وقع علي يده اليمني فشعر بآلام مبرحة... وعاد من مستشفاه مجبرا يده بجبيرة الجبس... لم يتعود أبدا علي تلك الربطة فهو دائم الانطلاق وعشوائي التصرفات... ولكن ما باليد حيلة... كانت تنتظره مهام جِسام و كلها تحتاج إلي يده المكسورة... فحدَّث نفسه: ياله من حظ عَثِر! ثم أضرب: بل ياله من سوء تخطيط! فهذه المهام مؤجلة من شهور... أما هي الآن فعاجلة غير آجلة... حاول جاهدا أن يكتب باليسري فلم يستطع... ففكر أن يستعين بمن يكتب له... وبالكاد نجح ولكن في الوقت شبه الضائع وبجودة تقترب من المقبول إن لم تصل أحيانا إلي الضعيف أو الضعيف جدا... ناهيك عن عجزه أثناء الأكل والشراب وارتداء الملابس والاستحمام وغير ذلك من المهام... شعر بعجز جزئي لكنه كان بالنسبة إليه بمثابة عجز كلي عقلي سَمِج لأنه تعود دائما أن يؤجل الأشياء إلي قرب النهاية... صحيح هو دائم الوصول ولكنه يصل وهو مصاب بِِتَسارُع شديد في أنفاسه وتَدَلِّي كامل للسانه... مشهد طالما كرهه وطالما أيضا كرَّره فهو أشبه بككلب يلهث... أوكأنه خارج لِتَوِّه من حلبة صراع مع أسد ضارٍ أو من سباق مائة متر عَدْو مع أسرع رجل في العالم... توجّه إلي القاهرة ليؤدي امتحانه الجامعي قاصداً محطة السكة الحديد، ممسكاً حقيبته بيد ويده الأخري يحيط بها الجبس... وبرغم إصابته لم يُفكر في الذهاب مبكرا إلى المحطة لكي يضمن اللحاق بالقطار في وقت مناسب... والحصول علي كرسي مريح... وها هو القطار يصل المحطة وهاهو يجري لاهثاً لكي يستطيع مجرد اللحاق به وتمر أمامه عربة وراء الأخري حتي لم يتبقَ إلا عربة واحدة إ ن لم يلحق بها فلن يؤدي الامتحان... فإذا به يرمي حقيبته داخل القطار ولم يفكر إلا وهو يمسك بيديه بكل ما أوتي من قوة بمقابض العربة الاخيرة لعل وعسى وبالفعل دخل القطار بِشِقِّ الأنفس وظل يلهث تارة ويحمد الله تارة أخرى ولكنه بعد فترة وجيزة اكتشف أن خسائره كثيرة... فيده المكسورة عاودتها الآلام من جراء تَجَدُّد الكسر وحقيبته ...اختفت... والأدهي... أن المعلومات داخل عقله هي الأخري قد طارت... ووصل القطار في موعده تماما ولكن صاحبنا للمرة الأولى... لم يصل! #بسن_القلم