عرفت صديقي المصور الفنان الموهوب فاروق إبراهيم قبل أكثر من 36 عاماً . في بداية رحلتي مع الصحافة . كنت قد درست التصوير في كلية الإعلام . وآمنت حين بدأت عملي في " أخبار اليوم " بما كان يقوله أستاذي العملاق علي أمين . من أننا أصبحنا نعيش عصر وحضارة الصورة . وأن صورة واحدة معبرة . أبلغ من مائة مقال ! وصادقت أغلب مصوري " أخبار اليوم " وتعلمت من كثيرين منهم . وكان يرأسهم المصور الكبير أحمد يوسف ثم المصور الكبير محمد عبد الرحمن لكني ومن اليوم الأول وجدت فاروق إبراهيم بين عمالقة التصوير الصحفي . نجماً مميزاً وفناناً موهوبا وانساناً لطيفاً وشخصية مثيرة ! لقد بدأ الفنان فاروق إبراهيم حياته من قاع المجتمع . وعمل صبياً صغيراً في مهن وحرف كثيرة ! فرضت الحياة علي الصبي فاروق إبراهيم . أن يصبح رجلاً قبل الميعاد . وكانت حياته سلسلة كفاح حقيقي . تصلح فيلماً . أو مسلسل من مسلسلات شهر رمضان ! وبدأ فاروق إبراهيم طريقه إلي عالم التصوير الصحفي . من " الف باء " التصوير . وهو المعمل أو الحجرة السوداء . التي خرج منها عمالقة التصوير في مصر . ومن البداية ظهر أن فاروق إبراهيم ليس مصوراً صحفياً عادياً . كان يحب الكاميرا وكانت الكاميرا تحبه . وكان لديه الذكاء والحس الصحفي . الذي يجعله متواجداً في اللحظات النادرة . حيث تكون الصورة الصحفية النادرة ! واشتهر فاروق إبراهيم بالصور التي كان يلتقطها للمشاهير وعلي رأسهم . كوكب الشرق أم كلثوم ! لكن شهرته زادت بعد أن تعرف علي العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ . واصبح المصور الرسمي له . وصديقه في نفس الوقت . لا يفارقه ويسافر معه إلي كل بلاد الدنيا . وقد اشتري عبد الحليم حافظ علي حسابه . أغلي الكاميرات وأعطاها بحب لفاروق إبراهيم ! وعندما تولي الرئيس أنور السادات حكم مصر . أصبح فاروق إبراهيم المصور الشخصي للرئيس السادات . والتقط له عشرات من الصور الرائعة . لكن صور الرئيس السادات كادت في وقت من الأوقات أن تقضي علي مستقبل فاروق إبراهيم الصحفي ! وعندما تولي الكاتب الصحفي الكبير واستاذي إبراهيم سعده . مسئولية تحرير " أخبار اليوم " . نشر لفاروق إبراهيم مجموعة من صور كان فاروق إبراهيم التقطها للرئيس السادات في بيته وقي حجرة نومه . اثارت ضجة كبيرة في مصر وخارجها ! ولا أحد يعرف كيف أقنع فاروق إبراهيم الرئيس السادات أن يقوم بتصوير يوم في حياته . والتقط له عشرات اللقطات عندما استيقظ بملابس النوم . ثم وهو يمارس الرياضة في الحجرة . ثم لقطات أخري له وهو يحلق ذقنه ! وكانت تلك أول مرة يشاهد فيها المصريون . رئيس الجمهورية بهذه الطريقة . وأعتقد أن هذه الصور أغضبت السيدة جيهان السادات . وكاد فاروق إبراهيم أن " يطير " بسبب فعلته هذه . لولا أن الله ستر ! وقد أحببت فاروق إبراهيم من أول يوم تعرفت عليه . وأعتقد أنه بدوره أحبني . والله أعلم . لكن الصداقة الجميلة ربطت بيننا . وكنت دائماً أختار أن يكون فاروق إبراهيم هو مرافقي في تصوير أغلب تحقيقاتي الصحفية. وسافرت مع المصور الموهوب فاروق إبراهيم إلي لبنان لتغطية نهاية الحرب الأهلية هناك . وسجل فاروق أيامها انتصارات صحفية كبيرة . وعندما هرب الجنرال ميشيل عون . من نفق سري تحت قصر بعبدا إلي السفارة الفرنسية . كان فاروق إبراهيم أول مصور صحفي في العالم يدخل معي هذا النفق السري . وصورت كاميراته القبعة العسكرية لميشيل عون . التي سقطت علي الأرض وهو يهرب مسرعاً . من النفق ! وذات يوم دعتني ست الكل فيروز . سفيرة لبنان إلي القمر . دعتني علي العشاء في شقتها المطلة علي الروشة في بيروتالغربية . وعلمت فيروز أن معي فاروق إبراهيم . فاعتذرت عن التصوير. لكن موهبة فاروق إبراهيم تغلبت علي المشكلة . وقام بتصوير لقطة عبقرية لشقة فيروز من الخارج . وقد أحدثت الصواريخ والقذائف الطائشة ثقوباً كبيرة في جدران وشرفة بيت فيروز . ونشرت "اخبار اليوم " الصورة المعبرة علي خمسة أعمدة! وكان لدي موعد لإجراء حديث صحفي مع الرئيس اللبناني إلياس الهراوي . وكنت أتمشي مع فاروق قبل الموعد . وتوقف أمام محل يبيع الأغذية . وتسمر أمام " الجبنة الريكفور " التي يعشقها . ودخل المحل واشتري نصف كيلو ورغيف . وخرج يأكل في الشارع . ثم وضع ما تبقي من الجبنة في صندوق الكاميرات ! وجاء موعدنا مع الرئيس اللبناني . ودخلنا عليه . وبدأت الحديث الصحفي . وفاروق يقوم بالتصوير . لكن وجه الرئيس اللبناني تغير بعد دقائق . وظل يضع يده علي أنفه . وأخيراً طلب سكرتيرته وقال لها : شو هالريحة المقرفة ! وانفجر فاروق إبراهيم في الضحك . - وقال للرئيس الهراوي : دي ريحتي يا فخامة الرئيس .. أقصد ريحة الجبنة الريكفور في صندوق الكاميرات ! وفاروق إبراهيم ليس في حاجة إلي شهادة أحد عن موهبته ولا قدراته كمصور صحفي عبقري. لكن .. هذه شهادتي عن صديقي الجميل .. " روقة " !