لقد سمعنا كثيرا وسنظل نسمع أن فلانا اشتري وفلانا باع وفلانا امتلك وفلانا حصل علي كذا وفلانا ازدادت إيداعاته في البنك وغير ذلك من حطام الدنيا... ولا يخفي عليكم قد تأتي أوقات طالت أو قصرت... إلا وتمنينا أن نصيب ما أصاب الآخرون ولو بقدر... ولعل هذه طبيعة بشرية فطرية... ولكنها بفضل الله لم ولن تصل في يوم من الأيام عند سليمي الصدور إلي درجة الحسد... لسبب بسيط جدا هو: أننا يُفْتَرض أن نسعد جدا عندما نري كل من حولنا في سعادة وراحة وغني... وليست هذه مبالغة بل هو الواقع الذي سيحاسبنا عليه الله... فإذا زالت أجسادنا فستبقي نوايانا وما ترتَّب عليها من عمل... ومما يُسَهِّل الأمر علي أنفسنا ويقطع حبائل الشيطان بل ويدحره دحرا عظيما... معادلة منطقية براجماتية بسيطة... مفادها : أن النعمة إذا أصابت من أُحِب فسأسعد بالطبع... وإذا أصابت من لا أحب فسأسعد أيضا من منطلق أنه سينشغل بنعمته عني ولا يضعني في عقله ولا يخطط للكيد لي... نظرية أليس كذلك؟! طريقة سهلة وبسيطة لراحة النفس... فكِّر في نفسك وانشغل بها ولن تجد وقتا ولارغبة في التفكير فيما عند الناس... الشيئ الوحيد الذي يكون عند الآخرين ويُسْتَحب بل يجب أن تفكر فيه وبتمعن شديد هو تلك النعم السامية الراقية الباقية... نعمة التوفيق للعبادة وتحقيق الربانية والروحانية... نعمة القرب من الله... نعمة الهدوء النفسي والسكينة والاطمئنان الشديد لوعد الله... نعمة الثقة فيما عند الله... نعمة الفهم الصحيح للإسلام... نعمة الأنس بالله والاستئناس بكلامه... نعمة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه... نعمة اللهفة للقاء الله ومحادثته لا في الآخرة فقط بل كل يوم في الصلاة... نعمة العطف والحنان والرحمة التي تملأ القلب تجاه كل مسكين أو يتيم ضعيف بلا ظهر ولا سند... نعمة الطواف والسعي ورمي الجمرات والإفاضة والإحرام والتروية والتلبية والتضحية... نعمة زيارة بيت الله الحرام ومدينة طيبة مدينة الحبيب المصطفى... نعمة التجرد والانسلاخ من تفاهات الدنيا والانغماس في فيوضات الرحمن... نعمة الالتقاء بكل أطياف الناس من كل مكان... في مكان واحد وهدف واحد ونداء واحد: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"... نعمة الذهاب إلي المكان الأوحد الذي يتمني كل مسلم مخلص أن يعود منه وقد رجع كيوم ولدته أمه... نعمة غسل العينين بالبكاء من خشية الله... فضلا عن غسل القلب بالماء والثلج والبرد... نعمة التوحد في القلوب والقبلة والشعور والتوجه والأحاسيس... نعمة المناجاة بلا علائق أو عوائق بلا حسابات أو ضغوطات بلا جُدُر ولا أسوار بلا حصون أو موانع... نعمة الشكوي بلا دمغات ولا ضرائب بلا بلاغات ولا محاضر... إنها نعمة الحج... تلك النعمة التي تهفو نفوسنا كل عام إليها وتتقطع قلوبنا شوقا... فمثل هذه النعمة وما يتبعها من نعم ورحمات هي ما يستحق بحق أن نغبط أصحابها عليها وأن نتمني أن نصيب ما أصابوا وننعم بما نعموا... فاللهم ارزقنا حج بيتك و الطواف والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة... فإنك القادر علي ذلك... وإن توفيتنا قبله فحاسبنا علي نياتنا وأنت أعلم بها منا. #بسن_القلم