لا نستطيع فى الذكرى التاسعة والثلاثين لانتصارات أكتوبر أن نمحو من ذاكرتنا أحد قياداتها فى سلاح الجوية وهو الفريق طيار "محمد حسنى مبارك"، فبعد انتصار أكتوبر بحوالى تسع سنوات شاء القدر أن يتقلد مبارك مقاليد الحكم فى مصر. ولا يزال حتى هذه اللحظة "مبارك" هو صاحل الفضل فى تقسيم المصريين إلى نصفين؛ فمنهم من يراه قائداً عسكرياُ أغوته السياسة، وأفسده من حوله بدءاً من ابنه حتى رجال السياسة، ومنهم من يراه جلاداً ظالماَ داعين الله أن ينتقم منه شر منتقم، ليظل رغم الجدل حاضراً فى مشهد انتصارات أكتوبر حتى بعدما يقبع الآن فى سجن طره . "حسنى مبارك" حصل فى حياته على عدد من الألقاب لم يحظ بها غيره، لا لفخامتها وإنما لتناقضها الشديد، فهو "صاحب الضربة الجوية الأولى" التى كانت تُدرس فى المدارس على أنها - وهى وحدها - السبب فى النصر، حتى تقزمت ذكرى الحرب إلى صورة "مبارك" وشخصه مع الأيام . وهو "الرئيس" الذى اتخذ من انتصار أكتوبر "شرعية" له للاستمرار فى كرسى الحكم عبر ثلاثين عاماً قضاها "مبارك" داخل أروقة القصر الجمهورى، حتى ثورة الخامس والعشرين من يناير التى أعطت للرئيس الحالى شرعية الاستمرار أو شرعية "الصندوق" الانتخابى فى أقوال أخرى. "صاحب الضربة الجوية" تدرج في الوظائف العسكرية فور تخرجه؛ حيث عين بالقوات الجوية في العريش، ثم نقل إلى كلية الطيران ليعمل مدرسا بها، وفي يوم 5 يونيو 1967، كان محمد حسني مبارك قائد قاعدة بني سويف الجوية، عُين مديراً للكلية الجوية في نوفمبر 1967م ، رقي لرتبة عميد الكلية في 22 يونيه 1969، وشغل منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية، ثم قائداً للقوات الجوية في أبريل 1972م، وفي العام نفسه عُين نائباً لوزير الحربية. وفى عام 1974م عين "مبارك" إلى رتبة فريق أول طيار، حتى اختاره "السادات" فى أبريل عام 1975 نائباً لرئيس الجمهورية، كما اختاره أيضاً نائباً فى الحزب الوطنى الديمقراطى، ليكون من قدر الحزب أن يستمر فى قصر الحكم حتى بعد تولى مبارك الرئاسة فى 14 أكتوبر 1981م ، خلفاً للرئيس أنور السادات، عقب اغتياله في 6 أكتوبر 1981م، أثناء العرض العسكري، والذى يرى البعض أنه أصبح رئيساً بالصدفة . "الرئيس" حسنى مبارك لم تتركه ثورة يناير متمتعاً بهذا اللقب بعد أن رأى الشعب منه "الفرعون الحاكم"، حتى لا يكتفى الشعب بنعته فقط بالرئيس السابق ، بل ب"الرئيس المخلوع"، وأخيراً "المتهم" محمد حسنى السيد مبارك كما ردد القاضى أحمد رفعت له قبل بدء محاكمته فى أغسطس من العام الماضي، ليصبح مبارك رئيساً من أروقة القصر الجمهورى إلى سجيناً بسجن طره، أو مريضاً بمستشفى نفس السجن. أطاحت ثورة يناير بفترة حكم مبارك بعد خمس فترات رئاسية، بعد فترة قال عنها "فاروق الباز" أنها أسوأ مراحل التاريخ المصرى، وتنحى مبارك عن الحكم فى الحادى عشر من فبراير لعام 2011 ، ليبقى رحيله مثل مجيئه فى "غيابات الجب" سراً داخل "صندوق أسود" لا نعرف عنه المزيد حتى الآن، هل رحل بإراداته أم خلعه شعبه، أم تأمر عليه من تولى الحكم بعده، ليبقى مبارك علامة استفهام كبيرة فى كتب التاريخ المصرى.