ظاهرة عجيبة فرضت نفسها علي الساحة القضائية خلال الفترة الأخيرة وهي انتقال معظم المتهمين في قضايا الرأي العام إلي مستشفي الأمراض النفسية والعصبية للتأكد من سلامة قواهم العقلية ومسئوليتهم الجنائية عن الجرائم التي ارتكبوها.. هل هي حيلة قانونية يلجأ إليها المحامون لإنقاذ موكليهم من العقوبات المشددة التي تنتظرهم؟! كم عدد المتهمين المحتجزين حالياً للفحص والملاحظة بمستشفي الامراض النفسية والعصبية؟! هل يعتبر تقرير اللجنة الطبية الذي يفحصه هؤلاء المتهمين ملزما للمحكمة؟! هذه الاسئلة وغيرها حاولنا الاجابة عنها في هذا التحقيق مع فقهاء القانون والأطباء النفسيين.. شهدت الاسابيع الماضية ظاهرة عجيبة تمثلت في إحالة معظم المتهمين في جرائم الرأي العام إلي مستشفي الامراض النفسية والعصبية للتأكد من سلامة قواهم العقلية ومسئوليتهم الجنائية عن الجرائم التي ارتكبوها.. ومن بينهم علي سبيل المثال لا الحصر سائق شركة المقاولون العرب الذي ارتكب مذبحة جماعية أودت بحياة سبعة من زملائه بخلاف المصابين حيث تم وضعه تحت الملاحظة الطبية بمستشفي الامراض النفسية والعصبية لمدة 54 يوما وتم تجديدها مؤخراً إلي 54 يوما أخري بناء علي طلب اللجنة الطبية المكلفة بفحصه واعداد تقرير عن حالته وذلك لعدم تمكن اللجنة بالحزم بمدي مسئوليته الجنائية عن جريمة القتل الجماعي التي ارتكبها.. وهناك ايضاً مهندس النزهة الذي قتل زوجته وابنه وابنته وحاول الانتحار بعد الانهيار المالي الذي تعرض له وفقدان ثروته في البورصة. وكان أحدث المتهمين الذين تم ايداعهم مستشفي الامراض النفسية والعصبية هو المذيع ايهاب صلاح المتهم بقتل زوجته.. وذلك بناء علي طلب محاميه بهاء الدين ابوشقة الذي دفع بإصابة موكله بحالة جنون لحظي عند ارتكاب الجريمة بسبب قيام المجني عليه بصفعه علي وجهه وسب والدته وشقيقته.وكل هذا يطرح السؤال.. هل تحولت مستشفي الامراض النفسية والعصبية إلي مكان بديل للسجون يمضي فيها المتهمون بعض الوقت عقابا علي جرائمهم .. وهل اصبحت بابا خلفياً للحصول علي البراءة؟.. هذا مانريد التعرف عليه. دفع جوهري يقول المستشار فريد نصر رئيس محكمة جنايات الجيزة: إذا دفع دفاع المتهم بأنه يعاني من حالة نفسية تفقده الوعي وانه مريض بالجنون أو العته وانه غير مدرك لافعاله فهذا دفع جوهري يجب وضعه في الاعتبار فتقرر المحكمة انتداب لجنة طبية من مصلحة الطب الشرعي ويتم عرض المتهم عليها أو احالته إلي مستشفي الامراض النفسية والعصبية لفحصه من خلال لجنة ثلاثية تضم اساتذة متخصصين في الطب النفسي علي ان تتقدم هذه اللجنة بتقريرها للمحكمة في خلال مدة لا تتجاوز 54 يوما ومن الممكن تجديد هذه المدة في حالة عدم تمكن اللجنة من حسم تشخيصها لحالة المتهم وما إذا كان مريضاً فعلا أو يدعي الجنون كما حدث مع سائق شركة المقاولون العرب الذي تم احتجازه بالمستشفي لمدة 54 يوما وتم تجديدها مرة اخري بناء علي طلب اللجنة الطبية المكلفة بفحص حالته. وتأتي هذه الاجراءات في اطار مسعي المحكمة للوصول إلي اليقين والتأكد من سلامة القوي العقلية للمتهم ومسئوليته عن ارتكاب الجريمة حتي يتسني للمحكمة معاقبته بضمير مرتاح. فإذا ثبت للمحكمة من خلال تقرير اللجنة الطبية ان المتهم لم يكن مسئولا عن افعاله وقت ارتكاب الجريمة فإن المحكمة تعفيه من المسئولية الجنائية وتأمر بايداعه مستشفي الامراض النفسية لأجل غير مسمي ولا يتم اخراجه منها إلي بعد التأكد من سلامته واكتمال شفائه وذلك بعد عرضه علي المجلس الطبي الذي يعقد بشكل دوري كل ثلاثة اشهر. وقد تقوم المحكمة بعرض بعض المتهمين علي اللجان الطبية المتخصصة بمستشفي الأمراض النفسية والعصبية دون ان يطلب الدفاع ذلك أو حتي يطلب المتهمون انفسهم، وهذا اذا استشعرت المحكمة وجود أي خلل في سلوك المتهم أو في اسلوب كلامه.. وفي النهاية تقرير هذه اللجنة ليس ملزما للمحكمة التي تستطيع ان تأخذ به أو تتجاهله تماما. عدد كبير التقط الحديث د. ناصر لوزة امين عام الصحة النفسية قائلا.. عندما تقرر المحكمة ايداع أي متهم بمستشفي الامراض النفسية والعصبية تبدأ علي الفور في تشكيل لجنة تضم ثلاثة من اساتذة الطب النفسي ورفع تقرير في موعد غايته 54 يوما لبيان ما إذا كان المتهم مسئول مسئولية كاملة عن الجريمة التي ارتكبها أو غير مسئول عنها.. والحكم في النهاية للمحكمة لأن هذا التقرير غير ملزم لها.. وهناك حاليا 06 متهما تحت الفحص بمستشفي الامراض النفسية والعصبية وسيتم تسليم التقارير الخاصة بهم إلي المحكمة تباعا. وأشار د. ناصر لوزة إلي حقيقة هامة وهي ان ايداع المتهم بمستشفي الأمراض النفسية والعصبية ليس فسحة كما يتصور البعض أو نجاه من السجن لأن هؤلاء المتهمون مع كونهم مرضي إلا اننا لا نتعامل معهم بوصفهم مرضي عاديين وانما مرضي مودعون بأحكام قضائية لذلك يتم ايداعهم في عنابر خاصة تحت حراسة مشددة من رجال الشرطة لمنع هروبهم.. ولا يتم اخراجهم من المستشفي في حالة شفائهم الا بعد عرضهم علي المجلس البي صاحب القرار الاخير في خروجهم من المستشفي.. وهكذا قد يمضي المتهم بالمستشفي فترة اطول من مدة العقوبة التي كان سيمضيها في السجن.. وقد يظل بالمستشفي حتي نهاية حياته ولا يخرج منها ابدا.وعدد المرضي المودعين بأوامر قضائية حاليا في حدود 003 مريض تقريبا.