هن نساء من نوع خاص لسن كمثيلاتهن اللواتي ينتظرن ما يجود به رب الأسرة، لا يهم إنكن عازبات،متزوجات، أو مطلقات.لأن القاسم المشترك بينهن مسلسل طويل من المعاناة يقتسمن حلقاته كل يوم في سبيل البحث عن إبرة لقمة عيش كريمة وسط كومة من متاعب ومشاكل الحياة،إنهن باختصار "نساء الموقف" .. و"الإسماعلية برس" جالست بعضهن وتحكي لكم قصصهن. نحن الآن بدرب كبير وبالضبط بشارع الفداء (إحدى الشوارع المعروفة بالعاصمة الإقتصادية للمملكة المغربية) هنا حيث يختلط دخان الحافلات بالسيارات والصراخ المرتفع لسائقين، تجلس مجموعة من النسوة لعرض خدماتهن في مجال المسح والكنس وغسل الملابس وغيرها من الأعمال المنزلية التي تتطلب مجهودا مضاعفا من صاحبة البيت. طبعا القيام بهذه الأعمال ليس بالمجان ولكن مقابل ثمن بسيط "لا يسمن ولا يغني من جوع" حسب سعاد وفاطنة، وغيرهن من ممارسات هذه المهنة التي أجبرتهن ظروفهن القاهرة على مزاولتها. "أتقن جميع الأعمال المنزلية سيعجبك عملي" بهذه العبارة استقبلتنا سعاد امرأة تبدو في عقدها الرابع لم يترك الزمن مكانا على ملامحها السمراء إلا ورسم خطوطا عليها،بلباسها المتواضع وابتسامتها العفوية، تحاول إقناع الباحثات عن المساعدة. من يرى تلك الإبتسامة والحيوية، لا يعتقد أن تلك الشفرة تخفي ورائها هما وألما،لقد حاولت التأقلم مع الوضع الذي خلفه والدها،فقررت الخروج بعدها إلى العمل لمساعدة اخوانها الثلاث على متابعة دراستهم. كغيرها من نساء "الموقف" تجلس تنتظر أن يناديها بنات جنسها لطلب المساعدة في أعمال المنزل، تقول سعاد والكثير من الحشرجة في صوتها "مجبر أخاك لا بطل كما يقول المثل"، اضطررت الإشتغال في هذه المهنة الشريفة، لمساعدة إخواني الصغار على إتمام دراستهم مقابل 50 أو 100 درهم كحد أقصى في اليوم الواحد، فضلت أن أشتغل هذه المهنة برغم سعرها الضئيل، على أن أزاول مهنة محرمة وثمنها أكثر، "الحمد لله على كل حال" تجلس بالقرب من سعاد فاطنة. هذه الأخيرة ليست أحسن حال من زميلتها في الحرفة، من يراها لأول مرة، لا يعتقد أنها فتاة في العشربنيات من عمرها، ملامحها البيضاء الشاحبة، وتسريحة شعرها الغريبة، ولباسها الذكوري، أسقطوا عنها صفة الأنوثة. فاطنة نموذج للفتيات اللواتي تذوقن مبكرا طعم الشقاء والإنكسار، في ميدان الحياة مبكرا، هي اليوم تعيل رضيعة لا يزيد عمرها عن السنة، يقتسمن غرفة متواضعة، في احدى الأحياء الشعبية بالدارالبيضاء، مقابل 700 درهم "نحن الفقراء تقتحمنا العيون، وتتخطنا الأنظار أينما رحلنا وارتحلنا" لذلك قررت أن أزاول هذه المهنة بعدما تخلى عني زوجي، بعدما اكتشف أني حامل، علاوة على هذا لا أحمل شهادة أشتغل بها، تقول فاطنة وغمامة رقيقة من الهم والاكتئاب، انتشرت على ملامحها. تتعرض نساء الموقف حسب فاطنة، للمضايقات سواء من طرف المشغلين، أو في الشارع، من تحرش بجميع إيحائته، خاصة وأن العديد من الفتيات يشتغلن هذه المهنة، لممارسة الدعارة، دون اللامبالاة للنساء اللواتي تكد وتشقى، لكسب لقمة الحلال. عاملات يحكين بحرقة عن واقع يعشن تفاصيله كل يوم، تجرعن كؤوس المرارة وقساوة الحياة، في سبيل الكسب الطيب، دون أن يلمسن "موقفا" واضحا من طرف الدولة.