«أبو الغيط»: جريمة الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا لا يمكن تحمله على أوضاع العمال في فلسطين    انطلاق دورة مهارات استلام بنود الأعمال طبقا للكود المصري بمركز سقارة.. غدا    انتشار بطيخ مسرطن بمختلف الأسواق.. الوزراء يرد    إزالة فورية للتعديات ورفع للإشغالات والمخلفات بمدن إدفو وأسوان والرديسية وأبوسمبل    توريد 27717 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    مرتبطة بإسرائيل.. إيران تسمح بإطلاق سراح طاقم سفينة محتجزة لدى الحرس الثوري    لقطات لاستهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي عناصر حزب الله في جنوب لبنان    "الفرصة الأخيرة".. إسرائيل وحماس يبحثان عن صفقة جديدة قبل هجوم رفح    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    السفير البريطاني في العراق يدين هجوم حقل كورمور الغازي    بعد الفوز على مازيمبي.. اعرف موعد مباراة الأهلي المقبلة    محمد صلاح على أعتاب رقم قياسي جديد مع ليفربول أمام وست هام «بالبريميرليج»    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    وزير التعليم يصل الغربية لتفقد المدارس ومتابعة استعدادات الامتحانات    بعد ليلة ترابية شديدة.. شبورة وغيوم متقطعة تغطى سماء أسوان    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق    10 صور من حفل عمرو دياب على مسرح الدانة في البحرين| شاهد    سينما المكفوفين.. أول تعاون بين مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير ووزارة التضامن    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    استاذ الصحة: مصر خالية من أي حالة شلل أطفال منذ 2004    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    المقاولون العرب" تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ السكان بأوغندا"    الإمارات تستقبل 25 من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    محافظ الغربية يستقبل وزير التعليم لتفقد عدد من المدارس    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    «اللتعبئة والإحصاء»: 192 ألفا و675 "توك توك" مرخص في مصر بنهاية عام 2023    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    أول تعليق من الإعلامية مها الصغير بشأن طلاقها من الفنان أحمد السقا    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة    محافظة القاهرة تشدد على الالتزام بالمواعيد الصيفية للمحال التجارية والمطاعم    هيئة كبار العلماء: الالتزام بتصريح الحج شرعي وواجب    متى يحق للزوجة الامتناع عن زوجها؟.. أمين الفتوى يوضح    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    وزارة الصحة: 3 تطعيمات مهمة للوقاية من الأمراض الصدرية    إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية الخطارة بالشرقية ضمن مبادرة حياة كريمة    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    استقرار أسعار الذهب في بداية التعاملات يوم السبت 27 أبريل 2024    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    الأهلي ضد الترجي.. نهائي عربي بالرقم 18 في تاريخ دوري أبطال أفريقيا    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    رسميا| الأهلي يمنح الترجي وصن داونز بطاقة التأهل ل كأس العالم للأندية 2025    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخدعة الكبري: أخطر تقرير تونسي .. يكشف أكذوبة الربيع العربي .. ويفضح حقيقة الإسلام السياسي
نشر في مصر الجديدة يوم 13 - 01 - 2013

هذا التقرير الصادر عن حزب التحرير - تونس، ذي التوجه الإسلامي الجهادي، يكشف الكثير من الحقائق من بين السطور، خاصة فيما يتعلق بما اشتهر بما يسمي "الربيع العربي" و"الإسلام الأمريكي"، ويميط اللثام - بحسب التقرير - عن استراتيجية الغرب الجديدة لإعادة استعمار المنطقة العربية، بأسلوب يختلف عن الاحتلال المباشر ولكن بالاحتواء واستخدام نموذج الحاكم الدمية فى يد الغرب، وصولا إلى إخضاع الشعوب نفسها عى المدي البعيد، وإلى سطور التقرير بالغ الخطورة، والذي تنشره "مصر الجديدة" دونما تصرف، وللقارئ العزيز استخلاص ما يشاء وفقا لثقافته الخاصة.



منذ فجر الإسلام، بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإلى قيام الساعة، والإسلام والكفر ضدّان لا يتقابلان، ولا يمكن الجمع بينهما، فهما لا يلتقيان إلا في حلبة الصراع الفكري، أو في ساحة النزال عسكرياً.
غير أن المعارك العسكرية وإن كان يحصل فيها قتل البشر، وتدمير المعدّات والممتلكات، فإن معارك الأفكار أشدّ خطراً من ذلك؛ لأن تأثيرها يدوم على الأمم والشعوب والأفراد لعقود، بل ولقرون طويلة أحياناً، لأنها المعارك التي ينتج عنها توجيه سلوك الأمم والشعوب والأفراد، وقلب طرق عيشهم، وأنماط حياتهم، وتغيير الغاية من وجودهم بتبديل وجهة نظرهم في الحياة.
وكانت المعركة الفاصلة والحقيقية التي أطاحت بدولة الخلافة الإسلامية بقيادة العثمانيين هي معركة أفكار، فبفعل الغزو الفكري وتسرّب الثقافة الغربية إلى عقول المسلمين الذين كانوا في حالة انحطاط فكري، تم الإجهاز على الدولة الإسلامية.
التجزئة، الاستعمار، الاستقلال
بعد هدم الخلافة، تم تجزئة البلاد الإسلامية، وتقاسمتها الدول الاستعمارية الكافرة فيما بينها ضمن اتفاقية "سايكس - بيكو" وأحالتها إلى دويلات وإمارات بحدود مصطنعة ، تم الاعتراف بها دولياً.
وبعد أن ركّز الكفار المستعمرين الفصل بين المسلمين، وبات أمراً واقعاً، جاءت فترة مسرحية الاستقلالات الوطنية. ذلك أنه بعد الحرب العالمية الأولى تبنّت روسيا بوصفها دولة شيوعية فكرة محاربة الاستعمار وهاجمته بضراوة، وحثت شعوب العالم على مقاومته والتخلص منه، وما أن جاءت الحرب العالمية الثانية حتى وجد رأي عام كاسح ضدّ الاستعمار.
