير، يقترب من الباب يضغط على الزر ثم يولى هارباً. ضغطة صغيرة لا تصل إلى أقل من الثانية. اعتبرها المقاول معاكسات أولاد. بعد هذا لاحظ المقاول أن معاكسات الجرس طالت. ولا تحدث إلا وقت تناول طعامه أو وهو نائم. وكانت النتيجة معروفة له. فهى إما أن توقف اللقمة فى زوره أو تحرمه لذة مواصلة الجماع مع زوجته اللينة. كلف أحد أعوانه بملاحظة الجرس أوقفه بجوار زر الجرس.
ولكنه فوجئ فى اليوم التالى بالجرس يضرب مرتين متتاليتين. خرج مسرعاً. عرف أن الذى ضرب الجرس لم يكن بمفرده. كانوا ثلاثة. إثنان شاغلا الرجل الواقف لحراسة الزر، والثالث ضغط عليه. وفروا هاربين. توقف المقاول أمام هذه الحادثة، صفر بفمه، وأسند رأسه بين يديه، قال أن المسألة لم تعد معاكسات ولا إعجاب بالجرس، إن التدبير واضح هذه المرة، وضربات الجرس نوع من الإنذار له. إنذار يستخدم الكهرباء. أحدث ما دخل البلد. ولا بد من اليقظة ومحاولة معرفة من الذين يقفون وراءه. الحكاية أكبر من هذا. وراءها ما وراءها من الأمور الخطيرة. يومها قرر أن يقيم فى بيت أحدث زوجاته. الموجودة فى وسط البلد. بصفة نهائية حيث توجد خزينته ومكتبه ومصالحه وأمواله ضارباً باعتراضات زوجتيه الأخيرتين عرض الحائط.
أشار عليه أحد أعوانه بإلغاء الجرس وفك زره. رفض الفكرة من أساسها، هاج فيهم، قال إن مجرد طرح الفكرة فأل سيئ. وأنه قادر على حماية آلاف الجرسات وليس جرساً واحداً. وأن صديقه النائب يستطيع أن يرسل له كتيبة كاملة. شاعت قصة الجرس فى البلد. وتفرغت مجموعة من الشبان لحكاية الجرس. وأقسم المقاول أن المقاولين الصغار والذين وقفوا مع المرشحين المنافسين لمرشحه المحترم، هم الذين يقفون وراء معاكسات الجرس. إنها مؤامرة الهدف منها إفساد استخدامات الكهرباء فى بيته. للقضاء على آفاق الكهرباء فى البلد كلها. شدد الحراسة. وكلف اثنين بالقيام بحراسة زر الجرس.
هدأ الأمر فى اليوم الأول. قضى نهاره وليلته بدون رنين. وتصور أنه استراح ولكن فى الليلة التالية وفى ساعة الفجر الرمادية الموحشة، الساعة التى يصل السكون فيها فى البلد إلى منتهاه. رن الجرس. رنة مفاجئة، مزقت السكون. قام فزعاً. خرج. وجد الحارسين يجريان. الذى أدهشه أنهما كانا يجريان وراء مجموعة من نساء البلد. عاد الحارسان إليه. وأكدا له. أن وجوه النساء كانت غريبة بالنسبة لهما. وقال أحدهما أن النساء من الجن والعفاريت. المقاول رجل واقعى لا يسمح للأوهام أن تتسلل إلى قلبه. لذلك أصر على أن النساء من البلد. وأكد أن الفجر له خيالات غريبة. تفقد الإنسان القدرة على الرؤية.
فى الصباح مر فى حوارى البلد. عاكسه الشبان بأن ضغطوا بأصابعهم على زر جرس وهمى فى الفراغ، فجرى وراءهم وسماه الأولاد المقاول الزر. ولكن المقاول طمأن نفسه بمجرد وصول المعدات وافتتاح المشروعات سيعمل فيها نصف أهالى البلد. وسيصبح من جديد الرجل الذى يمنح ويمنع حتى الحياة نفسها.
بيان رقم واحد
إلى أن كانت ليلة.
لحظة انتصاف الليل. كان المقاول نائماً وعيناه مفتوحتين. وبجواره راديو اشتراه من أموال الانتخابات. الساعة تدق معلنة انتصاف الليل. ولأن البيت كان غارقاً فى صمت غريب. كانت الدقات تصله واضحة لها رنين ورجع الصدى يملأ كل غرف البيت الخالية. انتهت الدقات. امتص صمت البيت آخر صدى للدقة الثانية عشرة. والتى تأتى بعد إحدى عشر دقة رتيبة ومملة.
مرت برهة. وانطلق الجرس يضرب. لم يهتم بالأمر، رجاله ساهرون وسيتولون الأمر سواء كان الضارب رجلاً أم امرأة أو حتى عفريتاً، ولكن الجرس استمر فى الرنين. لم يتوقف. خُيِّلَ إليه أن صوت الجرس أصبح أكثر ارتفاعاً. صحت زوجته فزعة، تساءلت. لم يرد عليها. وضعت أصبعيها فى أذنيها. حاصرت الصوت. لفت رأسها فى ملاءة السرير. استمر الحصار.
قام المقاول بهدوء. حاول أن يحطم الجرس. ازداد الصوت ارتفاعاً. أحضر المقاول قطعة من الخشب. انهال على الجرس بالضرب، سقط الجرس على الأرض مفككاً إلى قطع صغيرة. ومن كل قطعة كان يهجم عليه صوت مزعج، صرخت زوجته الصغيرة، ونبحت الكلام، وهاجمت البهائم فى الزريبة. خرج المقاول بملابس البيت وهو ثائر وغاضب.
المنظر الذى شاهده لن ينساه إلا يوم الموقف العظيم. كان أهالى البلد، بالتحديد الستة آلاف أصحاب الأصوات يقفون فى طابور طويل أمام بيته. شاهد الجلاليب. والطواقى تطل عليه من عتمة الليل. كانت ثمة حركة منظمة. أول الواقفين فى الطابور يضع إصبعه على زر الجرس ولا يرفعها إلا بعد أن يضع الذى وراءه أصبعه مكانه. ويذهب إلى آخر الطابور الذى لا يعلم أحد إلى أين يمتد.
وقف المقاول. لم يتكلم. لم يتقدم خطوة واحدة. لم يفعل أى شئ. وقف يشاهد ما يحدث فى صمت مشحون بالانفعالات. ظل واقفاً إلى أن تعبت قدماه. ولم يدخل البيت. أحضر زوجته الحسناء وأمر بأن يفتح المكتب، جلسا فيه حتى الصباح وأصبحت متعة أهل البلد متعتين. ضرب الجرس ومشاهدة زوجة المقاول الصغيرة والتى لم تنكشف على رجل من قبل فى البلد كلها.
أتى الصباح والطابور ما يزال فى حركته البطيئة. أرسل المقاول أحد أعوانه إلى البندر. لكى يحضر كهربائى. يفك له الجرس وكل التوصيلات الكهربائية فى بيوته الثلاثة. حضر الكهربائى. كان الطابور ما يزال مستمراً فى دورانه اللا نهائى. لم يتمكن الكهربائى من فك الزر ولا حتى من الاقتراب من البيت. لكى يفصل التيار. اتجه أحد أعوان المقاول إليه يسأله هل يفصل التيار عن البلد كلها..
فلم يرد عليه.
1980


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.