العاشرة صباحا. فتاتان يبدو عليهما الارتباك، تقفان خارج البوّابة الرئيسية لمحطة مترو الجيزة، تلوم إحداهما صديقتها "مش قولتلك منجيش المترو؟ كان زمانّا وصلنا"، تنظر الثانية بيأس تجاه أربعة صفوف ممتدة بعرض نوافذ صرف التذاكر، تتمتم قائلة "ما تيجي نركب من برة، إن شاالله حتى ناخد تاكسي". الاستسلام سيد المشهد. لا تٌنذر وجوه المواطنين -الواقفين داخل محطة الجيزة- بغضب بعد ارتفاع سعر تذكرة المترو، الخميس الماضي، إلى ثلاثة، خمسة وسبعة جنيهات. همّ وحيد فقط يجمع الصفوف الطويلة؛ أن تنتهي دقائق العذاب الطويلة للحصول على صك العبور. خارج محطة الجيزة، تناثر أفراد الأمن هُنا وهُناك، سيارة مُصفحة وحيدة وقفت بجانب السُلم، مواطنان تساءلا فيما بينهما عن سبب الانتشار الأمني، قبل أن يكملا طريقهما ليحصلا على دور بجوار الآخرين. أربع لافتات جديدة وضعتها هيئة المترو فوق شبابيك التذاكر؛ اثنان للتذكرة فئة الثلاثة جنيهات، والآخران للفئتين المتبقيتين. كانت أعين الناس تدور بينها. يعد أحدهم على أصابعه المحطات؛ ينتظر في الصف، ثم يقول للصرّاف "عايز واحدة بخمسة جنيه"، فيسأله "رايح فين؟"، يحتدم الحديث، فيصرخ الرجل "أنا حسبتها.. اديني واحدة بخمسة وخلاص"، يسوء الوضع، يعلو صوت الواقفين في الصف "خلصونا يا جماعة احنا تعبنا وعايزين نشوف أشغالنا". في آتون الزحام، لا مكان ل"الجدعنة". شاب مبتسم سأل ثلاثة من أهل الصف، ليحضر له أحدهم تذكرة؛ فقوبل طلبه بالرفض "اقف في الطابور زينا"؛ تغيّر وجهه، يأس من المحاولة، واتخذ مكانا في نهاية الخط الطويل، فيما تقدمت سيدة مُسن لتطلب نفس الشيء، فأخد أحد الواقفين الجنيهات منها مُجبرا، بينما طافت فتاة تسأل الضباط الموجودين المساعدة "عندي امتحان ومتأخرة، ينفع مقفش في الطابور؟". التواجد الأمني لم يكن مكثفا في محطة الجيزة فقط، انسحب الحال على باقي الخط وصولا إلى المنيب. على رصيف محطة ساقية مكي، وقف بضعة مواطنين وأفراد أمن، فيما بدت الأوضاع أكثر هدوءً داخل مبنى المحطة. اللافتات الجديدة وُضعت في أماكنها، لا تزاحم أمام الصرّافين، لم يمنع ذلك سيدة عجوز من قول "حسبي الله ونعم الوكيل في الظلمة" بصوت مرتفع، حتى طلبت منها ابنتها التوقف، غير أن الأم ما انفكت تكرر الجملة، ثم اقتربت من أحد أفراد الأمن سائلة إياه: "يرضيكوا كدة يابني اللي بيحصل؟، نروح شبرا بسبعة جنيه؟"، لكن الشاب احتفظ بصمته. لم يتوقف مذياع المحطات عن إعلان أسعار التذاكر الجديدة والاشتراكات. إحدى الأمهات في محطة المنيب، أسندت ظهرها إلى الحائط، في انتظار حصول ابنها على التذاكر، بدا التعب على وجهها، بينما روت لفتاة تقف جوارها مأساتها مع المواصلات "وقفنا تحت ساعة عشان نهرب من المترو، ملقيناش حاجة رايحة رمسيس، فاضطرينا نيجي تاني، قلت للواد في داهية الخمسة جنيه بتاعة التذكرة"، ضحكت الفتاة بمرارة، وعلقت سيدة ثالثة "ربنا يحيرهم زي ما حيّرونا كدة". لا حيلة أمام الجميع سوى الدفع، غير أن البعض تحايل على الوضع توفيرا للنفقات؛ كتلك السيدة التي جعلت ابنها صاحب السبعة أعوام يحني ظهره ليعبر من الماكينة، أو ذلك الرجل الذي أعطى 3 جنيهات لأحد الواقفين في الصف، طالبا منه تذكرة، لكن الأخير طلب منه معرفة الوجهة، فما كان من الراكب إلا أن قال "هات بس واحدة ب3 جنيه ولما التسع محطات يخلصوا ربنا يحلها".