وبما أن الاستعمار جزءٌ لا يتجزّأ من المبدأ الرأسمالي؛ بل هو الطريقة الوحيدة لنشر فكرته وتنفيذها، فقد تلقّفت أميركا هذه الفكرة _فكرة التحرر_ وسارت عليها وضغطت على الدول الاستعمارية للخروج من مستعمراتها طمعاً في أن تحل هي محلها ولكن بطريقة استعمارية جديدة وهو إقامة حكومات عميلة أو خاضعة للسيطرة الأجنبية، وهي الطريقة الجديدة للاستعمار التي سمّوها "تطوير الاستعمار".
يقول جون فوستر دالاس في كتابه "حرب أم سلام" الذي ألفه أوائل سنة 1950 تحت عنوان "التطور الاستعماري بديل عن الثورة العنيفة": "إن الوضع الاستعماري للغرب كان ينظر إليه دائماً من القادة السوفييت على أنه كعب _أخيل_ أي النقطة التي يستطيعون أن يضربوا فيها الضربة القاضية " ثم يقول: "عندما اقتربت الحرب العالمية الثانية من نهايتها كان الموضوع السياسي الوحيد ذو الأهمية الشديدة هو المستعمرات، ولو كان الغرب قد حاول أن يستمرّ في تخليد الاستعمار كأمر واقع لجعل ذلك من المحتم قيام الثورة المسلحة وكان من المحتم أن ينهزم أيضاً وكانت الخطة الوحيدة الممكن نجاحها هي الوصول بشكل سلمي إلى استقلال أكثر الناس رقيّاً من هؤلاء السبعمائة مليون نسمة التي تحت حكمهم".
تغيير أسلوب الاستعمار

بعد أن اطمئن الغرب الكافر إلى تركّز التقسيم والفصل بين المستعمرات في بلاد المسلمين، اتخذ اسلوباً جديداً في الاستعمار، فصارت السيطرة سيطرة سياسية واقتصادية عن طريق العملاء والمأجورين، بعد أن كانت سيطرة سياسية واقتصادية بواسطة القوة العسكرية، وظلت الشعوب تحت نير الاستعمار الجديد، يحكمها حاكم منصّب من طرفهم، هو في الحقيقة مجرّد حارس لمصالح الغرب في دول ناشئة لها عاصمة وعلم خاص وتاريخ استقلال يحتفل به لتركيز تجزئة البلاد الإسلامية واقعياً.
وإنه وإن كان المسلمون قد بذلوا الغالي والنفيس في مقاومة الاستعمار ولكنهم لم يجنوا من ذلك شيئاً، فقد سرقت منهم ثمرة جهادهم ولم يتحرروا من ربقة الاستعمار، بما صنعه الغرب من العملاء قدّمهم على أنهم زعماء نصّبوهم فيما بعد حكاماً للبلاد ديدنهم حماية مصالح أسيادهم.
وبذلك عمل الغرب الكافر على تأبيد استعماره لبلاد المسلمين بفكرة الاستقلال التي جعل منها وسيلة لتغيير طريقة الاستعمار، وانطلت هذه العملية التضليلية على المسلمين الذين قنعوا بذلك بعد أن اُشربوا كأس الوطنية حتى الثمالة، وبقي المخلصون من الأمة يعانون من الآثار السلبية لذلك مدة نصف قرن تقريباً وهم يعملون على معالجة الأمر وتنبيه المسلمين من غفلتهم.
الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية

وفي النصف الثاني من القرن العشرين؛ أي بعد ربع قرن تقريباً من إلغاء الخلافة، برزت الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية بإعادة الإسلام إلى واقع الحياة بإقامة الدولة الإسلامية. وكان ذلك على إثر قيام بعض الحركات الإسلامية المتعددة التي وإن تعثر بعضها في فهم فكرة الإسلام وطريقته ولكنها كانت بمثابة المنبّه لغفلة الأمة عن دينها .
"الصحوة الإسلامية"
ومع نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات من نفس القرن تنامت وتيرة الدعوة إلى تحكيم الإسلام في الحياة وبخاصة بعد قيام الثورة في إيران وظهور حكومة "تعلن لأول مرة مرجعيتها الإسلامية"، مما جعل الغرب يطلق على تلك الفترة تسمية "الصحوة الإسلامية"، وصعود الاسلام في نظر الامة الى سدة الحكم في بلاد تحكمها العلمانية أيقظ في المسلمين شعوراً بالثقة في الإسلام وأحكامه وبالتالي إمكان تطبيقه في معترك الحياة.
وكانت أميركا قد عملت في تلك الفترة على ضعضعة الاتحاد السوفياتي الذي استدرج إلى مستنقع الحرب على أفغانستان طمعاً في خيرات بحر قزوين، وما أن شارف القرن العشرين على النهاية حتى انهار الاتحاد السوفياتي انهياراً مدوياً، وغاب المبدأ الشيوعي من الوجود الدولي والعالمي نهائياً.
وكان ذلك إيذاناً بغياب القوة الرئيسية المنافسة لليبرالية الديمقراطية الغربية التي تتزعمها أميركا وتشاركها فيها دول أوروبا الغربية. فكانت تلك الحوادث إعلاناً رسمياً بانتصار الليبرالية الديمقراطية الغربية ممثلة في أميركا بخاصة على الشيوعية وتربّعها على القمّة العالمية وإدارة الموقف الدولي دون منافس.
مواجهة "الصحوة الإسلامية"
إن دول الكفر وعلى رأسها أميركا تدرك تمام الإدراك أن استمرار "الصحوة" في الأمة الإسلامية على الإسلام بتلك الوتيرة المتسارعة التي بدأت في ثمانينات القرن الماضي، سيضعهم مجدداً وبصفة مؤكدة في مواجهة مع الأمة الإسلامية.
