آلاء عبد الرافع، أسماء حجاجي: "إحنا بنشتري راجل" الجملة المعتادة التي يسمعها أي شاب مقبل على الزواج، غير أن الحقيقة هو أن هذه الجملة هي بداية توريط الشاب "العريس" في شِباك مطالب العروس وأهلها، إذ سرعان ما تظهر حقيقة الأمر، لتكون الأسئلة للعريس هي: هاتجيب شبكة بكام؟ كام غرفة؟ هاتعمل الفرح فين؟ هاتكتب مؤخر بكام؟ وغرفة الأطفال على مين؟ والنيش والسفرة؟ وفستان الفرح إيجار ولا هتشتريه؟ عادات لم تتغير في المجتمع الصعيدي منذ عقود، حتى أصبحت العائلات تتبارى فيما بينها بما جلبوه للعروس، كما تسببت هذه العادة في وقف العديد من الجوازات، وخلقت خلافات عدة انتهى بعضها بالطلاق المبكر. ويعتبر الصعايدة من أكثر الشعوب تمسكا بالعادات والتقاليد الموروثة، وعادات الزواج لديهم لم تتغير منذ عهد الفراعنة، المتمثلة في دبلة الخطوبة، التي أطلق عليها قديمًا "حلقة البعث" و"عشا الصباحية" و"شنطة العروسة" و"رد النيشان" وفستان الفرح والكوافير والقاعة والشبكة، وكلها أمور مادية تفوق الوصف. شنطة العروس عبارة عن ملابس العروسة بالكامل، يدفع ثمنها العريس قبل عقد القران بيومين، وتقدر من ألف جنيه إلى أربعة آلاف جنيه. رد النيشان وهو عبارة عن زيارة لأهل العروس ترد لأهل العريس عقب الخطوبة بعدة أيام، وتحتوي على عجل صغير ومعه من 30 إلى 40 كيلو جرام لحوم، وجوال دقيق ومخبوزات وفاكهة وحمام وخضروات وأرز وغيرها. عشا الصباحية هو عشاء يقدمه أهل العروس للعريس كل صباح ولمدة 15 يومًا، وهو ما تشتهر به قرى عديدة. الطلاق المبكر تقول ع . م، مطلقة: خسرت زوجي قبل أيام من الزفاف بسبب أقاربي وإصرارهم على أن يكون "النيش" كبير الحجم، بالرغم من ملاءمة الجهاز الخاص بي مع حجم نيش بيت زوجي، ولكن انتهى الأمر بالطلاق. وتحكى ندا أحمد، ربة منزل، أن والدها اختلف مع زوجها على عدد التكييفات وأجهزة التليفزيون بالمنزل، حيث طلب منه 3 أجهزة تكييف و2 تليفزيون، ولكني اعتبرت ذلك أمرًا تعجيزيًا لشاب في مقتبل حياته، ورغم موقف والدي وافقت على ما يستطيع عليه زوجي فقط. ارتفاع الطلاق وسجلت حالات الطلاق ارتفاعًا ملحوظًا في عام 2012، إذ بلغت 155.3 ألف حالة طلاق مقابل 151.9 ألف حالة عام 2011، بزيادة نسبتها 2.2%، وفقًا لجهاز التعبئة الإحصاء. أما نسبة الطلاق ما بين 30 إلى 35 سنة فقد بلغت 20% لعام 2013، أي ما يعادل 30 ألف حالة، وفقًا لمركز التعبئة والإحصاء، فإن 240 حالة طلاق تحدث يوميًا، أي بمعدل حالة طلاق كل 6 دقائق، والمطلقات وصلن ل2.5 مليون، وفقًا لإحصائية مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، كما أن معدلات الطلاق في مصر تتزايد بنحو 5 آلاف حالة سنويا، منها 86 ألفا فى مناطق الحضر، ونصيب الريف نحو 75 ألف حالة. تعجيز الشباب تقول مريم محمد، طالبة، إن البطالة وقلة المرتبات أحد أسباب عجز الشباب عن تلبية مطالب أهل العروس، فقد أصبح العديد من الشباب الآن يعتمد على والديه بشكل كبير في تجهيزات الزواج، فضلًا عن الطلبات المتزايدة من قِبل الأهالي ليكونوا أسوة بأقاربهن، وعدم إلحاق العار بهم كما يشاع في قرى قنا. وترى مريم ضرورة مراعاة الأوضاع المادية للشباب، وعدم تحميلهم أعباء زائدة على قدراتهم المادية المحدودة، والنظر إلى أخلاق الشاب بدلًا من المظاهر الزائفة. "الشوار" وتقول هند يوسف، معلمة، تعددت الخلافات بين أهلي وزوجى بسبب "الشوار" والذي طلب أهلي أن يكون 7 آلاف جنيه، وهو مبلغ كبير