إسلام أباد (رويترز) - أمضت بشرى بيبي العاملة في مجال الصحة ثمانية اعوام تتنقل بين القرى النائية لتطعيم الاطفال بلقاح شلل الاطفال لتقيهم شر هذا المرض الخطير. والان تخشى الأم البالغة من العمر 35 عاما الذهاب لعملها بعد ان قتل مسلحون على ظهر دراجات نارية تسعة من زملائها في سلسلة من الهجمات الاسبوع الجاري. وقالت "رأيت الاسى في أعين أمهات أصيب اطفالهن بالمرض. لم اعتبره عملا فحسب قط بل كان نوعا من الشغف. ولكن لدي ايضا اسرة ارعاها .. ولم تكن الامور بهذه الدرجة من السوء من قبل." وعقب مقتل التسعة منعت الاممالمتحدة موظفيها من مغادرة مقراتها واستمرت عمليات التطعيم التي تتبناها الحكومة في مناطق من البلاد ولكن العنف اثار تساؤلات جديدة بشأن الاستقرار في البلد الواقع في جنوب اسيا. ولدى حركة طالبان باكستان قناعة بان حملة مكافحة شلل الاطفال ما هي إلا مؤامرة غربية اخرى ضد المسلمين وهددت بالتصدي لاي شخص يشارك فيها. واشتد عداء الحركة لحملة مكافحة المرض بعد ان اتضح ان وكالة المخابرات المركزية الامريكية استغلت حملة التطعيم - بمساعدة طبيب باكستاني - للتجسس على المجمع الذي كان يقيم فيه اسامة بن لادن قبل ان تقتله قوات امريكية خاصة في بلدة باكستانية العام الماضي. ويقول منتقدون ان الهجمات على العاملين في مجال الصحة من ابرز الامثلة على فشل الحكومة في صياغة سياسة حاسمة للتصدي للحركة رغم الضغوط من الولاياتالمتحدة حليفتها الرئيسية والتي تقدم لها مساعدات بمليارات الدولارات . ومنذ سنوات تعلم السلطات ان قادة طالبان يشيعون ان حملة التطعيم تهدف بصفة اساسية لاصابة المسلمين بالعقم. وربما يبدو ذلك امرا سخيفا في الغرب ولكن في باكستان تلقى مثل هذه التأكيدات صدى لدى البعض. وبعد سنوات من السرية ابان حكم عسكري ديكتاتوري واضطرابات سياسية متكررة في ظل حكم مدني فضلا عن تهافت نظام التعليم العام تجد نظريات المؤامرة ارضا خصبة. وقال مير علام خان بائع سجاد في بلدة ديرا اسماعيل "منذ ان بدأوا حملة التطعيم يصل الاطفال لمرحلة البلوغ مبكرا جدا لاسيما الفتيات احيانا في سن 12 و13 سنة ما يتسبب في انتشار سلوكيات غير لائقة في المجتمع." وتابع أنه لم يقم بتطعيم اي من اطفاله الاربعة. وقال "لماذا لا تقدم الولاياتالمتحدة ادوية لعلاج امراض اخرى مجانا؟ لماذ شلل الاطفال؟ لابد ان هناك اجندة." وينال من معنويات العاملين في مجال الصحة في باكستان تنامي الشكوك لدى المواطنين العاديين إلى جانب خطر التعرض لهجمات متشددين. وقالت امراة في الخامسة والعشرين من عمرها طلبت الا ينشر اسمها خشية تعرضها لهجمات انتقامية "تغير موقف الناس. لن تصدق كيف نواجه برفض حتى من الاكثر تعلما ومن اشخاص اثرياء. يصفونا باننا جواسيس للولايات المتحدة ومعادين للأسلام." وحاولت الحكومة الباكستانية ان تبدد هذه الاكاذيب التي يمكن ان تقوض مشروعات صحية تحمل انبل النوايا باللجوء لرجال دين معتدلين وحثهم على اصدار فتاوي دينية تدعم جهود مكافحة شلل الاطفال. وقال طاهر اشرفي رئيس مجلس علماء عموم باكستان ان المجلس اضطلع بدوره وان الحكومة هي المسؤولة عن حماية عمال الإغاثة. وتابع "لا يسع رجال الدين سوى اصدار فتاوي وسيواصلون ادانة مثل هذه التصرفات. ماجدوى الفتوى إذا لم توفر الحكومة الأمن؟" وربما يكون هذا أمر صعب المنال في باكستان حيث يزعم منتقدو الحكومة ان المسؤولين منشغلون بجمع المال او منخرطون في صراع على السلطة لدرجة تمنعهم من حماية المواطنين بل والاطفال من مرض قد يصيبهم باعاقة طيلة حياتهم. وينفي المسؤولون الباكستانيون هذه الاتهامات. كما ان سجل الساسة ليس فوق مستوى الشبهات فيما يتعلق بجميع المشاكل الاخرى التي تعاني منها البلاد. فاغلب القرى التي يعتني مسؤولو الصحة باطفالها تفتقر للخدمات الاساسية والعيادات الطبية والمياه النظيفة والوظائف. وتعاني الصناعات التي يمكنها ان تدعم الاقتصاد الهش من انقطاع مزمن للكهرباء. ويعمق من مشاعر الاحباط ان تلك المشاكل تدفع الباكستانيين للانفضاض من حول الحكومة والانضمام لطالبان. ولم تتضح حتى الان الجهة التي تقف وراء حوادث اطلاق النار وقال المتحدث الرئيسي باسم طالبان إن الحركة تعارض حملات التطعيم ولكنها نأت بنفسها عن الهجمات. وذكر متحدث اخر باسم طالبان في وزيرستان الجنوبية ان مقاتلي الحركة هم من شنوا الهجوم على فريق تطعيم شلل الاطفال في بلدة لاكي مروات الشمالية الغربية. وقال "التطعيم جزء من اجندة يهودية امريكية سرية لتسميم الباكستانين." والامر الواضح أن ثمة الكثير على المحك. فاي فجوات في البرنامج تهدد مكاسب تحققت بشق الانفس ضد المرض الذي يمكن ان يسبب الوفاة او الشلل في غضون ساعات. وقضت حملات دولية تكلفت مليارات الدولارات على المرض في كل دول العالم باستثناء نيجيريا وافغانستان وباكستان. وقلصت الحملة من حالات الاصابة في باكستان من 20 ألفا في عام 1994 إلى 56 حالة فقط في عام 2012 ويبدو المرض معزولا في جيب في شمال البلاد. ولكن مرض شلل الاطفال ينتقل من خلال المخالطة لذا فان اي حالة اصابة تهدد بتفشيه من جديد في مناطق خلت منه. وفي العام الماضي انتقلت سلالة باكستانية إلى الشمال الشرقي وتسببت في أول بؤرة للمرض في الصين المجاورة منذ عام 1999. وقال اوليفر روزنباور المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية ان المنظمة اقتربت اكثر من القضاء على المرض. وأضاف "لاول مرة تم محاصرة الفيروس جغرافيا... لا نريد ان نهدر المكاسب التي تحققت... اي تعليق للانشطة يعطي موطيء قدم جديد للفيروس ويتيح له العودة بقوة ويصيب المزيد من الاطفال بالشلل." (إعداد: هالة قنديل للنشرة العربية - تحرير محمد هميمي)