لذلك بدأوا يفكرون في ترسيخ انتصار الليبرالية على الشيوعية ليصبح انتصاراً حاسماً على كل المشاريع السياسية التي تتناقض بصورة جذرية مع المشروع الليبرالي الديمقراطي، على أساس زعمهم أن هذا المشروع يمثل أفضل نظام سياسي عرفته البشرية أو يمكن أن تتوصّل إليه، وأن التاريخ قد توقف عند هذا الحد، ومن هنا خرج على العالم الكاتب الأميركي والمنظر الليبرالي المتطرف "فرانسيس فوكوياما" ليعلن "نهاية التاريخ" في ظل الليبرالية الديمقراطية قائلاً: "كلما اقتربت الإنسانية من نهاية الألف الثانية فإنه يلاحظ أن الأزمتين التسلطية والاشتراكية لم تتركا في ساحة المعركة إلا إيديولوجيا واحدة محتملة ذات طابع شمولي هي الديمقراطية الليبرالية، عقيدة الحرية الفردية والسيادة".
ولم يعد أمامهم وفي مواجهتهم _بعد انهيار الشيوعية_ مشروعاً سياسياً قائماً على عقيدة صحيحة سوى الإسلام، فالمسلمون أمة واحدة تتحد بعقيدة روحية سياسية وحدها القادرة على صرع الليبرالية الديمقراطية المسيطرة على عالم اليوم، وفيها قابلية توحيد الشعوب والأمم لأنها تجعل السيادة للمبدأ وحده، وبرغم أنه قد توقف تطبيقها بهزيمة أهلها وزوال دولتها، إلا أنها لا زالت كامنة وحية، بل فاعلة ومؤثرة.
"الصحوة الإسلامية" وشباب الأمة
ومن خلال ما أطلق عليه "الصحوة الإسلامية" عاد الإسلام يلهب حماس شباب المسلمين للوعي على حقيقته والعمل على إعادته إلى واقع الحياة بإقامة الحكم على أساسه، مما أدخل الرعب على الغرب الكافر وعلى رأسه أميركا التي سارعت بالتخطيط لمواجهة هذا الواقع الجديد.
وقد أخذت هذه المواجهة لواقع "صحوة" الأمة الإسلامية على دينها في أول الأمر أسلوب المكافحة بالقوة، فقد أوعزت إلى أذنابها من زعماء العصابات الذين مكنتهم من الحكم في بلاد المسلمين بالتشديد على شباب الأمة المخلصين المتحمّسين لنصرة دينهم، فامتلأت بهم أقبية السجون ونكّل بهم إلى حدّ القتل والتشريد والمحاربة في الأرزاق والتضييق عليهم في سبل العيش، وساروا معهم في خطة أطلقوا عليها سياسة "تجفيف المنابع" عبر عملية استئصالية واسعة.
غير أن ذلك لم يفتّ في عزم المخلصين من حملة الدعوة، فما زادهم ذلك إلا قوّة وإصراراً على مواصلة السعي الجاد لتحكيم الإسلام في حياة الأمة، وقد أزعجت هذه الظاهرة الساسة الأميركان الذين سيجدون صعوبة في إقناع المسلمين بالمفاهيم العلمانية وتمريرها، فضلاً عن أن يقع تركيزها في عقولهم، مما سيعني وجود الأجواء المناهضة للمصالح الأميركية في العالم الإسلامي.
وبفشل أسلوب القوّة في كسر عزائم المخلصين من حملة الدعوة إلى الإسلام لجأت أميركا إلى الأساليب "الناعمة" لتحقيق مصالحها. لذلك سارعوا بالتخطيط بعد دراسات واسعة ومعمّقة لواقع العالم الإسلامي وما يحصل فيه، والحركات القائمة فيه، ونفسيات القائمين عليها، وإمكانية استمالتهم والتعامل معهم، وعهدت بذلك إلى مراكز أبحاث ودراسات كرّست جهودها لرصد "الصحوة الإسلامية"، وما يمكن أن تؤول إليه، وبحث الأساليب والوسائل في مكافحتها عن طريق حرفها عن أهدافها الأساسية، وما يمكن أن يستخدم في ذلك من عمليات استخباراتية أو توجيه إعلامي بواسطة آلتهم الإعلامية الضخمة.
نقطة البداية
ما أشبه اليوم بالأمس، فإبان الحرب العالمية الأولى وبالتحديد بين سنتي 1916 و1918 ضلل الإنجليز العرب من المسلمين، فحفروا بينهم وبين إخوانهم من غير العرب خندقاً حتى لا يعقد فوقه جسر باشاعة ونشر القومية، فحرّضوا العرب ضد الدولة الإسلامية العثمانية وأطمعوهم بخلافة عربية، فحصلت تلك الخيانة الكبرى التي سميت ب"الثورة العربية الكبرى" والتي اقترفها الشريف حسين وأبناؤه بقيادة "لورانس العرب" وبتخطيط وتمويل من بريطانيا التي حصدت لوحدها ثمار ذلك في الحرب، وعندما انتهى دور حسين الخياني رمته رمي الكلاب نافية إياه إلى قبرص.
ويستمرّ مسلسل التضليل من أجل السيطرة على الأمة التي ضللوها عن النهضة والتحرر الحقيقي باتخاذهم من فكرة إنهاء الاستعمار وإعطاء الشعوب استقلالها اسلوبا جديدا في الاستعمار، وذلك في الفترة الواقعة بين أواخر الأربعينات وأوائل الستينات من القرن العشرين، فانسحبوا عسكرياً وأبقوا سيطرتهم على كل مقدّرات الشعوب بواسطة صنائعهم من الحكام الذين سلموهم ذلك بموجب المعاهدات العسكرية والسياسية والإقتصادية التي أبرموها معهم لكي يخلدوا إبقاء إرادة الأمة مرتهنة بيد أعدائها.
