لم يكتف كغيره من الشباب بالبحث عن نفسه.. بل قرر أن يسطر كل ما يعبر عنه ليراه الجميع في خطوط وألوان منها ما يرمز وما ينطق صارخاً، حتى أنه رفض حدود الورق فكان "براح" الحائط بالنسبة له أولى "ببراح" أفكاره، ولو كلفه ذلك الوقوف وسط قنابل الغاز وصوت الرصاص . تراه وسط مجموعات صغيرة أو بمفرده ممسكاً بعصا طويلة التحم آخرها بفرشاه ليست بطبيعة الفرشاة المعتاد رؤيتها في يد أي فنان، لكن دقة يده في التحرك بها ودقة تحديد فكرته التي تنتظر ظهورها كفيلة بصرف نظرك عن حجم الفرشاة، وإن تصادف وجوده بأحد شارع القاهرة بشكل خاص أو في مصر بشكل عام فمن المؤكد أنك ستجده في مكانه المفضل " شارع محمد محمود".
هنا حائط الجامعة الأمريكية، الذي كان بالنسبة ل"شباب الجرافيتي" لوحة خالدة، لا يمكن التنازل عنها، فليذهب كل شيء إلا الحائط؛ منذ يناير 2011 وحمل الحائط تحديداً رسومات ذلك الفن "وليد الثورة "، وسواء كنت من المعارضين أو المؤيدين لهذا العمل الذي يقوم به الشباب أو حتى المستغربين منه، إلا أنهم قرروا عدم التوقف عما يقومون به .
وعلى الرغم من قيام " هيئة نظافة محافظة القاهرة" بإزالة الرسومات في مايو الماضي إلا أنه لم تمر ساعات حتى عادت الرسومات إلى حائط الجامعة الامريكة بل وكثير من حوائط شارع محمد محمود .
وفي منتصف ليلة الأربعاء، عاد مشهد الإزالة مرة أخرى بإشراف قوات الأمن المركزي، ليلقى غضب من "شباب الجرافيتي" والمؤيدين له، إلى جانب تلك المشاعر المتضاربة ما بين قبول فعل الإزالة لإعادة شكل الميدان كسابق عهده، وما بين رفضه باعتباره أنه يمس أحد " رموز" التعبير عن الثورة.
وعلى الرصيف المقابل للجامعة الأمريكة؛ حيث اصطفت عربات الأمن المركزي أمام أجزاء الحائط التي تم طلائها ثم لم تمر ساعات حتى ظهر "جرافيتي" جديد بكلمات "امسح كمان يا نظام جبان" بجوار جمل بسيطة منها " تعيشوا وتدهنوا".
ويقول "عم سيد" بائع الجرائد على "ناصية" شارع محمد محمود " كده أحسن أنه اتشال خلاص الثورة ونبدأ من جديد" وعلى الرغم من اختلاطه بعدد من شباب "الجرافيتي" منذ الثورة إلا أنه قال " أنا معاهم في رسومات الشهداء لكن أي كلام اتحط تاني ما حبتهوش الصراحة لأنه مافيش داعي للشتايم".
وأضاف أن "الجرافيتي" الجديد قام به أحد الشباب الساعة 6 صباحاً مستعيناً بسلم فقد كأنه "كفاءة" على حد تعبيره؛ حيث اختار "حتة بعيدة" عن الطريق لأنه "لو كان بره كان اتمسك".
بينما رأى "عم سعيد" - صاحب مقهى بالشارع - أنه لن يستطيع أن يأتي أحد للرسم مرة أخرى قائلاً: "مليونية بالأدب ماشي مليونية كده وكده بالرسم والكلام الفاضي مش هتحصل تاني" .
"ياسر".. شاب عشريني جاء ليرى ما حدث بشارع محمد محمود وقال " مش عاجبنى اللي حصل خالص مالوش لازمة في الوقت ده والشباب هيرجعوا يرسموا تاني هى قضية بورسعيد خلصت ؟!".
ورأى أن الرسم القادم سيكون أعنف للتعبير عن الغضب، وأنه لن يفرق مع الشباب الرسم بوجود الأمن لكنه تخوف من حدوث اشتباكات.
واعتبرت أماني أن الرسومات "حاجة توثيقية للثورة"، مؤكدة أيضاً أن شباب "الجرافيتي" سيقومون برسم صور أكثر رداً على ما حدث.
"احنا ماشين على نظام العافية بقالنا 30 سنة مش هنتغير في يوم وليلة".. هكذا فسر "أشرف شعبان" - عامل لحام - ما حدث بأن كما يرسم شباب "الجرافيتي" بالعافية فإن الأمن والحكومة تزيله أيضاً "بالعافية".
وكعادته كان موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك" الأسرع في تسجيل "الغضب"؛ حيث قرر عدد من الشباب على صفحة "اسبوع الجرافيتي العنيف " التنظيم لإعادة الرسومات التى تم مسحها بشكل أكبر، وعلى نطاق أوسع، وتنوعت الآراء ما بين الغضب و الحزن، غير أن ذلك التعليق كان الأكثر "بيمسحوها بليل عشان خايفين الناس تشوفهم ".
وعن شباب "الجرافيتي" أكد إبراهيم الباز - أحد الرسامين - أن الفترة القادمة ستشهد رسومات للجرافيتي العنيف؛ حيث سيبدأ الرسامين الأسبوع القادم فى فعاليات باسم "أسبوع الجرافيتي العنيف "، وسيكون هناك الكثير من الرسومات المعبرة عن الغضب رداً على مسحها من قبل الحكومة ليلاً .
وأضاف الباز:" أن الجرافيتي تلك المرة سيكون خاص أكثر بالإخوان والرئيس محمد مرسي، وسيشمل أكثر من مكان إلى جانب ميدان التحرير من قبل الكثير من الشباب؛ حيث سينزل الكثير من الشباب لرسم الجرافيتي فى شوارع التحرير" .
وأكد "الباز" أن الرسومات لن تحتاج إلى رسامين جرافيتي محترفين لأنها ستكون رسومات تفريغية "استنسل" يمكن للأشخاص العاديين التعامل معها .
وأعرب " الباز" عن قلقه من التعامل مع قوات الأمن قائلاً: " أكتر حاجة خايفين منها هى تعامل الأمن، وحاسين إنه ممكن يكون فيه مضايقات، وأنه يستعين بالمواطنين عشان يقفوا ضدنا وميخلوناش نرسم "، مشيراً إلى أنهم سيقومون بالرسم ليلاً في الغالب، حتى يتجنبوا قدر المستطاع حدوث مشادات بينهم و بين الأمن أو المواطنين.
ومن الجانب الأخر، قال أحد أفراد الأمن المركزي رفض ذكر اسمه " احنا ما كنش فارق معانا وجود الرسومات، وزي ما بيحب الشعب هنمشي"، لكنه في النهاية كما قال " احنا كلنا عبد المأمور"، مضيفاً: " احنا ما منعناش حد من الرسم احنا بس واقفين بنتفرج " .
وعلى الرغم من "الجرافيتي" الجديد والدعوات بالعودة إلى الرسم مرة أخرى بشكل أكبر إلا أن بعض المواطنين في شارع محمد محمود يرون أن "مفيش حد هيعرف يرسم تاني ".