د. أحمد جويلى الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية ووزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق .. أحد أهم رموز العمل العربى الاقتصادي، الذين حملوا على عاتقهم مسئولية العمل الجاد لتحقيق حلم التكامل العربى اقتصاديا وسياسيا، وذلك بتذليل كل ما يعوق زيادة التجارة البينية وتفعيل فكرة السوق العربية المشتركة معبرا عن الإرادة الشعبية ومتحديا كل الصعاب، التى تقف فى وجه هذه الأحلام. "مصر الجديدة" فى حوارها مع معالى الأمين العام سألته عن طموحاته وما يقف فى وجهها من مصاعب وتحديات. * ما حقيقة الأزمة المالية التى يعانيها مجلس الوحدة الاقتصادية؟ ** يزداد الوضع المالى للأمانة العامة للمجلس تعقيداً سنة بعد أخرى فى وقت تزداد الالتزامات المترتبة عليها لعدم تسديدها فى حينها خاصة مستحقات موظفيها السابقين والحاليين وغيرها من النفقات لتأخر العديد من الدول الأعضاء عن سداد حصصها المالية فى موازنة المجلس، والتى وصلت فى أول شهر نوفمبر 2008 إلى حوالى 5 ملايين دولاراً، حيث أن هناك بعض الدول تقوم بتسديد مساهمتها كاملة والبعض الآخر يسدد جزءا من المساهمة وبعضها لا يقوم بالتسديد. * هل لنا أن نعرف حجم هذه المتأخرات؟ ** فى السنتين الماليتين الأخيرتين 2007 و2008، لم تسدد من الدول الأعضاء مساهمتها عن سنة 2007 سوى سوريا والسودان والعراق واليمن، فيما سددت كل من العراق واليمن جزءا عن سنة 2008، هكذا، وصل هذا الوضع المالى المتفاقم إلى درجة من الخطورة ما يتطلب وقفة عملية موضوعية من الدول الأعضاء لوضع حد للمشكلة، لأن استمرارها سوف يؤدى إلى عدم تمكن الأمانة العامة للمجلس من دفع مستحقات موظفيها ونفقاتها الجارية. * وكيف جاء تحرك المجلس حيال هذا الوضع المتدهور؟ ** لمواجهة هذه الأمة الطاحنة، أصدر المجلس عددا من القرارات لمعالجة الوضع المالي، الذى تمر به الأمانة العامة للمجلس، كان آخرها القرار القاضى بإلزام الأعضاء على دفع المتأخرات لتمويل ميزانية المجلس، التى تقدر بنحو 622 ألف دولار أمريكي، فيما تبلغ قيمة المساهمات المتأخر سدادها على الدول الأعضاء فى أول شهر نوفمبر الماضى 4 ملايين و825 ألفاً و26 دولاراً أمريكياً يقابلها التزامات على الأمانة العامة لمجلس الوحدة الاقتصادية بما يعادلها تقريبا. * معالى الأمين العام: عدد أعضاء مجلس الوحدة الاقتصادية ضعيف وهزيل للغاية .. فما مدى تأثير ذلك على فاعلية دوره؟ ** منذ الإعلان عن قيام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية فى القاهرة عام 1964، ويبذل القائمين على المنظمة كل جهد فى سبيل دفع مسيرة الوحدة الاقتصادية العربية، وذلك بوصفة الجهاز المسئول عن إدارة اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية لإخراجها إلى أرض الواقع، حيث تقرر بموجب هذه الاتفاقية إنشاء هذا المجلس كجهاز دائم يتولى الإشراف على تنفيذ مراحل الاتفاقية، وليضع خطة عملية يحدد من خلالها الإجراءات التشريعية والإدارية والفنية لكل مرحلة، مراعيا فى ذلك مصالح البلدان الأطراف المتعاقدة، ثم يرفع قراراته إلى حكومات الأطراف المتعاقدة لإقرارها والالتزام بها، وبالتالى فإن عضوية المجلس يرتب التزام بقراراته. * لماذا الإحجام عن العضوية؟ ** يبدو أنه إلى الآن لم يجد من البلدان العربية غير مصر والسودان والأردن والصومال والعراق وموريتانيا واليمن وسوريا، وأخيرا ليبيا فائدة من عضويتها فى المجلس ففضلت البقاء خارجه. * قلتم عند تولى منصب الأمانة العامة أنكم ستبذلون أقصى ما عندكم لزيادة أعضاء المجلس .. فلماذا لم يحدث هذا؟ ** هذا الأمر أسعى بكل حواسى لإدراكه لكن الظروف صعبة للغاية، وهذا ما يؤسفنى ويقلل من عزيمتي، فالبلدان العربية إلى الآن لم تقتنع بجدوى هذا المجلس، الذى هو المعنى بالإشراف على تنفيذ اتفاقية السوق العربية المشتركة، وبالتالى ما يزال العزوف عن عضوية المجلس هو الأمر السائد على الرغم من الجهود المضنية، التى تقوم بها أمانة المجلس فى سبيل إقناع البلدان العربية بالعضوية. * كيف يمكن أن تتجاهل البلدان العربية الانضمام إلى مجلس الوحدة الاقتصادية رغم أنه فى واقع الأمر مرتبط بمصالح حقيقية بهذه الدول؟ ** فى عالم الاقتصاد الذى نحن بصدده، كثيرا ما يتم التضحية بمصلحة بعينها فى مقابل تحقيق مصلحة أبعد، وإن كان الوضع الخطير الذى يمر به العرب الآن يستدعى من البلدان العربية زيادة جرعات التعاون الاقتصادى لما فيه المصلحة العامة، وذلك بالسعى دوما إلى المشاركة الفاعلة فى كل ما بدوره يوثق ويثمن من أنشطة التعاون الاقتصادي، ومن ثم لابد من الاستفادة من التوصيات الصادرة عن القمة من خلال التنسيق والتركيز على إلغاء الحواجز، التى تعرقل مسيرة التعاون والعمل على سرعة انسياب السلع بين البلدان العربية وإزالة أى معوقات تعترضها، ووضع استراتيجيات تكون سهلة التطبيق بعيدا عن أشياء غير واقعية. * هل حقا هناك ازدواجية فى الأداء بين مجلس الوحدة الاقتصادية العربية والمجلس الاقتصادى والاجتماعى بجامعة الدول العربية تجعل البلدان العربية تعزف عن عضوية مجلس الوحدة؟ ** هذا التساؤل سبق وأثير منذ سنوات، وتم عقد لجان مشتركة وانتهت إلى أنه لا يوجد ازدواجية، ولكنها دعوة لتكبيل عمل مجلس الوحدة والتقليل من دوره وكرها فى كلمة الوحدة، فإن التجربة تؤكد أنه لا يوجد ازدواجية من قريب أو بعيد مع أية جهة عربية أخري، خاصة أن مجلس الوحدة يحرص دوما على التنسيق مع المجلس الاقتصادى والاجتماعى بجامعة الدول العربية فى جميع مجالات العمل. * ما دور مجلس الوحدة الاقتصادية فى تعظيم حجم التجارة البينية العربية الهزيلة لدرجة أنها لا تعبر عن اقتصاديات الدول العربية التى ترتبط بتجارة خارجية يفوق حجمها بكثير مع تجارتها مع البلدان العربية؟ ** إنجازات مجلس الوحدة الاقتصادية لتعظيم حجم التجارة البينية العربية أكثر من قدرتى على ذكرها فى هذا المقام، فإنه خلال فترة السبعينيات، نجح فى إنشاء أربعة شركات عربية مشتركة فى مجالات التصنيع والتعدين والأدوية والثروة الحيوانية، علاوة على أنه اعد إستراتيجية للعمل الاقتصادى العربى المشترك خلال الفترة من عام 2000 وحتى 2020، تشمل خمسة محاور هى التجارة والاستثمار والتنمية التكنولوجية والمشروعات العربية المشتركة، وتتضمن هذه الإستراتيجية عدة برامج فرعية منها تنمية التجارة العربية الكلية والبينية، حيث أسس المجلس آلية تنمية التجارة لرفع معدلاتها من معدل يتراوح مابين 8 و10 فى المائة إلى 20 فى المائة على مدار خمس سنوات. * وماذا عن المحقق على أرض الواقع؟ ** بالفعل، تم تنفيذ بوابة لخدمات التجارة على شبكة الانترنت وموقع للسوق العربى الالكترونى منذ أغسطس 2005، وساهم المجلس بعمل خريطة استثمار للدول العربية تضم 3500 مشروع،إضافة إلى أن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية فى سبيله لتكوين شركة لخدمات الاستثمار من اجل دعم وترويج المشروعات العربية خاصة الإقليمية منها، وأنه يتبنى تنفيذ بطاقة المستثمر العربى لسهولة انتقال رجال الأعمال بين الدول العربية، كما يساعد حاليا فى تأسيس عدد من الشركات العربية ذات الأهمية، ومنها إنشاء الشركة العربية القابضة للتسويق والتجارة وإنشاء شركة عربية للجرارات وثالثة للأمصال البيطرية وشركة عربية للنقل متعدد الوسائط، وأخيرا أنجز المجلس مشروع القانون الجمركى العربى الموحد. * لماذا تنجح التكتلات الاقتصادية الإقليمية مثل دول مجلس التعاون الخليجى أو تلك الثنائية بين بعض البلدان العربية فى حين فشلت من خلال مجلس الوحدة الاقتصادية؟ ** هذا التساؤل يكتنفه مغالطة كبيرة؛ لكونه يحكم على تجربة التكتلات الاقتصادية بالنجاح فى حين فشلت تجربة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، على الرغم من أن الواقع غير ذلك، فمجلس الوحدة الاقتصادية العربية يتعاون بنجاح كبير مع التكتلات الثنائية العربية الاقتصادية، لأنها ترحب بأى اتجاه فى المنطقة العربية للتعاون الاقتصادي، سواء بين دولتين أو أكثر، لأن منهج المجلس يشجع أى اتجاه عربى تجميعي، ليس هذا فحسب بل يسعى مجلس الوحدة لفتح قنوات تعاون مع باقى التجمعات غير العربية المجاورة لمنطقتنا؛ لأنه لا يمكن إهمال دول الجوار المهمة مثل تركيا وإيران وأفريقيا بشكل أساسي، لأنها تؤثر فى المنطقة العربية كلها، هكذا، لا ينافس مجلس الوحدة الاقتصادية العربية غيره من التكتلات الثنائية الاقتصادية العربية بل يتكامل معها. * متى نستطيع أن نقول أن هناك وحدة اقتصادية فعلية أو بمعنى آخر أن هناك حدود دنيا تشكل نواه حقيقية لتبادل اقتصادى وتجارى بين البلدان العربية؟ ** عندما تكون هناك انسيابية للناس فى التحرك بين الدول العربية، بحيث يدخلون ويخرجون عبر الحدود ببضائعهم وأدوات عملهم هنا وهناك. * برأيك د. جويلي: كيف ترى السبيل الأمثل عربيا لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية؟ ** تقدر بعض التقارير الاقتصادية حجم الخسائر المتوقعة للأزمة على الاقتصاد العربى بنحو 2.5 تريليون دولار، تؤدى بدورها إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادى لتصل إلى 3%، وبالتالى تزايد العجز فى موازنات الدول العربية، وفى هذه الظروف تحتاج الدول العربية إلى العمل معاً للحد من أضرار الأزمة، وذلك من خلال تبنى سياسات جادة لمواجهة هذه التداعيات السلبية، وربما يكون ذلك ما دفع مجلس الوحدة للمطالبة بضرورة الإسراع فى إنشاء صندوق عربى كإجراء وقائى لمواجهة الأزمة، على غرار الصندوق الذى أنشأته دول مثل روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، ليكون هذا الصندوق بمثابة هيئة تمويل عربية برأس مال قدره مليار دولار يتولى تمويل مشاريع القطاع الخاص على أن يتبع هذه الهيئة صندوق لتمويل المشاريع الصغيرة بهدف الحد من الفقر.