التخطيط لمشروع الشرق الأوسط البديل
ومنذ وصول الجمهوريين إلى السلطة في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر اتخذوا من السيناريو القديم _مع بعض التعديلات_ قاعدة لاستلاب ما تكوّن عند الأمة من توجه للتغيير على أساس الإسلام، وسلخ الأجيال القادمة عن إسلامها، وضرب كل محاولات التفكير في النهوض بالأمة، عبر تسريب وتطبيق ما سمي ب"فكرة الفوضى الخلاقة أو البنّاءة" التي تقع من "مشروع الشرق الأوسط الكبير" موقع الأسلوب والوسيلة الأكثر فتكاً بعناصر الوحدة في الأمة الإسلامية، باعتبار أن عملية التضليل بها ستسير في الجوانب الفكرية والسياسية والثقافية والإقتصادية.
من أجل ذلك أخذت أميركا توجّه عداء العالم نحو الإسلام باعتباره المبدأ الوحيد الذي يهدّد الحضارة الغربية، وجعلت من سياسة "الحرب العالمية على الإرهاب" ذريعة لضرب الإسلام وإقصائه من الحياة، وكان من الطبيعي أن تستهدف هذه الحملة الأميركية على الإسلام منطقة الشرق الأوسط باعتبارها حاضنة الإسلام جغرافياً وسكانياً.
ظهور مشروع الشرق الأوسط الكبير وحدوده
في مؤتمر قمة الثمانية الذي انعقد يومي 9 و 10 يونيو/حزيران 2004 وبعد مناقشات واسعة للمشروعين الفرنسي والألماني بخصوص الشرق الأوسط، تم الإعلان عن النسخة الأميركية للمشروع تحت عنوان "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي يشير وكما جاء في حيثيات نص المشروع نفسه إلى "بلدان العالم العربي، زائداً باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا وإسرائيل"، بحيث أنه بات يضم كامل بلاد العالم الإسلامي جغرافياً من أفغانستان شرقاً إلى المغرب وموريتانيا غرباً ومن تركيا شمالاً إلى اليمن والسودان جنوباً.
تركيز الديموقراطية ومحاربة الإسلام
ويتضمن هذا المشروع ضرورة تطبيق الديمقراطية في المنطقة وأنها "... لم تعد مجالاً للإختيار في التطبيق وعدم التطبيق" ذلك لأن "... منطقة الشرق الأوسط تواجه فيها _أي أميركا وأوروبا_ عدوّاً جديداً لم يكن قائماً من قبل وهو التعصّب الديني" مما يتطلب العمل على "... التركيز على تقليص دور الدين في الحياة العامة بالمنطقة .
وأن يكون الدين لا مجال له في الأحاديث والشعارات إلا في نطاق أداء الشعائر والطقوس الدينية.
وكذلك حصر نفوذ "رجال الدين" أو "الذين يحاولون خلط الدين بالسياسة "حتى لا يتخذه البعض "... ذريعة لوقف الإصلاحات السياسية وكل أنواع الإصلاحات. وعلى أن لا يكون للدين مجال في المسائل السياسية والإقتصادية أو إدارة الحكم بصفة عامة".
وبالتالي "دعم فكرة إمكانية فصل الدين عن الدولة حتى في الإسلام، وأن هذا الأمر لا يعرّض الإيمان للخطر بل قد يؤدّي إلى تعميقه".
خطوات تنفيذ المشروع
وعليه فان مشروع الشرق الاوسط الكبير يستهدف ضرب المنظومة القيمية عند المسلمين، وهذا أخطر ما في المشروع الأميركي على الأمة الإسلامية، وذلك بإعادة إنتاج أنظمة علمانية تابعة بقشرة إسلامية، والهدف من ذلك هو إيجاد تغييرات عميقة في الفكر والسياسة والثقافة بما يعوق ظهور الحضارة الإسلامية من جديد حتى لا تكون ندّاً للحضارة الغربية في هذا القرن.
وقد سبق ان مهدوا لتنفيذ المشروع بمطالبة الحكام بتنفيذ إصلاحات واسعة في الحياة السياسية من مثل تشجيع إنشاء (مؤسسات الحكم المدني) وتوسيع مشاركتها في السلطة، وإيجاد إصلاحات في التعليم، والقوانين ... إلخ.
واهم ما يقتضيه تنفيذ هذا المشروع "مشروع الشرق الأوسط الكبير":
1_ تغيير الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة من خلال انتفاضات شعبية، وبشكل يتراءى للشعوب أنها هي التي أنجزت عملية التغيير.
وبهذا تتجاوز تلك الحساسية عند أبناء الأمة الإسلامية تجاه الأنظمة التي تأتي على ظهر الدبابة الأميركية، وفي هذا الصدد يقول "ريتشارد نيكسون" في كتابه "أميركا والفرصة التاريخية": "هذا وعلينا في الوقت نفسه أن لا نذهب في علاقاتنا مع الدول العصرية إلى حدّ أن هذه العلاقة تصبح هدفاً لانتقادات المعارضة الداخلية، إن ذكريات عصر الاستعمار في كثير من بلاد العالم الإسلامي تجعل التأثير الغربي مسألة حسّاسة، ولذلك فإن علاقتنا الخاصة بشركائنا يجب أن لا تأخذ طابع علاقة التابع بالمتبوع، وعلينا أن لا نتعامل مع الزعماء العصريين كحاملي رسالتنا بل كشركاء متساوين، ذلك أن أقصر طريق للقضاء عليهم يكون في إعطاء الانطباع أنهم ليسوا أكثر من ناطقين بلسان الغرب".
ولا بد من إبعاد المشاركين في الانتفاضات عن طرح الشعارات الإسلامية التي توحي بالمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك بذريعة الحفاظ على الوحدة الوطنية.
ومع المباشرة بإجراءات تشعر المشاركين في الانتفاضات الشعبية في البلد التي تحصل فيه، أن الناس قد أصبح أمرهم بأيديهم، تجري الإشادة بالديموقراطية، وضرورة أن تكون صفة الدولة (دولة مدنية).
