إذا أردت أن تعرف بدقة حقيقة ما جري في انتخابات المرحلة الأولي.. وأن تشاهد ما جري في كواليسها.. وأن تطلع علي خفاياها، فما عليك إلا أن تبحث عن رجل اسمه «محمد فايق». «فايق» - نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان هو أحد القلائل الذين شاهدوا بأعينهم وسمعوا بآذنيهم ورصدوا بالدلائل والقرائن كل تفاصيل المرحلة الأولي للانتخابات، وبالتالي فإن ما سيقوله عن هذه الانتخابات وتداعياتها سيكون كلا ما غاية في الأهمية، خاصة أن الرجل ليس فقط خبيرا في حقوق الإنسان، وإنما أيضا سياسي قدير يمتلك رصيدا هائلا من التجارب والخبرات حيث تقلد من قبل مناصب عديدة مهمة فكان وزير لإعلام مصر وكان أيضا منسق العلاقات بين مصر وجميع حركات التحرر الوطنية في إفريقيا طوال فترة حكم الرئيس عبدالناصر. «الوفد الأسبوعي» التقت «محمد فايق» وأجرت معه حوارا عن الانتخابات وتداعياتها.. وسألناه السؤال الأكثر طرحا في مصر.. هل يمكن أن يكرر إخوان مصر ما فعله «هتلر» في ألمانيا..؟ وإلي نص الحوار. كيف رأيت المرحلة الأولي للانتخابات؟ - فيها إيجابيات كثيرة وفيها سلبيات أيضا. وما أهم الإيجابيات من وجهة نظرك؟ - الإقبال غير المسبوق من الناخبين والأمان المبهر الذي تمت فيه الانتخابات. وهل كنت تتوقع ما حدث؟ - لم أكن أتوقع هذا الحضور الكبير من الناخبين أما التأمين فكنت أتوقع حدوثه. لماذا؟ - بسبب المخزون الحضاري للشعب المصري، وهذا المخزون هو السر في إضفاء حالة من الأمان علي العملية الانتخابية، وهو أيضا الذي خلق علاقة حميمة بين الناخبين والشرطة والجيش، ورأينا في أغلب اللجان الانتخابية جنود الجيش والشرطة يساعدون كبار السن في الوصول إلي صناديق الاقتراع. هذا عن الإيجابيات فماذا عن السلبيات؟ - فتح اللجان متأخرا كان أول السلبيات، وفي الإعادة تم تدارك هذه السلبية وفتحوا الغالبية العظمي من اللجان مبكرا والسلبية الثانية تمثلت في الدعاية الانتخابية أمام اللجان وهذا الأمر تكرر كثيراً. وماذا فعل المجلس القومي لحقوق الإنسان لمواجهة هذه السلبيات؟ - أبلغنا المسئولين بها فورا. وماذ فعلوا؟ - يبدو أن الجيش والشرطة «مش عايزين» يعكروا عرس الديمقراطية الذي شهدته مصر في الانتخابات ولهذا تساهلوا شوية. ومن كان أكثر المتجاوزين في دعاياتهم الانتخابية؟ - التيار الديني.. والإخوان كانوا أكثر تجاوزا من السلفيين. وما الذي كان يجب فعله أمام تلك التجاوزات؟ - القانون يقول إنه يجب منع الدعاية أمام اللجان بأي وسيلة. وبرأيك هل هذه التجاوزات أثرت علي نتيجة انتخابات المرحلة الأولي؟ - أظن أنها لم تؤثر علي النتيجة العامة للانتخابات.. وكانت الأحوال في الإعادة أفضل بكثير بدليل أن الشكاوي التي تلقاها مجلس حقوق الإنسان في الإعادة كانت أقل بكثير من أول يومين للانتخابات. هناك ظاهرة واضحة في انتخابات المرحلة الأولي وهي كثرة الطعون عليها، وأيضا صدور أحكام قضائية بإلغاء انتخابات بعض الدوائر في القاهرةوالإسكندرية ومع ذلك لم تلتفت اللجنة العليا للانتخابات لهذه الأحكام فور صدورها.. فماذا تفسر ذلك؟ - بصراحة مش قادر أفهم، لماذا لم تأخذ اللجنة العليا للانتخابات بهذه الأحكام وتوقف الانتخابات في دائرة الساحل بالقاهرة وإحدي دوائر الإسكندرية رغم صدور أحكام بوقف انتخابات هذه الدوائر. بعض التصريحات الصادرة عن مسئولين في اللجنة العليا للانتخابات تقول إن هذه الأحكام لم تصل للجنة قبل انتخابات الإعادة ولهذا سمحوا بإجراء الإعادة؟.. فهل هذا سبب مقنع من وجه نظرك؟ - لا .. مش كفاية إنه يقال بأن الأحكام لم تصل للجنة العليا للانتخابات.. فالقضية الأساسية هي: هل صدرت أحكام بالفعل بوقف الانتخابات في دوائر معينة أم لا؟ .. وما دامت الأحكام قد صدرت فيجب أن تلتزم بها فوراً اللجنة العليا للانتخابات؟ وبرأيك لماذا لم تلتزم اللجنة العليا للانتخابات بأحكام القضاء؟ - أكيد هناك مشكلة ما.. وتحديد تلك المشكلة يتطلب قراءة جميع التقارير الخاصة بهذا الموضوع، والمعلومات التي وصلتني حتي الآن كلها تقارير مبدئية (ملاحظة: الحوار تم عشية يوم انتخابات الإعادة). وبحكم المعلومات التي وردت إليكم طوال الأيام الماضية ويحكم إطلاعكم علي التفاصيل الدقيقة لما جري في أيام انتخابات المرحلة الأولي هل تري اللجنة العليا للانتخابات محايدة وتتعامل مع جميع المرشحين بالتساوي؟ - نعم.. اللجنة العليا للانتخابات في المرحلة الأولي للانتخابات كانت محايدة. الصدام الذي وقع بين الإخوان المسلمين والسلفيين في المرحلة الأولي للانتخابات كان مفاجأة للبعض، هل فاجأك هذا الصدام أم كنت تتوقعه؟ - كنت أتوقعه.. فالسلفيون أول مرة يعملون في السياسة وأفكارهم السياسية لم تتبلور بعد، وبعض آرائهم تتناقض مع الدنيا كلها ولهذا اصطدموا بالإخوان الذين يمتلكون تاريخا طويلا من الممارسة السياسية، وبالمناسبة الإخوان خائفون من هذا الصدام. خائفون؟ - نعم.. لانهم يخشون أن يسحب هذا الصدام من رصيدهم في الشارع المصري ويخشون كذلك من أن يؤثر هذا الصدام سلبا علي التيار الديني كله. نتائج انتخابات المرحلة الأولي تقول إن التحالف الذي يقوده الإخوان المسلمون حصل علي النسبة الأكبر فهل كنت تتوقع هذه النتيجة. - كنت أتوقع أن يحصلوا علي النسبة الأكبر ولكني كنت أتوقع ان تكون تلك النسبة أقل قليلا مما حصلوا عليه، والمفاجأة كانت في السلفيين الذين حصلوا علي نسبة كبيرة من أصوات الناخبين وهي نسبة لم أكن - وكثيرين غيري - يتوقعون أن يحصل عليها السلفيون. وبصراحة.. هل الناخب في المرحلة الأولي اختار مرشحة علي أساس ديني أم علي أساس المفاضلة السياسية بين المرشحين؟ - الجزء الكبير من الناخبين اختار مرشحيه علي أساس ديني.. وهذا كان واضحا تماما من تعليقات بعض الناخبين.. فبعضهم كان يقول «أنا عايز حزب الإسلام».. وآخرون كانوا يقولون «إحنا هننتخب المسلمين»، وهذه كلها إيحاءات بأن الكثيرين انتخبوا علي أساس ديني. وأعتقد أن هناك جزءاً من الناخبين اختاروا التيار الديني كنوع من التغيير أو التجريب بمعني أننا جربنا من قبل أصحاب توجهات سياسية عديدة واليوم لنجرب التيار الديني. وهل تعتقد أن يفوز الإخوان المسلمين بالأغلبية؟ - لن أسبق الأحداث.. ولكني أتمني ألا يستأثر فصيل واحد بحكم مصر.. كفاية حكم الحزب الواحد.. والنقطة الخطيرة الأخري تتعلق بالدستور، الدستور يجب ألا يسيطر علي وضعه فصيل واحد حتي لو كان يمثل الأغلبية في مجلس الشعب، فالدستور هو العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع، وبالتالي فإن هذا العقد يجب أن يشترك في صياغته المجتمع كله، وعلي الإخوان أن يعلموا أنهم حتي لو حصلوا علي الأغلبية في البرلمان، فإن تلك الأغلبية لم تمنحهم حق الإنفراد بوضع الدستور الجديد. وماذا لو أصروا علي الانفراد بوضع الدستور؟ - المجتمع لن يقبل بهذا الانفراد، وسيفاجئ الإخوان بأن العملية كلها فلتت منهم وسيصير حكمهم لمصر مستحيلا وسيفقدون كل شيء. وهل تعتقد أن قيادات الإخوان يدركون ذلك؟ - إصرارهم علي رفض مبادئ التوافقية في وضع الدستور يخوف، لانه يعطي إنطباعا بأنهم يريدون وضع الدستور بشكل معين، والمؤكد أنهم شاهدوا حجم الاحتجاجات التي انفجرت في مصر كلها بسبب تلميحهم برغبتهم في الانفراد بوضع الدستور وبالتالي فمن الحكمة أن يتراجعوا عن رغبتهم في الانفراد بوضع الدستور. قلت إنك لا تحبذ أن يحكم مصر حزب واحد.. فهل الأفضل لمصر الآن ان يحكمها ائتلاف يضم عدة قوي سياسية؟ - نعم. مثل الإخوان المسلمين والسلفيين مثلا؟ - لا.. لو كان الإئتلاف الذي سيحكم مصر هو ائتلاف الإخوان والسلفيين تبقي كارثة. لماذا؟ - لأسباب كثيرة أهمها أن الاثنين واحد رغم اختلافهما في بعض الأمور، وبالتالي فإن مثل هذا الإئتلاف سيعيدنا إلي عصر ديكتاتورية الحزب الواحد. وهل لو حكم التيار الديني ستتراجع حقوق الإنسان في مصر؟ - سمعنا من بعض الشخصيات السلفية كلاماً مزعجاً جدا عن حقوق الإنسان، ولا أعرف إن كان هذا هو رأيهم الشخصي أم رأي السلفيين جميعا، وهذه الرؤي لو تم تطبيقها فستحدث انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان، أما الإخوان فيهم شخصيات قاست من القمع والظلم والاعتقال ولهذا أعتقد انهم لن يكونوا ضد حقوق الإنسان خاصة أن حقوق الإنسان لا تتعارض مطلقا مع الدين الإسلامي. وأيا كان الأمر فإن الضمانة الأولي لنجاح من يتولي حكم مصر هو حفاظة علي الحرية وعلي حقوق الإنسان، فمصر ثارت من أجل الحرية ولا يجوز أبدا أن تتراجع للخلف. نعود للانتخابات البعض طالب بإلغاء غرامة ال 500 جنيه لمن لا يدلي بصوته في الانتخابات فما ريك؟ - والله الغرامة سيكون تحصيلها صعبا بل مستحيلا. وهل صحيح أن الكثيرين صوتوا في انتخابات المرحلة الأولي خوفا من الغرامة؟ - لا .. الذين صوتوا خوفا من الغرامة عددهم قليل.. والمصريون شاركوا في انتخابات المرحلة الأولي بكثافة لانهم شعب واع. «هتلر» النازي، أحد أكبر ديكتاتوريي العالم، وصل للسلطة عبر انتخابات ديمقراطية ثم تحول لديكتاتور وفاشي لا مثيل له.. فهل هذا السيناريو قابل للتكرار في مصر؟ - لا أعتقد.. نحن الآن نعيش في عصر مختلف والمصريون ثاروا علي حسني مبارك ولن يقبلوا أبدا بأن يحكمهم ديكتاتور جديد. وهل الطريق في مصر ممهد لتحقيق ديمقراطية حقيقية؟ - مصر وضعت قدمها علي طريق الديمقراطية ولا ينقصنا الآن سوي الانفتاح علي العالم فمبارك كان «عازل» مصر عن العالم ومن المهم الآن ان ننفتح عن العالم وأن ندرك انه لم يعد هناك مكان للكيانات الصغيرة وعلينا بسرعة أن نعيد مصر إلي عالمها العربي وإلي التكتلات القوية في أفريقيا فمن المهم جدا أن ننهض بمصر ونرسي دعائم الدولة الحديثة. وهل تعتقد ان المستقبل يحمل لمصر مخاطر وتحديات أم خيراً وازدهاراً. - أنا لا أحب كلمة متفائل أو متشائم ولكني أري أن مصر الآن أمامها فرصة كبيرة للنهوض وأدعو كل مصري أن يكون شغله الشاغل هو خدمة مصر وإعلاء شأنها كدولة حديثة بكل معاني الكلمة.