جدًا، إذ يكفي فقط 3 آلاف جنيه، وأرى أن كافة هذه الأمور تعجيزية للشباب، وهي سبب تأخر سن زواجهم، بالإضافة إلى تأثريها على الفتيات، اللواتي أصبحت أعدادهن فى تزايد مستمر مما يزيد من نسبة التأخر في سن الزواج. ومن جهة أخرى، يقول أيمن منتصر، مدرس، أن عمره 33 عاما، ولا يستطيع الزواج حتى الآن لأنه لا يمتلك 150 ألف جنيه تكلفة الزواج. بينما يقول محمود سمير، موظف "إحنا مش عارفين نتجوز إزاي، الزواج بقت تعقيداته كثيرة، والسبب الأول أهل العروس، وأتمنى أن تنتهي عادات وتقاليد الزواج ومنافسة الأهل بأن تحصل ابنتهم على جهاز أو فرح أغلى من أقاربها، لأن الضرر بالنهاية واقع على الرجل فقط". وترى إسراء فوزي، طالبة بالدراسات العليا، أن الزواج مبني على فكرة الاحترام والتفاهم المتبادل بين الرجل والمرأة، ويظهر مدى هذا التفاهم مع بداية الارتباط، حين يبدأ كل منهما في التحضير للزواج، وغالبًا ما تمر مشكلات ما قبل الزواج بسلام، لكن العقبة تكمن في الأهل أحيانًا عندما يبحثون عن المظهر لا الجوهر وتكون العادات والتقاليد هى الأساس في بناء العلاقة. وتلفت إسراء إلى أن الأخلاق الحميدة للرجل هى أساس العلاقة وليست الماديات كما يرجح البعض، فإذا ارتبطت الفتاة برجل غني واستطاع تلبية رغبات أهلها ولكنه لا يمتلك أخلاق سوية دينيًا واجتماعيًا، فسيكون زواج فاشل لأنه بُني على استغلال طرف للطرف الآخر. العادات والتقاليد بينما تقول مها محمود، ربة منزل، إن العادات والتقاليد شىء أساسي في مجتمعنا، والزواج بطبيعة الحال له نصيب كبير من هذه العادات، فالصيني والنيش والهدايا المتبادلة بين أهالي العروسين قبل الزواج أو ما يطلق عليه النيشان، من العادات المتأصلة في الصعيد وقنا تحديدًا، وترتبط بمدى كرم الأهالي أو العكس، وبالتالي لا يستطيع أحد إغفالها. ويقول الدكتور عليّ الدين القصبي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة جنوب الوادي، إن الزواج يرتبط بالعديد من العوامل الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية بالدولة، فأهل العروس يهتم بالأوضاع المادية للرجل من ناحية عمله ومرتبه، ويعمل فى مصر أو خارجها، وبالتالي يأتي دور الدولة في توفير فرص عمل للشباب، لتوفير حياة كريمة يستطيع الشباب من خلالها تلبية رغبات أهالي العروس والزواج، لتكوين أسرة صغيرة تعتبر المكون الأساسي للمجتمع، لكونها أول خلية مجتمعية. تأخر سن الزواج ويتابع القصبي أن المعيار الثاني للحكم على الشباب يكمن في الاختيار، وفقًا لكونه من أسرة غنية أو فقيرة، ليستطيع تنفيذ كافة متطلبات الزواج وأهل العروس، فالشعب المصري يعشق فكرة الاستهلاك بشراء أشياء ليس لها ضرورية وليست شرط أساسي من شروط الزواج، كالنيش والصيني على سبيل المثال. ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن هذه التعجيزات والتعقيدات المستمرة من قِبل المجتمع والأهالي تسببت في زيادة نسبة "العنوسة" بالمجتمع للشباب والإناث، متمنيًا أن تكون هناك مبادرات ضد المغالاة، لمساعدة الشباب على تيسير أمور زواجهم. ويضيف أن الإتفاق بين الطرفين منذ البداية على جميع طلبات الزواج يكفل استمرار الارتباط وعدم الانفصال على أبسط الأشياء، كما يحدث مؤخرًا، فالأهل لا بد أن ينظروا إلى دين وأخلاق وسلوك الشباب قبل النظر إلى أوضاعه المادية ومدى ملائمتها لهم، فالشرط الأساسي هو أن يكون الرجل قادر على أن يوفر متطلبات منزله ويحافظ على استمراره.