2- إيصال من يصفونهم (بالإسلاميين المعتدلين) إلى سدة الحكم، وذلك بصفقة تعقد معهم يوافقون بموجبها على بقاء استقلال البلد، وإنشاء دولة مدنية، وإجراء تعديلات على الدستور والقوانين لا تؤثر على تغيير الوجه العلماني للدولة، واعتبار وصول (الإسلاميين المعتدلين) للحكم مقدمة في أحسن الأحوال للسير نحو الحكم الإسلامي، وبذلك يضمنون (علمنة الدولة)، وإرضاء مشاعر جماهير الأمة العاشقة لإسلامها، وتتحقق خديعتهم الكبرى للمسلمين بتحويلهم عن المطالبة باستئناف الحياة الإسلامية، ووضع حد نهائي (لصحوتهم).
3_ التمهيد بأساليب خبيثة ومضللة للأمة لإحداث تقسيمات جغرافية في البلاد الإسلامية على أسس طائفية وعرقية، بما يحدث تعديلاً جوهرياً على اتفاقية "سايكس_بيكو" وهو ما سماه مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبغنيو بريجنسكي ب "تصحيح حدود سايكس- بيكو"، وذلك لإحكام القبضة على المنطقة .
تجاوب الحكام مع المشروع
بعد طلب أميركا من حكام المنطقة العربية بتنفيذ الإصلاحات الممهدة لتنفيذ مشروعها، بدأت كثير من الدول العربية تسارع إلى الإعلان عن تبنيها لخيار الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والتعددية السياسية والمجتمع المدني وتحديث التعليم وغير ذلك مما هو مطلوب أميركياً، حتى وإن كانت تسير فعلياً بما يتناقض مع ذلك بصورة جذرية.
فهذا الرئيس التونسي المخلوع الذي شدّد على أن يقع تعديل مشروع "عهد الوفاق والتضامن" الذي كان سيبحث في القمة العربية الملغاة، والتي كانت ستعقد بتونس يومي 29 و 30 آذار/مارس 2004 _شدّد_ بأن يقع التنصيص فيه على "تمسّك العرب بقيم التسامح والتفاهم ومبدأ الحوار بين الحضارات وتأكيد رفضهم المطلق للتطرف والتعصّب والعنف والإرهاب، وحرصهم على التصدّي لهذه الظواهر في إطار التعاون والتضامن الدوليين للقضاء على أسبابها" بالإضافة إلى "تعزيز الديمقراطية ودعم المجتمع المدني وتعزيز دور المرأة".
وقد لوحظ على هذا التعديل الاقتباس الواضح من "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الأميركي، وليس ذلك غريباً إذا علمنا علاقة المخلوع بأميركا وبالمخابرات الأميركية بالذات، وإذا عرفنا أنه زار أميركا يوم 17 شباط/فيفري 2004 أي قبل تاريخ القمة بأقل من شهر ونصف.
وهذا الرئيس "بوتفليقة" يتحدث عن التغيير في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي في بيروت فيقول: "فإذا أردنا نهضة جديدة علينا أن نكفّ عن حصرها في المجال الديني وحينذاك يمكن للعالم العربي أن يتصالح مع القيم العالمية" _أي قيم أميركا وأوروبا_ ويرجع عدم النهضة خلال القرن الماضي "... في الأساس لتصوراتنا الدينية ونظرتنا إلى العالم والحياة... ولم يعد التغيير مطلباً داخلياً بل شرطاً علينا أن ننفذه قبل أن يفرض علينا من الخارج...".
وكان المقبور"القذافي" قد قدم نصراً سهلاً لمشروع أميركا لإعادة صياغة المنطقة عندما أعلن عن فتح ليبيا أمام فرق التفتيش بعد قرار التخلص من أسلحة الدّمار الشامل مقدماً بذلك لأميركا خدمة جليلة، فكان التسليم الليبي العلني والطوعي لمتطلبات السياسة الخارجية الأميركية دعماً عملياً لنظرية "أحجار الدومينو" في تساقط الأنظمة طوعاً وتقديمها لأميركا فروض الطاعة بالموافقة العلنية على كافة الشروط المطلوبة واللازمة لما تسمّيه أميركا ب"الإصلاحات والحكم الصالح والرشيد" دون إراقة قطرة دم من جندي أميركي. فبدأ القذافي يُعدُّ ابنه سيف الإسلام ليكون خليفته، كما عمل على إبرازه كوجه معتدل ومنفتح على الغرب، حيث أعلن هذا الأخير عن مبادرته للإصلاح سنة 2006، دعا فيها إلى وضع دستور للبلاد وإعادة بناءً البلاد وفقاً لمؤسسات مربوطة بقوانين ومحمية بدستور.
وهكذا، أينما توجّهت الأنظار في بلاد المسلمين فإنها ترى الأنظمة الحاكمة مشغولة بمكافحة الإرهاب وتطوير مناهج التعليم ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة وسياسات السوق...، ولم يكن ذلك رغبة منهم في التطوير والتغيير بقدر ما كان انصياعاً للمطالب الأميركية بكل صغار.
على هذا الصعيد _صعيد الإصلاحات السياسية والإقتصادية والثقافية_ سارت أميركا في المنطقة الإسلامية، وهذا الموقف لم يكن ليعبّر في الحقيقة عن التزام (أخلاقي) تجاه الشعوب وإنما هو موقف راعت فيه ما يحقق مصلحتها بالدرجة الأولى، فهي لم تنظر إلى مصلحة الشعوب إسلامية كانت أم غير إسلامية، وإلاّ فلماذا كانت تدعم تلك الحكومات (الاستبدادية ) بكل السبل، وتمدّها بما تحتاج إليه من خبرات في التحقيق ووسائل التعذيب والقهر عبر دورات تدريبية لأعوان تلك الحكومات بواسطة أجهزة مخابراتها؟!
