مر يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 كغيره من الأيام سريعاً على بعض الناس، وثقيلاً على آخرين؛ هذا ذاهب إلى عمله، وآخر في ''طابور'' طويل بانتظار الحصول على ''رغيف عيش''، وآخرين داخل سياراتهم ساعات الظهيرة على إحدى الكباري؛ حيث الحركة بطيئة، وهناك طلاب الجامعات والمدارس في طريق عودتهم إلى منازلهم بمترو الأنفاق. ومَن قام بقضاء ''مصلحة'' سريعاً ثم ذهب بصحبة الأصدقاء لإحدى مقاهي وسط البلد، وغيرهم كثير، وربما لم يمر الشهر سريعاً دون حادثة هنا، ومحاولة كشف فساد هناك، والأيام دُول. شاهد الفيديو ثورة 25 يناير هكذا كان يمكن أن يمر يوم 25 يناير وما أعقبه من أيام؛ حيث كانت فكرة قيام ثورة حلم؛ بطبيعة الحال له مَن صدقه، ومَن انضم له بعد فترة، ومَن أنكره، لكن سيظل المهم أن يتحقق ليراه الجميع وإلا كان وهماً.. فماذا لو لم تقم ثورة ؟. لم يستطع أن يتخيل ''عماد سيد'' أحد الباعة بميدان التحرير؛ وقف عند مدخل الطريق إلى ميدان طلعت حرب إلا حدوث ثورة '' كان لازم تحصل ثورة'' وإن لم يذهب تفكيره يوماً إلى '' أننا نشيل مبارك، ده عمره ما كان في خيالي''. ليعود إلى الواقع محللاً له '' الناس اللي كانت أيام حسني عايشة أحسن وشايفه إن ده استقرار، واللي عاشت طوال 30 سنة اللي فاتت كويس، كانت تتمنى أن الثورة مكنتش تحصل لأنه بقى مهدد لكن الثورة جت من عند ربنا والمسألة فقط محتاجة وقت وصبر''. أما '' أشرف'' ماسح أحذية بميدان التحرير؛ فقال '' كان الحال هيبقى زي ما هو.. كنت هبقى عايش وبشتغل سواق إنما دلوقتي الحمد لله '' . شاهد الفيديو حازم ابواسماعيل وأثناء البحث في الزمن الافتراضي، لا تكون الكلمات أيضاً وحدها معبرة عن الإجابات كما في الواقع، بل كانت الضحكات كافية لذلك في بعض الأحيان، خاصة ممن يتأثر بقيام الثورة أو يجد فيها '' وقف للحال''، فها هو أحد العاملين بشركات السياحة بميدان التحرير يكتفي بضحكات عميقة بمجرد سؤاله، رافضاً الحديث بكلمات أكثر من أن المدير يمنعهم من التحدث عن هذا الموضوع.
ووجد ''ماهر يحى'' منظم رحلات باحدى الشركات السياحية بميدان التحرير؛ أن الوضع إذا لم تقم ثورة سيكون أحسن، خاصة وأنه لم يكن ضد الثورة لكن مع هدوء الأحوال والاستقرار الذي هو بالنسبة للسياحة يكون أفضل. فالواقع عند ''يحيي'' لم يرَ فيه سوى أن '' الشركة اتكسرت 4 مرات، واصابته الظاهرة في 15 غرزة وحرق سعر تقديم الخدمات للفوج السياحي، والإقبال الذي قل من 70% إلى 30%''.
