تمر العلاقات الأمريكية الباكستانية حاليا بحالة من التوتر عكستها تراشقات ساسة البلدين إزاء أنشطة مكافحة الإرهاب في أفغانستان حيث ترى إسلام آباد أن ما تبذله من تضحيات في معركة الإرهاب لا يقابل بالاحترام والتقدير الواجب من الولاياتالمتحدة بل يواجه بإنكار واتهامات مضادة. وقال وزير الخارجية الباكستاني عاصف خواجة أن الولاياتالمتحدةالامريكية لن تحقق النصر الذى تنشده على قوى الارهاب في الاقليم الأفغاني إذا استبعدت باكستان من معادلة مكافحة الارهاب او دخلت واشنطن فى مواجهة مباشرة مع باكستان، وجاءت تصريحات وزير الخارجية الباكستاني في ختام مؤتمر استمر ثلاثة ايام بمقر الخارجية الباكستانية مع السفراء والعاملين فى الوزارة حيث اكد على ان إسلام آباد تعتبر نفسها شريكا للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب في أفغانستان. واعتبر المراقبون في العاصمة الباكستانية إسلام آباد تصريحات وزير الخارجية الباكستاني بمثابة رد على انتقادات حادة صدرت عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للدور الباكستاني في مكافحة الارهاب واتهامه للنظام الباكستاني بإيواء الارهابيين من عناصر طالبان وشبكة حقاني واللتان تعدا أكبر قوتين نشطتين فى مواجهة العمليات العسكرية الامريكية فى افغانستان . وفى مطلع سبتمبر الجارى قررت إدارة ترامب تعليق مساعدات عسكرية أمريكية لباكستان بقيمة 225 مليون دولار أمريكى كإجراء عقابي ممتد طالما لم تقم باكستان بسحق جماعات مصنفة إرهابيا تزعم الولاياتالمتحدة قيام إسلام آباد بدعم انشطتها فى أفغانستان وأمهلت واشنطن إسلام آباد حتى الثلاثين من سبتمبر الجارى لتغيير مسلكها والاستجابة إلى المطالب الامريكية كشرط لاستمرار المساعدات الامريكية التى انهالت على باكستان بالمليارات طيلة عقود سابقة. وأتى قرار تعليق المساعدات العسكرية الامريكية كتغير دراماتيكى فى مسار علاقات التعاون الأمنى والعسكرى الباكستانية الامريكية التى امتدت لأكثر من ستة عشر عاما منذ الحرب الافغانية، وبعد انقلاب التحالف بين واشنطن إلى جفاء هددت الادارة الامريكية بمزيد من العقوبات الاقتصادية والعسكرية على باكستان اذا لم تكف عن دعم المنظمات المتطرفة النشطة فى افغانستان وإيواء قياداتها وهو ما قد يضر بوضعية باكستان بالنسبة للقيادة العسكرية الامريكية التى تعتبرها حليفا من خارج حلف شمال الاطلنطى" وهى الاتهامات التى تنفيها باكستان. وفى الوقت الذى اعتبر فيه المحللون السياسيون أن العلاقات الأمريكية الباكستانية هى حاليا فى ذروة توترها تحذر السلطات الباكستانية من تحرك أمريكى يهدف إلى اقحام الهند في الملف الافغانى كبديل عن باكستان وفي هذا الصدد قلل وزير الخارجية الباكسانى من أثر هذا التوجه الامريكى مؤكدا أن علاقات إسلام آباد وواشنطن يجب أن تقوم في الاساس على الاحترام المتبادل و المصالح المشتركة نافيا دعم بلاده لاية انشطة ارهابية في افغانستان. وكان لافتا أن تشهد مدينة باكستانية تظاهرات معادية للولايات المتحدة وصلت إلى حد إحراق المتظاهرين لصور الرئيس الامريكى دونالد ترامب، وقد حدث ذلك فى الثلاثين من اغسطس الماضى فى مدينة بيشاور الباكستانية، وقد جاء ذلك على إثر تهديدات من الادارة الامريكية تناقلتها وسائل الاعلام الغربية بعقوبات محتملة على باكستان و مزيد من الضغوط الدبلوماسية و الاقتصادية عليها لما تعتبره الادارة الامريكية تخاذلا من جانب الادارة الباكستانية عن محاربة الارهاب فى الميدان الافغانى. فيما تتهم السلطات الباكستانية الولاياتالمتحدة بنشر بذور الجماعات المسلحة فى أفغانستان منذ ثمانينيات القرن الماضى لمواجهة القوات السوفيتية، تنظر باكستان لنفسها كصاحبة فضل فى بناء تحالف مخابراتى بين إسلام آباد وواشنطن يقوم بمهمة تدريب أجهزة الأمن و الاستخبارات الافغانية وتنفيذ عمليات مشتركة مع الجانب الأمريكي لمواجهة الإرهاب المسلح على الأراضي الافغانية وهو ما كان موضع إشادة من جانب وزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلينتون أمام الكونجرس الأمريكي في أبريل 2009، وفيما تلى ذلك من أعوام عملت الاستخبارات الباكستانية على مد حبال التواصل مع الفصائل الافغانية المتناحرة واستطاعت الاستخبارات الباكستانية التأثير على مجريات الصراع السياسي في كابول في تسعينيات القرن الماضي في أعقاب انسحاب القوات السوفيتية الغازية، لكن دوائر الاستخبارات الامريكية اتهمت إسلام آباد بالسعي إلى توظيف هذا الدور سياسيا من خلال حشد بعض الفصائل المسلحة الافغانية وتدريبها فى باكستان على شن هجمات على مناطق سيطرة و تمركز القوات الهندية فى اقليم كشمير المتنازع عليه، وتعتبر الدوائر الاستخبارية الامريكية أن إعطاء باكستان مساحة عمل لتلك الفصائل الافغانية المسلحة قد مكنها من تشكيل بؤر للقوة والتأثير فى داخل المجتمع الباكستاني وحولها من جماعات مسلحة "مأجورة" إلى قوات "مناضلة" وهو ما عزز المكانة الدينية لتلك الجماعات وانعكس بالايجاب على دورها على الساحة الافغانية الرامي الى التمدد وكسب الارض والنفوذ المسيطر. ويبدي مسئولو الاستخبارات الامريكية تشككا فى امكانية اقدام الاستخبارات الباكستانية على قطع علاقات تعاونها الخفى مع جماعتى حقانى و طالبان الارهابيتين حيث تعتبرهما باكستان قوتين مقاومتين للتدخل الهندى المتعاظم في افغانستان يتمتعان بولاء للدولة الباكستانية حتى وأن كان ولاء "سريا"، ويقول خبراء ادارة الازمة في وكالة الأمن القومي الامريكية أنه في حالة استمرار الضغط الامريكى على الادارة الباكستانية فإن اسلام اباد قد لا تجد بديلا سوى التوجه صوب روسيا والصين بل وربما الى ايران و تركيا ايضا لمعادلة الضغوطات الامريكية.