الإلتفاف على رغبات الأمة
فالمشروع الأميركي "مشروع الشرق الأوسط الكبير" إنما يراد به الالتفاف من قبل أميركا على رغبة الشعوب في التخلص من قهر الأنظمة المجرمة واستبدادها، تلك الرغبة التي أصبحت تهدّد مصالح أميركا بالخطر فيما لو نجحت الأمة الإسلامية في تحقيقها وتحرير إرادتها وأخذ زمام المبادرة، وهو ما دعا أميركا للانقلاب على الأنظمة الديكتاتورية التي أوجدتها ودعّمت بقاءها زمناً طويلاً، وبخاصة وأن خارطة القوى السياسية المتحكمة بمقاليد الأمور وأشكال الحكم القائمة في البلاد الإسلامية ومنها العربية لم تعد منسجمة مع التطورات السياسية الإقليمية والدولية، فأخذت أميركا تملي على الأنظمة التحوّل إلى الديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان والحريات العامة من أجل إسقاط بعض الحكام الذين استهلكوا وارتبطوا في ذاكرة الشعوب بالظلم والاستبداد بعد أن تستنزفهم لتثبيت "إصلاحاتها" قبل كنسهم والاستغناء عنهم، ولأجل تقوية دعائم الحكم في البلاد العربية التي يجري إعادة إنتاج لحكامها.
وقد أدركت أميركا زعيمة الغرب الكافر أن القضاء على الإسلام وحضارته لا يفلح معه في ذلك استخدام القوة المادية، فقد استخدمها الصليبيون من قبل للقضاء على الدولة الإسلامية والأمة الإسلامية فباءت جميع محاولاتهم بالإخفاق في تحقيق أغراضها، فقد كان المسلمون كلما هزموا في موقعة سرعان ما يعيدون رصّ صفوفهم وتجميع قواهم وكان النصر في النهاية حليفهم، هذا تاريخياً أما في السنوات الاخيرة فإن أميركا وجدت مقاومة شديدة في العراق وفي أفغانستان رغم كل ما فعلته من تنكيل واشعال للفتن بين المسلمين.
معركة العقول والقلوب
لذلك سلكت أميركا في محاربة الإسلام طريقاً أخطر (معركة العقول والقلوب) أي محاربة المسلمين فكرياً ومشاعرياً، وذلك بالدسّ والتشويه وتغيير الحقائق والمفاهيم الأساسية بغاية تركيز مفاهيمها العلمانية ووجهة نظرها في الحياة، ونشطت في ذلك وبخاصة بما تملكه من الوسائل والأساليب والأجهزة الاستخبارية والآلة الإعلامية الضخمة.
وابقت على غاية اساسية من الأعمال العسكرية التي قامت وتقوم بها في العالم الإسلامي وهي الحرب النفسية لإحداث الشلل في قدرات الأمة على مقاومة أعدائها، فهذا تقرير "ستراتفور" الذي صدر في أميركا في منتصف شهر تشرين أول/أكتوبر 2002 يذكر "أن الإصرار الأميركي على ضرب العراق على الرغم من معارضة معظم دول العالم يهدف إلى خلخلة النفسية الإسلامية وإصابتها بالإحباط واليأس وإشعارها بالعجز الشديد في إمكانية تهديد المصالح الأميركية في المنطقة في العاجل أو الآجل أو معارضة مشاريع الأمركة السياسية أو الإقتصادية أو الثقافية"، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2002 ذكر الرئيس الأسبق للمخابرات الأميركية "جيمس ويلسي" في كلمة ألقاها خلال مناظرة نظمها اتحاد الطلبة في جامعة "أوكسفورد" البريطانية بعنوان "الحرب على الإرهاب": "أن الولايات المتحدة الأميركية ستعمل عل تغيير الحكم في جميع الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية بعد الانتهاء من العراق" وقال "إن الحرب التي تنوي الولايات المتحدة الأميركية شنها على العراق لا ترتبط بالضرورة بموضوع أسلحة الدّمار الشامل بل هي أساساً لنشر الديمقراطية في العالمين العرب والإسلامي".
فرية الإسلام المعتدل "الأميركي"
وإمعاناً في تضليل المسلمين بدأت أميركا تروّج للفرية الكبرى المسماة "الإسلام المعتدل" و"الإسلام الديمقراطي المدني" وهو الإسلام الذي يقبل بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والتعددية السياسية والدولة المدنية، وبعبارة أخرى هو الإسلام الذي يصاغ كديانة روحية لا علاقة له بالحياة، وبتعبير زعيم حركة النهضة بتونس راشد الغنوشي هو إنجاح العلاقة بين التيارين الإسلامي والعلماني المعتدلين وتحقيق الانسجام بينهما.
ولقد طرح هذا المشروع "الإسلام المعتدل" في كواليس القرار الأميركي ورسمت أميركا خطتها للعالم الإسلامي، فحددت الغايات والأعمال والأدوار والأدوات، وحسمت صعيد المعركة في منطقتنا على أنها "معركة كسب العقول والقلوب" لذلك انصبّت عنايتهم على إيجاد قناعة عند المسلمين _تضليلاً لهم_ بإبقاء الإسلام صافياً نقياً بعيداً عن تجاذبات السياسة القذرة وخداع ونفاق السياسيين!.
ففرية "الإسلام المعتدل" تعتبر من وجهة النظر الأميركية أفضل صيغة لإفراغ الإسلام من مضامينه الحضارية، وهو الكمين الاستراتيجي الذي تضمن به تبعية العالم الإسلامي وإعاقة أي انبعاث حضاري على أساس الإسلام، وبالتالي تخليد السيطرة المحكمة على المنطقة.
