جلست شيماء، بعد مكالمة أمجد لها، تتأمّل شريط حياتها طوال الشهرين الماضيين، حيث أسمعها أسوأ ما يمكن أن يقال لفتاة، لمجرّد أنّها تجرّأت عليه، وطلبت ابتعاده عنها، إذ دارت الدنيا بها، أصبح جسدها النحيل، كأنّه قطعة من الثلج، جامدة لا تتحرّك، تذوب منها قطرات تسقط من عينيها، دون أن تنطق بكلمة، حابسة داخلها صرخات على حبّ مضى ولن يعود. مرّت الساعات تلو الساعات، وهي في مكانها لا تقوى على الوقوف، فلأوّل مرّة يهوى قلبها، ولأوّل مرّة تذرف الدمع على فراق أحد، وأصعب ما كانت تشعر به هو الإهانة من شخص، ظنّت يوماً ما، أنّها وهو كيان واحد، لكن للأسف، ما كلّ من نحبّ صادق، ولا كلّ من نعشق في نقاء الزهور، فبستان الحبّ كثيراً ما يكون مملوءاً بالأشواك. فجأة شعرت، أنّها جمرة تحترق في بحر من جحيم، صعدت السلم، وهي تبكي، ذهبت الى غرفة شقيقتها، وأيقظتها قائلة: أهانني يا ليلى.. أهانني ذلك المغرور، وأنا التي صبرت على أسلوبه الساديّ، ظنّاً منّي أنّه سيتغيّر، لكن هيهات. فمن شبّ على الخلق السيّئ شاب عليه.. حاولت ليلى تهدئتها، لكن دون جدوى، فلحظات الصمت التي تلت مكالمة أمجد، كانت حقّاً الهدوء الذي يسبق العاصفة. تابعت شيماء بكاءها قائلة: انا التي فعلت ذلك بنفسي.. عشت عمري كلّه، وقلبي مفتاحه معي، وحينما أترك المفتاح لأحد، يكون شخصاً لم ألتقه بحياتي.. كيف أحبّ شخصاً أعرفه فقط عبر الانترنت كلّ هذا الحبّ..؟! كيف أسمح له ان يهينني..؟! هل انا من سمح له بذلك..؟! هل فعلاً أخطأت بحقّه أم أن الذنب كلّه ذنبه..؟! حقاً سينفجر رأسي من كثرة الوساوس والتساؤلات.. أريد أن أصرخ، أريد أن أردّ له الإهانة.. وفعلاً اتّصلت به ثلاث مرّات، كي أردّ عليه إهانته، لكنّه في كلّ مرة يتمادى في إهانته لي، ويغلق الخطّ، فلا استطعت ردّ إهانتي، ولا استطعت عتابه. كان أمجد مصوّراً تلفزيونيّاً وسيماً، يظنّ أنّ الدنيا كلّها بين يديه، تعرّفت إليه شيماء على صفحتها على الفيس بوك، فهي صحفية، وكلّ مَن حولها يعرفها ويعرف أخلاقها وذكاءها، أعجب أمجد بخلقها وذكائها الحادّ، مثله مثل أيّ شخص قابلته شيماء، والغريب أنّها منذ أوّل كلمة بينهما، شعرت أنّها ستربطها به علاقة قوية، لم تشعر وقتها بماهيتها، فكانت في النوم تحلم به، وفي الصحو تشعر أنّ شيئاً ما يجذبها نحوه، ويوماً بعد يوم تقاربا، تلاقت أفكارهما، وتطوّر الأمر بينهما إلى أحاديث هاتفية، بدأت بين مصوّر وصحفية، وانتهت الى حبّ ربطهما بذلك الرباط، الذي لم تتصوّر نفسها أبداً أن تُقيّد به. لكن للأسف ذلك الرباط لم يحتمل طويلاً، فتهتّكت أجزاؤه، ولم يصمد أمام أسلوب أمجد الفظّ في التعامل، والذي قابلته شيماء بمرونة في البداية، لكن كثرة القسوة تعلّم الجمود، وطوال الساعات التي تلت تلك المكالمة، ظلت شيماء تسترجع يوم كانا متفقيْنِ على لقائهما الأوّل، ولم يعر موعدهما أي اهتمام، انشغل برحلة عمل، وبعدها يوم مرضه، والذي كان سبب فراقهما، فلقد تركها بين عذاب القلق عليه، ونار عدم الردّ عليها، ثمّ بعد يومين من العذاب، ردّ عليها يؤنّبها أنّها بعثت له برسائل تطلب منه طمأنتها عليه، ثم أغلق في وجهها الهاتف، فما كان منها إلّا أن بعثت له برسالة تؤنّبه على ذلك، وتؤكّد له أنّ ما بينهما انتهى، فهو لا يستحقّها، وقامت بمسحه من الفيس بوك، الذي كان سبباً في تعارفهما.. مضى يومان بعدها، وإذ به يتّصل بها، ظنّت المسكينة أنّه يتّصل متأسّفاً ونادماً على فعلته، فسارعت الى الهاتف متلهّفة، وكأنّها فراشة تطير في شغف إلى زهرة مخمليّة في ربيع هادئ، إلّا أنها صدمت، فلقد كان كالوحش المجنون، كل ما يهمّه، هو كيف أنّها حذفته من لائحة أصدقائها على الفيس بوك، ثمّ تمادى في الإهانات واحدة تلو الأخرى. مرّت أيام بعد مكالمة أمجد، لم يتّصل ليعتذر، ولا حتّى ليطمئنّ عليها، حينها أدركت أنّها قد منحت قلبها لمن لا يستحقّ، فما بدأ على النت، انتهى على النت، ولكنّها تنبّهت إلى ذلك متأخّراً، وعزمت على أن تكرّس حياتها لعملها فقط، دونما حبّ أو عاطفة، فقلبها الذي تعلّق بالوهم لن يخدع بحبّ افتراضيّ أبداً.. حبّ أمجد مضى ولن يعود.. لكنّ شبحه ظلّ يراودها..