القاهرة (رويترز) - ألغى الرئيس المصري محمد مرسي إعلانا دستوريا منحه سلطات إضافية وأثار احتجاجات عنيفة غير أن معارضيه الساخطين قالوا يوم الأحد إنه زاد من حدة الخلاف بإصراره على إجراء استفتاء على مسودة دستور أعدتها جمعية تأسيسية هيمن عليها الإسلاميون. ويصر مرسي وأنصاره من الإسلاميين على إجراء الاستفتاء في موعده يوم 15 ديسمبر كانون الأول قائلين إنه ضروري لإكمال التحول الديمقراطي الذي بدأ إثر اندلاع انتفاضة شعبية أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك قبل 22 شهرا بعد ثلاثة عقود من الحكم الاستبدادي. وفشل إلغاء الإعلان الدستوري -عقب ما وصف بأنه "حوار وطني" قاطعه جميع معارضي الرئيس تقريبا- في تهدئة الحرب الكلامية بين الجانبين. وقال رئيس الوزراء المصري هشام قنديل إن الاستفتاء هو أفضل وسيلة للتعبير عن الرأي. وقال في بيان صحفي "إن أمام الجميع فرصة تاريخية لإثبات مواقفهم.. كل حسب ما يريد.. عن طريق المشاركة في الاستفتاء.. فالشعب هو صانع المستقبل وهو صاحب القرار.. طالما أن لديه الحرية في اللجوء إلى الصندوق.. من خلال تصويت ديمقراطي حر ونزيه." غير أن جماعات المعارضة التي لا تثق في قدرتها على رفض الدستور في الاستفتاء في مواجهة القدرة التنظيمية للإسلاميين تريد إعادة صياغة مسودة الدستور قبل الاستفتاء عليها. وقال أحمد سعيد العضو البارز في جبهة الإنقاذ الوطني وهي تكتل المعارضة الرئيسي في مصر يوم الأحد إن إلغاء مرسي الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر لم يلغ الآثار المترتبة عليه واصفا قرار الرئيس المضي قدما في إجراء استفتاء على مسودة الدستور الجديد بأنه "صادم" و"عمل من أعمال الحرب" على المصريين. وتعهدت الجبهة بالرد الرسمي على قرارات مرسي في وقت لاحق يوم الأحد. وتم الإسراع بترتيبات التصويت على مسودة الدستور في الجمعية التأسيسية التي يمثل أفراد من جماعة الإخوان المسلمين وإسلاميون آخرون أغلب أعضائها. وانسحب ليبراليون وآخرون قائلين إن آراءهم لم تلق آذانا صاغية. ووصفت جماعة 6 أبريل التي ساعدت على حشد المحتجين الذين أطاحوا بمبارك في 2011 في بيان نتيجة المحادثات بأنها "تضليل ومرواغة واستكمال لمسلسل الخداع باسم القانون والشرعية". وطالب التيار الشعبي الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي بتأجيل الاستفتاء حتى يتم التوصل إلى توافق على مسودة جديدة. وقال التيار الشعبي المصري "إننا كنا وما زلنا وسنبقى دائما نرحب بالحوار سبيلا لحل الخلاف لكن لا حوار مع إسالة الدماء ولا حوار من أجل المراوغة والتلاعب والالتفاف ولا حوار إلا بالاستجابة أولا لما طالبته ونادت به جماهير الثورة في الميادين والشوارع وهو ما يعني ضرورة وقف الدعوة فورا للاستفتاء على مشروع الدستور لحين التوافق الوطني والشعبي على سبل حل الأزمة والتوصل لصيغ مشتركة للتوافق حول مشروع الدستور." غير أن المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين محمود غزلان قال إن إلغاء الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في نوفمبر أزال أي سبب للجدل. وقالت الصفحة الرسمية للجماعة على فيسبوك "إننا نعلن من الآن أننا نقبل نتيجة الاستفتاء أيا كانت ونطلب من الآخرين أن يعلنوا موافقتهم على نتيجة الاستفتاء فهذه هي أولى أساسات الديمقراطية واحترام الشعب فهل يقبلون؟ أم يستمرون في سياسة الحشد والتظاهر والتهديد والتخريب والحرق؟" وجرى التخطيط لتنظيم المزيد من الاحتجاجات قرب قصر الرئاسة رغم وجود الدبابات والأسلاك الشائكة وغيرها من الحواجز التي أقيمت الأسبوع الماضي بعد سقوط سبعة قتلى في اشتباكات بين الإسلاميين ومنافسيهم. وقال هرماس فوزي (28 عاما) وهو محتج يعتصم مع عشرات آخرين أمام قصر الاتحادية الرئاسي "دستور بلا توافق لا يمكن الاستفتاء عليه... ليس من المنطقي أن يعد فصيل واحد فقط في المجتمع الدستور." وبعد الحوار الذي استضافه مرسي يوم السبت قال أحد المشاركين في الحوار محمد سليم العوا في مؤتمر صحفي عقد منتصف ليل السبت إن الرئيس أصدر إعلانا دستوريا جديدا تلغي المادة الأولى فيه الإعلان الدستوري الذي أعلن في 22 نوفمبر. وأضاف العوا أن الاستفتاء لا يمكن تأجيله لأسباب قانونية. وكشفت الاضطرابات السياسية عن انقسامات عميقة في مصر التي يسكنها 83 مليون نسمة بين الإسلاميين الذين تعرضوا للقمع طوال عشرات السنين وخصومهم الذين يخشون من أن يكون الاسلاميون يريدون إسكات الأصوات الأخرى وتقييد الحريات الاجتماعية. ويرغب كثير من المصريين في الاستقرار وتحسن الوضع الاقتصادي. وحشد الجانبان عشرات الآلاف من الأنصار في الشوارع في تجمعات متنافسة في القاهرة ومدن أخرى. وطالب معارضو مرسي بإسقاطه في حين يقول الإسلاميون إن هناك مؤامرة لإسقاط أول رئيس ينتخب انتخابا حرا في البلاد. ويعتقد الإسلاميون أنهم قادرون على حشد التصويت بالموافقة على الدستور في الاستفتاء. ومن المقرر انتخاب مجلس نواب جديد بعد شهرين من اقرار الدستور الجديد. وتم حل مجلس الشعب الذي كان يمثل الإسلاميون أغلب أعضائه بموجب حكم قضائي قبل أشهر. ويبدو أن المستثمرين يشعرون بارتياح تجاه إلغاء مرسي لإعلانه الدستوري مما أدى إلى ارتفاع المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية بنسبة 4.4 بالمئة يوم الأحد. وتترقب الأسواق الموافقة على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار في وقت لاحق الشهر الجاري والذي يهدف إلى دعم الميزانية والإصلاحات الاقتصادية. واستبعد الإعلان الدستوري الجديد بعض مواد الإعلان السابق التي أثارت غضب المعارضة من بينها مادة كانت تعطي الرئيس سلطات واسعة لمواجهة أي "خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة" وهي مادة قال المعارضون إنها منحته سلطة استبدادية. واستبعد الإعلان الجديد أيضا مادة أخرى في الإعلان السابق تحصن أي قرار للرئيس منذ توليه السلطة في 30 يونيو حزيران وإلى أن يتم انتخاب برلمان جديد من الطعن أمام القضاء. وعلى الرغم من عدم تكرار هذه المادة فقد وضعت مادة في الإعلان الجديد تنص على أن "الإعلانات الدستورية بما فيها هذا الإعلان لا تقبل الطعن عليها أمام أي جهة قضائية". وحدد الإعلان الجديد أيضا خطوات لتشكيل جمعية تأسيسية لإعداد دستور جديد إذا رفض المصريون مسودة الدستور الحالية في الاستفتاء المزمع في 15 ديسمبر. وكان الجيش - الذي قاد المرحلة الانتقالية التي استمرت 16 شهرا في مصر بعد سقوط مبارك - قال في بيان له يوم السبت "تؤكد القوات المسلحة أن منهج الحوار هو الأسلوب الأمثل الوحيد للوصول إلى توافق يحقق مصالح الوطن والمواطنين وأن عكس ذلك يدخلنا في نفق مظلم نتائجه كارثية وهو أمر لن نسمح به." (إعداد عبد المنعم درار للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)