استخدام "الإسلاميين المعتدلين"
وحتى تكون مشاريعها وسياساتها مقبولة من طرف المسلمين، عملت لأن تكون منفذة بأيدي المسلمين أنفسهم، فعمدت على دعم علاقاتها بمن صنّفتهم ب "الإسلاميين المعتدلين" واحتضنتهم من خلال إيجاد شبكات ضخمة تتحدث بلسانهم وتعبّر عن أفكارهم تمهيداً لإدماج هذه الشريحة من المسلمين بالسياسة العامة، وقد تم تعريفهم حسب دراسات مؤسسة "راند" الأميركية بأنهم: "الذين يشتركون في الإيمان بالأبعاد الأساسية للثقافة الديمقراطية"، "وهم الذين خطوا خطوات أوسع من أجل إحداث تغييرات جذرية في فهم وتطبيق "الإسلام المعتدل" ويرون أن هذا التغيير هو نتيجة حتمية لتغيّر الظروف التاريخية والاجتماعية... وأن القيم الأساسية عندهم هي تعزيز الضمير الفردي وبناء مجتمع على أسس المسؤولية الاجتماعية والمساواة والحرية بما يمكّنه بسهولة أن ينسجم مع المعايير الديمقراطية الحديثة"؛ لهذا كله تقصّدوا إبرازهم وتلميع صورتهم على أنهم دعاة الوسطية والاعتدال والتيسير والعقلانية في مواجهة من يسمّونهم إرهابيين ومتطرفين وأصوليين جامدين.
لذلك مدّت أميركا أيديها لبعض قيادات الحركات والرموز الإسلامية التي تميل لهذا النهج وعقدت معهم صفقات على تمكينهم من الحكم والسلطة ودعمهم فيها مقابل التزامهم ب:
أولاً: تشجيع وتأييد الديمقراطية وحقوق الإنسان المعترف بها دولياً _بما فيها المساواة بين الجنسين وحرية العبادة_ وذلك يقتضي الالتزام بالديمقراطية كما تفهم في إطار التقليد الغربي، والموافقة على أن الشرعية السياسية لا تصدر إلا عن إرادة الشعوب التي يتم التعبير عنها من خلال الانتخابات الحرة والديمقراطية، وهذا شرط أساسي في تعريف "الإسلاميين المعتدلين".
ثانياً: القبول بمصدر للقوانين غير قائم على أسس طائفية، في إشارة للعقيدة الإسلامية. فالخط الفاصل بين "الإسلاميين المعتدلين" والأصوليين هو المناداة بتطبيق الشريعة، وأن التفسيرات المحافظة للشريعة تتناقض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهنا يعرف "الإسلاميون المعتدلون" أنفسهم بأنهم يريدون إيجاد دولة مدنية وليست دينية، متجاهلين أن سبب تسمية الدولة بالمدنية يعود إلى كون مصدر التشريع فيها هو القانون المدني.
ثالثاً: احترام التنوّع السياسي والديني والثقافي مع التركيز على احترام حقوق المرأة والأقليات الدينية، ف"الإسلاميون المعتدلون" يجب أن يرحّبوا بالحركات النسائية والتعددية الدينية والحوار بين الأديان، وأن يعترفوا بأن التعليمات الواردة في القرآن والسنة والتي "تميّز" الرجل عن المرأة _مثل حصول الأنثى على نصف نصيب الذكر في الميراث_ يجب أن يُعاد تفسيرها في ظل الفارق الزمني والظرفي، وأنهم يؤيّدون المساواة القانونية الكاملة في المواطنة بين المسلمين وغير المسلمين، وبخاصة ما يتعلق بإلغاء فكرة الجزية.
رابعاً: معارضة الإرهاب كما يفهمه الغرب وأي شكل آخر من أشكال العنف ضدّ المدنيين، واعتبار العمليات الانتحارية إرهاباً غير مشروع. والغاية القصوى من وراء ذلك هو ضرب مفهموم الجهاد وتجريمه دوليا كخطوة لإزاحته من الثقافة والفكر عند المسلمين وخاصة في مناهج التعليم وخطب الجمعة.
فهذه هي الإستراتيجية الأميركية الجديدة في العالم الإسلامي، استراتيجية تقوم على استخدام القوّة "الناعمة" من خلال دعم "الإسلاميين المعتدلين" والتركيز على الوجود الإقتصادي والسياسي والمدني والاستخباراتي وحكم السفارات بدلاً من الوجود العسكري.
هكذا سارت أميركا مع "الإسلاميين المعتدلين" في تركيا، فمكنتهم من الوصول إلى الحكم ودعّمتهم فيه، فانتهجوا علمانية الدولة وطبقوا الرأسمالية في المستوى الإقتصادي وساروا في الليبرالية الديمقراطية في أدق تفاصيلها، ثم جعلت منهم نموذجاً يُحتذى، فاقتفت على آثارهم حركة النهضة بتونس والإخوان في مصر، والحبل على الغارب.
فهذا داهية أميركا الخبير والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط وزير خارجيتها الأسبق "هنري كيسنجر" يصرح في أيلول/سبتمبر 2012 قائلا :"إن هناك سبع دول عربية تمثل أهمية استراتيجية واقتصادية للولايات المتحدة، وكل الأحداث التي تجري في هذه الدول تسير بشكل مرضي للولايات المتحدة وطبقاً للسياسات المرسومة لها من قبل".
حقيقة "الربيع العربي"
وأما الذي سُمي ب"الربيع العربي" وما شهده من انتفاضات أسقطت بعض الأنظمة المستبدة في المنطقة العربية ولا يزال يواصل صيحاته التغييرية حتى الآن، فإن حقيقته ليست كما يروج لها الإعلام الدولي والإقليمي ويتم تسويقه لعامة الناس بالكذب والتضليل، ذلك أن كمّا هائلاً من الريب يخيّم على تلك الروايات حول تلك الأحداث.
