لم يكن دى ليسبس يعرف المستحيل فى اتمام مشروع القناة فهو حلم حياته ومستقبله بعد ان اعتزل المناصب السياسية الرفيعة التى تولاها بالخارجية الفرنسية وعندما حصل على فرمان الامتياز الاول والثانى اسس الشركة وواجهته مصاعب جمة قبل الحفر واثناء الحفر وكانت اعداد الانفار قليلة فى بداية الحفر لكونه نشاط بحرى وصناعى اكثر منه نشاطا امتد الى عمليات الحفر حتى عام 1861 على سبيل المثال جعل بورسعيد مكانا صالحا لرسو السفن التى تفد من اوربا والاسكندرية حاملة مواد التموين. صنع دى لسبس من الحيل ما لا يخطر ببال بشر لجلب العمالة عن طريق الدعاية الدينية التى هى كلمة السر فى حفر القناة من حيث التودد الى المسلمين وربط بين القناة المزمع انشاؤها وبين الدين الاسلامى وصبغ المشروع بالصبغة الدينية الإسلامية وقال: " ان القناة مذكورة فى القرأن والمقصود بها البرزخ واستعان بالكتّاب لكتابة المقالات فى الصحف المصرية لاهمية هذا المشروع الدينى المرتبط بالواقع الفعلى لتشجيع الناس على العمل لشق البرزخ وإلتقاء البحرين عن طريق الحفر كما قال القرأن فى سورة الرحمن " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان" وهذا المشروع مشروع اسلامى بحت لكون الفكرة ترجع الى القرآن الذى انزل على محمد صلى الله عليه وسلم ونحن سنساعدكم على تطبيقها بسواعدكم القوية وبنى فى كل قرية على القناة جامع يأتى اليه خطيب او داعية ليحمس الانفار على الحفر وبنى مأذن وضع عليها مصابيح حتى يهتدى القادمون اليها من الانفار الجدد الى قرى الحفر وطبع منشورات وزعت على المحافظات لجذب الانفار للعمل بالحفر وذكر ان الشركة انشأت قرى لسكنى العمال واقامت مساجد يقيمون فيها الشعائر وقرر ان ماء الشرب متوفر وحدد الاجور على اساس الانتاج وترك للعمال الحرية فى شراء ما يرونه من مخازن المقاول بالاثمان المحددة بالتسعيرة وكانت اجرة الكبير قرشان ونصف الى ثلاثة قروش واجرة الصبى قرش صاغ. انشأت الشركة مكاتب تتولى تنظيم عملية جمع العمال والاشراف على سفرهم الى ساحات الحفر بالقاهرة والمنصورة ودمياط والزقازيق وطنطا واسيوط وقنا كما ابرمت الشركة اتفاقات مع مقاولى الانفار على ان يتقاضى المقاول عن كل رجل عشر بارات ( نصف قرش) عن كل يوم يقضيها فى الحفر وكانوا من الاجانب الذين يطلبوا مساعدة السلطات المصرية فى جمع العمال للشركة ولم يدم اشتغال المقاولين لفترة طويلة حيث نفذت الحكومة لائحة العمال فلم تعد هناك حاجة الى استخدام المقاولين ومن ثم كان جلب العمال بالسخرة. كان دى لسبس يحرص على ان يشهد مفتى الديار المصرية وكبار رجال الدين الاسلامى الاحتفالات التى تقيمها الشركة كلما صادفت نجاحا جزئيا فى اتمام عملية الحفر وكان يلقى احد كبارهم كلمة مناسبة فى الحفل يوجه الى العمال المصريين ويبارك عمل الشركة ويشيد بحضارة فرنسا وبعد انتهاء الحفل يذهب المدعوون المسلمون لاداء الصلاة فى المسجد الذى اقيم الحفل بجواره. كانت الشحنات الايمانية تخترق القلوب والايادى الفتية لاستكمال البرزخ المذكور فى القرآن وهو دليل عملى واعجازى بالقرآن الذى نبأ بالفكرة فى سورة الرحمن ومن ثم كان الدعاة والائمة بقرى الحفر يقولون ان موتى الحفر شهداء فى سبيل الله حتى اتمام البرزخ ويلتقى البحران ليخرج من ضفافها مدن القناة الثلاثة فى ابهى صورة عرفها التاريخ.