بينما لم يتردد ايهاب عمر في القول أن '' لو مكنتش الثورة قامت كانت قامت.. في مرحلة بتاريخ الشعب تحتم قيام ثورة ليس لها بدائل ولا اختيارات''،
و''أحمد ابراهيم'' الرجل الخمسيني قال إن '' كان عهد مبارك هيبقى لسه مستمر لغاية دلوقتي والسرقة والنهب في البلد وإحنا مش حاسين بحاجة.. ومكنش حد هيقول رأيه بصراحة ''. كما جاءت كلمات ''ماجدة مؤكدة على '' طبعاً كان لازم تحصل ثورة''، موضحةً أن الثورة جعلت '' الوضع أحسن .. في حرية رأي ويقدر الواحد ياخد حقه في أي حاجة والناس مبقتش بتخاف.. وأي حاجة هتحصل هننزل ونقول لأ ''. وعلى النقيض ترى ''مريم'' بالصف الأول الأعدادي أن '' لو ما قامتش ثورة طبعا البلد كانت هتبقى أحسن لأن بنت زي في أولى إعدادي مبقتش تعرف تنزل الشارع بعد الساعة 7 بليل.. كنا هنبقى عايشين في آمان..و المدرسة مش هتدمر''. وقال ''علاء سعيد'' مدير تسويق '' كان برضو هتبقى فرص العمل قليلة جداً والفقر زي ما هو.. الثورة حققت لنا حاجات بسيطة بس قدام شوية ممكن تنجح أكتر..وضع البلد ما اظنش كان هيبقى أفضل من كده ..اللي احنا عشناه في 30 سنة مش أسوأ من اللي احنا بنعيشه دلوقتي''. بينما ''ياسر'' طبيب بيطري؛ كان يرغب في إسقاط النظام لكن ليس بثورة حيث قال '' لومكنش في ثورة على الأقل عايزين نرجع ليوم 24 يناير وبعدين نصلح أي اوضاع أي فساد مدام الترابيزة تستحمل ننا نقعد مع بعض ولما ما تستحملش يبقى نقوم بثورة ، لكن مش باللي حصل ده.. وكنا هنفضل بالنسبة للوضع الاقتصادي على الأقل 36 مليار في البنك المركزي وبعد كده نشوف الدنيا فيها إيه''.
والأمر بالنسبة ل''مديحة قرقر'' عضو لجنة تأسيسية لحركة كفاية؛ سيكون أسوأ بكثير إذا لم تقم الثورة، ولكن ربما على المدى الطويل، فمشاركتها في العمل العام منذ 2008، جعلها تشعر أن مصر كانت على شفا ثورة جياع خاصة مع انحدار المستوى الاقتصادي وانتشار الفساد، وتلك الثورة لن تأتي إلا بعد تولي '' المحروس جمال مبارك الحكم وارثاً المخلوع وكانت ستقضي على الأخضر واليابس''، على حد قولها. وأضافت '' قرقر'' أن المعركة في هذه الحالة كانت ستكون بين العسكر والمخابرات مع جمال لرفضهم التوريث وهذا كان سيؤدي بإنفجار سياسي واجتماعي وانقسام المجتمع بين الحرس القديم المؤيد لنقل السلطة لعمر سليمان وجزء سيكون مع جمال مبارك، ومجرد تذكرها بأن ذلك نتاج ظنون وخيال جعلها تقول '' لطف الله بأهل مصر أن كانت ثورة 25 يناير'' . وأوضحت '' قُرقر'' أن الوضع لا يكون سيء بسبب الثورة ولكنه صراع الثورة مع أعدائها ممن يمتلكون النفوذ ورأس المال، فهم من يحركون '' بلطجيتهم''، ويشعلون الفتن الطائفية ويساعدوا على الانفلات الأمني ليثيروا خوف وفزع الشعب المصري، مؤكدةً أن مصير هؤلاء إلى زوال قريب، وعندما تحقق الثورة أهدافها؛ وقتها يمكن أن نقارن ما قبل الثورة بما بعد الثورة. وعند الباحثة الإعلامية ''آمال سامي'' الصورة منقسمة بين ''حاجات حلوة '' وأخرى ''وحشة''؛ فإذا لم تحدث الثورة ستبقى الدنيا كما هى من انتشار الإحباط، وفقدان الأمل في أي شيء، وعدم الاستعداد للتغيير '' كله بيرمي زبالة في الشارع كله بيعمل الغلط عشان مش هتقف عليه''. ورأت أنه لولا قيام الثورة ''ما جاءت صدمتنا في كثير من الرموز الذين كنا نظنهم شرفاء وطلعوا حرامية، شجان وطلعوا أجبن من الجبن نفسه.. أصحاب رسالة واتاريهم كانوا بياكلوا عيش وخلاص''.