فالآن وبعد أن هدأت العاصفة وأمكن للإنسان أن يفكر بعيداً عن ضغط الأحداث وتسلط الرؤية الآحادية لها، وبعد ظهور معطيات الفهم والتحليل بما يمكّن من قراءة دقيقة ومتأنية للمشهد، نؤكد أن الذي جرى هو أقرب شيء للأمر الذي دبّر بليل، إذ لم يعد خافياً على العقلاء بأن الأزمة التي أطلقت عليها أميركا اسم "الربيع العربي" تتجه في مسار "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، وهي مؤامرة كبرى غايتها إنتاج ثقافة جديدة في السياسة والنظم الإقتصادية والتعليمية والثقافية، تسعى أميركا لتثبيتها عبر ما سمّي ب"ثورات الربيع العربي" التي احتضنتها وموّلتها بشكل خفيّ حتى بدأت خيوط المؤامرة تتضح واللمسات الغربية الأميركية الخبيثة تظهر على السطح.
وظهرت الصورة أكثر وضوحاً من خلال تحليل صحيفة "الغارديان" البريطانية التي رأت "أن الغرب لا يكل ولا يمل أبداً في سعيه للسيطرة على الشرق الأوسط مهما كانت العقبات" معيدة إلى الذاكرة حقبة الاستعمار الغربي المباشر للبلدان العربية والإسلامية بعد تقسيمها، وأكدت "أن أميركا وحلفائها عملوا على ترويض "الإسلاميين المعتدلين" وإصعادهم إلى الحكم" وفي أيديهم وثيقة تطبيق الديمقراطية والسير في سياسات السوق الرأسمالية بعيداً عن أحكام الإسلام و"تفسيرات الشريعة".
وما يجب أن لا يغيب عن الذهن أن الغرب لم ولن يتنازل عن مصالحه في منطقة الشرق الأوسط بسهولة، لذلك فهو لما تبيّن له أن الحكام الرويبضات زعماء الأنظمة الاستبدادية الذين حافظوا على تلك المصالح يسيرون إلى نهايتهم قرر استباق الأحداث فاعتمد طريقة جديدة في السيطرة، ومن هنا جاءت فكرة الانتفاضات السلمية التي بدأ الإعداد لها منذ فترة حكم "بوش الابن" وتحول نظرة الأميركان إلى "الإسلاميين المعتدلين"، فبعد أن كان ينظر إليهم على أنهم "الآخر الغريب" والعدوّ الموسوم بالإرهاب والتزمّت تحوّلوا في نظر الأميركان إلى "الأنا البديل" والمرغوب فيه بعدما عقدت معهم صفقات والتزموا بما ألزمتهم به.
فقد تكلم عشرات المفكرين والسياسيين والمحللين والكتاب عن هذا الموضوع وأشبعوه درساً وتحليلاً وتمحيصاً وأكدوا بما لا يدع مجالاً للشك بأن أياد خارجية تدخلت في مسار الأحداث وسارت بها في الوجهة التي تريد مع ذلك المدّ الشعبي الذي عانى سنوات طويلة من ظلم الأنظمة الفاسدة وعسفها، كما أكدوا أن ما سُمي ب"الربيع العربي" ما هو إلا وهم، وأن أميركا بواسطة مخابراتها وآلتها الإعلامية الضخمة هي التي كانت وراء ذلك بغاية صياغة المنطقة من جديد، هذه الصياغة التي تستلزم تقويض عروش الحكام الذين استهلكوا بيد شعوبهم حتى إذا ما جاء الحكام الجدد تراءى للشعوب أنها هي التي جاءت بهم، وفي هذا الصدد تم دفع شباب الأمة لحمل مفاهيم الغرب من ديمقراطية ودولة مدنية وتم تضليلهم بأنها لا تخالف الإسلام كما تم تقصّد جعل تلك المفاهيم والشعارات وكأن الشعوب هي التي اختارتها.
التدريب على الاحتجاج السلمي
ولذلك وقع استغلال طاقة شباب الأمة واندفاعهم فتلقوا تدريبات في صربيا على إذاعة الاضطرابات وتهييج الجموع من الناس، وقد أنفقت الحكومة الأميركية _حسب رصد لوكالة الأنباء الفرنسية_ على مساعدة النشطاء وحماية أنفسهم من الاعتقالات والملاحقات من جانب الحكومات الاستبدادية خمسين مليون يورو في العامين قبل انطلاق شرارة ما سُمي ب"الربيع العربي". وهنا أكد اللواء حسام سويلم الخبير المصري الاستراتيجي في حوار مع قناة "الحياة الفضائية" أن "تقرير المعهد الدولي لبحوث العولمة في واشنطن أفاد بأن وكالات المخابرات الأميركية والبنتاغون قاما بإعداد مخططات لتغيير الأنظمة الحاكمة بطرق غير تقليدية وتبدأ بتحريك مجموعات شبابية ترتبط بوسائل إلكترونية تمارس الاضطرابات وأساليب الكرّ والفرّ والتحرك مثل أسراب النحل وذلك بهدف خلق أنظمة حكم موالية للولايات المتحدة تسهم في تنفيذ مخططاتها".
فما جرى في تونس ومصر واليمن وليبيا والآن في سوريا لا يخرج عن هذا الاتجاه، وما جرى لم يكن مع ذلك وليد صدفة ولا سهواً، بل إن المتابعة السياسية والوعي على الأحداث يفرضان وجود منظرين ومهندسين وأدوات عمل وراء كل ذلك، فالذي جرى ويجري في هذه البلدان لا يمكن أن يكون ثورة ولا يعدّ في باب الثورات؛ لأن الثورة في المجتمع يفترض أن تسبقها ثورة فكرية عارمة تمهّد لها، والثورة الفكرية لا بدّ أن تهيء لوعي عام ينبثق عنه رأي عام على فكرة معينة يراد إيجادها في واقع الحياة بدلاً عن الأوضاع التي كانت سائدة، فالثورة لا تصنع صناعة فورية وإنما تتقدمها إرهاصات فكرية تهيء لها، ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب باعتبارها فعل تغييري انقلابي جذري وشامل لا يتم بطريقة "ضغطة على الزر" من طرف قوى خارجية لا يصحّ أن يتصوّر أحد أنها تسعى لتحرير الشعوب، بل إنها لا تريد إلا مصالحها فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.