لم يكن أكثر الناس واقعية وأوفرهم عقلانية يتصور أن تكون تلك هي بداية الدوري الممتاز لكرة القدم.. ولم يتخيل أحد أن تقسو البواكير علي الأقطاب فنياً حتي ولو جاء هذا الاضمحلال وذاك التردي بسبب التحكيم الضعيف والحكام المهزوزين.. ويتعملق أصحاب القامات المتوسطة ويتألق الإقليميون ويتصدرون المشهد ويتبوأون القمة عن جدارة واستحقاق.. وقبل أن ندخل في تفاصيل هذا الاستعراض الموجز لابد أن نذكر أنه بالرغم من الصدامات والصراعات التي جرت علي أرض الملعب فإن معظم النهايات جاءت تعادلية.. أربعة إيجابية وبنتيجة واحدة هي هدف للطرفين.. واثنتين سلبيتين.. بينما أفلت كل من الإسماعيلي والمقاولون والمصري من هذا المحفل التعادلي وحققوا فوزاً علي كل من الاتحاد السكندري والمقاولون ودجلة.. وجاءت حصيلة الأهداف معقولة ومقبولة حيث بلغت ال 18 وبمعدل طيب وصل إلي هدفين لكل مباراة.. تربع ذئاب الجبل علي الصدارة بعد أن افترسوا الرجاء الوافد من الغرب بثلاثية نظيفة.. كان أبناء عودة عند حسن الظن بهم سيطروا علي كل الأمور من البداية وحتي آخر لحظة ولم يكن الضيوف أنداداً بل استسلموا تماماً لأصحاب الجبل الأخضر الذين استحقوا التربع علي القمة ولو حتي حين إشعار آخر.. وغمرت الدراويش فرحة طاغية بعد أن تمكن الفرنسي ديسابر من قلب الطاولة علي رأس سيد البلد وتحويل التأخر بهدفين إلي تفوق وتقدم برباعية كان يمكن لهم أن تزيد لولا حالة الشبع التي أصابتهم وربما رغبتهم في عدم تأجيج النيران وتعميق الشروخ والخلجان التي أصابت زعيم الثغر الذي تخبط مسئولوه في تصريحات عاتبة ولائمة لبعضهم البعض غير أن المؤكد أن هاني رمزي المدير الفني قد لا يتمكن من تحسين الأحوال واستعادة الهيبة في ظل الدفاعات المشروخة والمفتوحة.. وإذ كنا قد أشدنا بالفن ديسابر والمصري عودة وقدمناهما علي المدير الفني للمصري حسام حسن الذي اكتفي بتحقيق الغاية ولو من فوز محدود وبهدف وحيد علي وادي دجلة بقيادة أحمد ميدو.. فإن التوأم يستحق لقب "الصنيعية" اللذين يحولا التراب إلي ذهب ويشكلان من أنصاف الموهوبين لاعبين مهرة يخشاهم الجميع ويتهافت عليهم الكل.. الغريب أيضاً في البداية أنها عكست حالة من الضعف والضحالة لأندية كثيرة ولاعبين عديدين.. لاعب لا يعرف كيف يستقبل الكرة ولا كيف يظهر لزميل ناهيك عن الجهالة في التمرير والعشوائية في التسديد والارتجالية في الانطلاق.. أما عن الحكام فحدث ولا حرج.. ويبدو أن المشكلة تتعاظم.. وعدم الثقة في النفس تتعمق.. والفجوة بين الإجادة والركاكة تتعمق وتتسع.. وأن هناك من يتأثر بعواطفه وأهوائه للدرجة التي تعمي بصره وتلغي بصيرته فيظلم عن عمد ويتسبب في حرمان المستحق لنقاط ثمينة يهديها طواعية لمن لا يستحق إرضاء لنزواته وغفوتها.. ثم يخرج علينا كبيرهم وخبيرهم فيعترف الأول بالأخطاء الفادحة.. ويقر الثاني بأن السبب هو سوء التمركز.. القطبان بالجزيرة وميت عقبة صدما جماهيرهم الغفيرة وانتزعا تعادلاً بشق الأنفس.. الغريب والمثير أن الإنتاج بقيادة المجتهد مختار تقدم علي الزمالك الذي لم تفلح معه جهود الصربي وحتي قبيل النهاية فيسجل التعادل من انطلاقة لكاسنجو خطف فيها الكرة من مدافع الإنتاج ويحفظ بعضاً من ماء وجه محبي الأبيض بينما ينقذ أحمد الشيخ الأحمر وبهدف من ضربة ثابتة سدد منها الكرة فسكنت الزاوية العليا اليسري ويختفي كل المهاجمين سواء المغاربة أزارو أو المصريين أحمد ياسر الذي خسر البدري رهانه عليه.. كل الأمل أن ترتقي المستويات وتختفي الإخفاقات وتعود للجماهير من جديد الابتسامات.