أما النصف الأخر من الصورة هو أنه لولا الثورة ما أصبح لدى كثير من الناس أمل في التغيير الذي '' ربما لم يحدث بالقدر الذي حلمنا به، لكن أصبح هناك نور ثقب في جدار الزمن الأسود الذي كنا نعيشه، وهذه هى ثورة 25 يناير''، على حد قولها. وأكدت ''سامي'' أن '' هذا الثقب لن ينير الدنيا كلها لكن يكفي أننا عرفنا طعم النور، فمن عرف طعمه سيكره الظلام، وسيجاهد من أجل هدم السور، ورؤية المكان الذي يأتي منه هذا النور ويدخل الهواء سجنه''. وعادت '' سامي'' للواقع لتقول إن ال 18 يوماً بالنسبة لها كانت وقت الاختبار الحقيقي لمعدن الناس، والذي كان على أشده في موقعة الجمل وما بعدها '' في اللي خاف واللي فاق واللي عاوز يعيش وخلاص حتى ولو هيعيش مذلول، واللي شاف الدم مية واللي ماتوا اختاروا الموت وهو ماله بيهم هو عاوز يعيش.. صداقات انهارت، وعلاقات إنسانية أدمرت وعلاقات جديدة أتولدت حب خطوبة جواز، وانفصال وفسخ وطلاق ''.
'' استقرار انعدام الأمل'' تلك الحالة التي ستنتشر بين الناس لو لم تقم الثورة كما قال '' أحمد عبد الله''؛ أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق، موضحاً أن الوضع كان سيبقى كما هو عليه ''سيظل الناس ترمي أنفسها في البحر المتوسط من أجل لقمة العيش والهروب، وسيكون هناك من ينتقد ويحرض على التغيير، وأخرين متعايشين ولا يريدون تغيير ويروا أن الوضع تمام ومريحين نفسهم''. وأضاف عبد الله '' لو لم تقم الثورة ما كنا لنكتشف ذلك المعطى الجديد وهو أن الناس قررت النزول للشارع وتغيير الحالة التي كانت عليها، لكن كيف نجعل ذلك المعطى يستمر ونترك قصة من يجلس على الكرسي ''. وعن حالة النفور لدى البعض من الثورة خاصة إذا كانوا ممن تأثرت حياتهم المادية بسببها، رغم إمكانية تعويض ذلك، قال عبد الله إن أجهزة الدولة منهارة تماماً '' خربانة'' والشعب أيضاً مُنهار '' نحن نتحدث عن شعب متعايش مع حالة الموت بالحيا ..أحياء كالموتى ، تأقلموا وتكيفوا مع الأوضاع''. فبقيام الثورة - على حد تعبيره - انفتح باب القلق قبل الأمل وأصبح هناك تساؤلات، وفئة مصممة على أن تقول وتتحرك لدرجة أنها تحلم بحياة أكبر، وأخرى تعلم أن هناك سارقين لكنها بينها وبينهم علاقات ولها أرضية ومكان في النظام السابق، وفئة ثانية لم يكن لها شيء ولا مكان وهم من لديهم الأمل أكبر من غيرهم.
وعن المجتمع المصري يرى ''عبد الله'' أن الناس لا تفهم الوضع ولا تعلم من تلوم، حيث طوال 60 سنة الدولة المصرية أعدمت المجتمع عافيته '' دحضحته'' منذ ثورة يوليو52 وحتى ثورة يناير، فالدولة '' هدت حيل الشعب، والناس تعبت واتخلخلت ولم تعد قادرة رغم أن الباب انفتح''، بالإضافة إلى انهيار مؤسسات ووحدات المجتمع وجهاز الدولة، وكل هذا يحتاج إصلاحه فترة طويلة. وأشار إلى أن الطاقة التي يحتاجها الشعب تأتي الدولة والمجتمع ذاته من ناحية أخرى، فتلك الطاقة الكبيرة التي تكشفت خاصة في الشباب رغم حالة الانهاك المجتمعي، والتي قد تظهر في شكل فوضى سواء في الرسم على الحوائط أو حتى في التحرش، مشيراً إلى أن تلك الطاقات لا تجد من يضع لها خطة لاسثمارها. وأكد ''عبد الله'' أن التعامل النفسي مع الشعوب بعد قيام الثورات يحتاج إلى نوع من المبادرة والدعم النفسي بأشكال مختلفة، والاستماع إلى الضحايا على درجاتهم، ''فالفضفضة'' جزء من المعالجة - على حد قوله - وكذلك اعتراف كل من اخطأ وتقديم اعتذار معنوي على أقل تقدير.